Atwasat

قُتِلَ الجعد ومات ابن الراوندي: (1) الجعد بن درهم

أحمد معيوف الإثنين 15 أكتوبر 2018, 10:58 صباحا
أحمد معيوف

لا توجد معلومات كافية تسلط الضوء على الجعد بن درهم وتاريخه، وبالتالي فإن الحديث عنه يظل منقوصا دوما. وأنقل هنا عن أحد الكتب التي فردت له بابا كاملا، وهو كتاب "مقالة التعطيل والجعد بن درهم" لمؤلفه الدكتور محمد بن خليفة التميمي عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، يقول في الكتاب "من الصعوبة بمكان البحث في بطون كتب التراجم والأنساب والتاريخ والمقالات والعقائد عن جوانب حياة هذا الرجل، فتلك الكتب لم تعر هذا الرجل قدرا من العناية والاهتمام إلا بالقدر الذي يتعلق ببدعته التي أظهرها ودعا إليها وعرف بها، مع بعض الإشارات المتفرقة والبسيطة عن حياته". ويظل السؤال الحائر: كيف يغيب رجل بحجم الجعد بن درهم عن التاريخ، وبأرائه وفكره وأسلوبه ساهم في التأسيس لفكر المعتزلة الذي سيطر على الحياة السياسية والفكرية على امتداد حقبة تاريخية امتدت لعقود منذ نهاية الحكم الأموي وازدهرت خلال الحكم العباسي، خاصة في زمن المأمون والمعتصم والواثق.

أاختلِفَ في أصله وفي مولده، ينسبه البعض إلى خراسان الفارسية، وينسبه البعض إلى الأكراد. الذين ينسبونه إلى الفرس هم أولائك الذين يعتقدون أن الفرس أكثر الطوائف خروجا عن الإسلام، لأنهم يعتقدون في تفوقهم العرقي على باقي الأمم، فلما سقطت دولتهم على يد العرب رأوا أن يكيدوا لهم عن طريق الحيلة، فأظهروا إسلامهم ليكيدوا للإسلام وللعرب من الداخل، لهذا أدخل الجعد ضمن هذه الطائفة. والذين ينسبونه إلى أصول كردية، يقولون بأن أم مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين هي جارية كردية تسمى لبابة، كانت أمة لإبراهيم بن الأشتر الذي خرج على الأمويين وقُتل في إحدى المعارك، فأخدها محمد بن مروان منه بعد قتله، وأنجبت له مروان بن محمد الذي اشتهر بلقب الحمار بسبب شدة صبره وجلده في الحرب. تذهب الروايات إلى أن هذه الأمة هي أخت (أو ربما أم) الجعد بن درهم، ويؤيد هذه الرواية في تقديرهم أن الجعد بن درهم كان مربيا لمروان، حتى إنه لقب بمروان الجعدي نسبة لمؤدبه جعد بن درهم. 
من أشهر من تتلمذ على يد الجعد كما أشرنا الخليفة مروان بن محمد، ذلك أن محمد بن مروان قد أُعجب به وبعقليته فاختاره ليكون معلماً لإبنه، ولاشك أن هذه منزلة كبيرة ومنصب عظيم لا يكون إلا لمن كان يستحقه بأهليته وعلمه. وكذلك من تلاميذه، الجهم بن صفوان، الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية. 
وجريرة الجعد، التي قتل بسببها، كما يصفها أتباع المذهب السلفي، أنه أول من قال بخلق القرآن، كما كان ينفي أن يكون الله قد كلم موسى عليه السلام تكليماً، أو أن يكون قد اتخذ النبي إبراهيم عليه السلام خليلاً.

وفي حين لم يرد إلا القليل القليل جدا عن تاريخ هذا الرجل، إلا أن قصة قتله من أشهر القصص التي لم يخلُ مصنف من مصنفات التراث إلا وذكره، فقد اشتهر أن خالد بن عبد الله القسري الذي كان أمير مكة في عهد الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، وأمير العراق على عهد هشام، قام بقتل الجعد يوم عيد الأضحى بالكوفة، وذلك بعد أن خطب في الناس خطبته المشهورة تلك والتي قال فيها: أيها الناس! ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر.
وفي حين هناك إجماع من المذاهب السنية التي تنسب نفسها إلى السلف حتى وقتنا هذا أن الجعد زنديق وكافر خارج عن الملة، ويستحق القتل على مقاله وكفره، إلا أن المدافعين عنه يعتقدون بأن الجعد أراد أن يبالغ في توحيد الله سبحانه وتنزيهه، مما دفعه إلى القول بنفي الصفات التي توحي بالتشبيه والذهاب إلى تأويلها، ومن بينها صفة الكلام والخُلة، مما أدى به إلى أن يقول بخلق القرآن وأن ينفي اتخاذ الله لإبراهيم خليلا بمعنى الخلة التي بين البشر، وأن يعتقد بأن الله وضع كلامه في الشجرة فحدثت موسى به أي ليس مشافهة.