Atwasat

السفارة البريطانية قلبها على الفتاة الليبية

سالم العوكلي الأحد 14 أكتوبر 2018, 12:10 مساء
سالم العوكلي

بتاريخ 12 أكتوبر 2018 نشر موقع بوابة الوسط الليبي خبرا عن تصريح للسفير البريطاني قي ليبيا بمناسبة اليوم العالمي للفتاة، تحت عنوان "بريطانيا: أكثر من 100 ألف فتاة بليبيا في حاجة ماسة للتعليم" ويبدو أن السفارة ومن باب الواجب الدبلوماسي لم تجد ما تكتب عن الفتاة في ليبيا إلا عبر ارتجالها لرقم غريب ربما أخذته قياسيا من إحصائيات بعض الدول التي تعتقد أن ظروفها الحالية مشابهة لظروف ليبيا: "قالت السفارة البريطانية في ليبيا، إن أكثر من 100 ألف فتاة في ليبيا في حاجة ماسة إلى التعليم، فيما تعهدت الأمم المتحدة بتقديم الدعم اللازم.

وأضافت السفارة، في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، مساء الخميس، إنه «في اليوم العالمي للفتاة، لا بد من التغيير»، مشيرة إلى أن «تعليم الفتيات هُو الحل الأمثل، فالتعليم يمنح الفتيات صوتًا أكبر في مجتمعاتهم [كذا!] ويُقوّي الاقتصاد ويجعل المجتمعات أكثر عدلاً".

لا أعرف من أين تأتي السفارات الغربية، المتواجدة خارج ليبيا، بأرقامها الجزافية حيال ليبيا؟. كثيرا ما تصادفني هذه الأرقام التي تعلن عنها وكأنها ترصد دولة في القرن التاسع عشر.

حين يقرأ أي ليبي هذا التقدير البريطاني لعدد الفتيات خارج المدارس، سيتلفت وهو في بيته في كل اتجاه، تقريبا كل ليبي أو كل عائلة ستتلفت مستغربة وهي متأكدة أن لا فتاة خارج المدرسة خصوصا في مرحلة التعليم الإلزامي، بل إن الآباء حريصون على تعليم بناتهم أكثر حتى من أولادهم، وكثيرو التفاخر بتفوقهن، حيث منذ عقود ونسبة البنات في المدارس أكثر من الأولاد، ونسبة التفوق أيضا أكثر بكثير، وفي بعض السنوات تجاوز عدد المتحصلات على التراتيب الأولى من العشرة الأوائل في الشهادات الإعدادية والثانوية نسبة الـ 70% بالنسبة للطلاب الذكور، بمعنى سبعة أو أكثر من كل عشرة من الأوائل، من الفتيات. وهذا ما جعل نسبة الطالبات في كليات الطب تتجاوز 72% في الأعوام الأخيرة.

وهذه إحدى الإحصائيات الكثيرة التي ترصد فرص حصول الفتيات على التعليم التي تتجاوز الشبان: "إحصائية بعدد طلبة السنوات (الأولى - الثانية - الثالثة) ثانوي - شؤون التعليم الثانوي- 2012 نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين".
شعبة العلوم الأساسية: ذكور 9687 ، إناث 20726
شعبة علوم الحياة: ذكور 10901 ، إناث 35230
شعبة العلوم الهندسية: ذكور 31213 ، إناث 7785
شعبة العلوم الاقتصادية: ذكور 26955 ، إناث 17749
شعبة العلوم الاجتماعية: ذكور 7591 ، إناث 12311
شعبة اللغات: ذكور 11220 ، إناث 32255
المجموع: ذكور 97567، إناث 126056
الأرقام هنا تتحدث عن نسب الإناث في التعليم الثانوي عندما كان تخصصيا في ذلك الوقت، حيث عدد الطالبات (الفتيات) أكثر بـ 30 ألف من عدد الطلاب، والسنوات التي أعقبت 2012 لم يحدث فيها أي تغيير إلا إذا كان لصالح أعداد الفتيات، باعتبار من التحق من التلاميذ الذكور بالميليشيات أو ما قتل منهم في الحروب والحوادث وفي سن مبكرة .

وهنا لا أتحدث عن التعليم ككيف ولكن ككم، وهذا الكم أحد المنجزات الليبية التي أشادت بها مرارا منظمة اليونيسكو، وإن كان الحديث يختلف عن كيفية التعليم ومخرجاته، مع ملاحظة أن مخرجاته فيما يخص الفتيات أفضل بكثير من الفتية لأسباب كثيرة موضوعية ويطول شرحها.

فهل أجرت السفارة البريطانية استطلاعا حول هذا الأمر؟. ومتى وكيف؟. ففي قريتي التي أعيش فيها لا توجد فتاة خارج فصول التعليم، ما بالك بالمدن. ورغم ما تعرض له قطاع التعليم في ليبيا من هزات إلا أن الدراسة لم تتوقف بغض النظر عن نوعيتها، وحتى العائلات النازحة استمرت فتياتها في الذهاب إلى المدارس خصوصا وأن النزوح كان داخل المدن الليبية وليس في مخيمات في الصحراء. فمن أين جاءت السفارة بهذا الرقم الغريب؟. إلا إذا كان حدث لها التباس بين ليبيا وبين أفغانستان، ليس أفغانستان الآن، ولكن عندما كانت تحت حكم طالبان.

ومثل هذه الأرقام التي تطلق جزافا، والتي تشير ضمنيا إلى أن هذا المجتمع متخلف ويحتاج إلى وصاية، تجعلني أشك في دوافع هذه السفارات أو السفراء الذين هم في الواقع يجهلون الواقع الليبي تماما، ومنذ أن قاطعت هذه الدول الواقع الليبي من عقود ماضية ولم يهتم إعلامها أو مراكز بحثها سوى بتتبع جرائم النظام أو رحلات أبناء القذافي ومغامراتهم.

فهل ثمة فساد يدار على حساب سمعة هذا المجتمع؟. وهل مثل هذا الرقم العشوائي وغيره من الأرقام مقدمة لتدفق أموال لجهات تتسول بالليبيين وتسرق من خلالهم؟. ولا أستبعد هذه الفرضية خصوصا ونحن كل يوم نسمع عن فساد عالمي يجتاح مؤسسات كبرى، ليس بداية بالفيفا أو نهاية بالوثائق البنمية، مرورا بما كشف من فساد خلف ذوي الخوذ البيض في سوريا. فمثل هذه الأرقام تستدرج الدعم المالي إلى السفارات من حكومات ومنظمات دولية، خصوصا حين يتعلق الأمر بالفتاة وتعليمها ونعرف حساسية هذا الأمر بالنسبة للمزاج الغربي خصوصا.

لقد شاهدت عن كثب العام 2011 الفساد الذي جاءت به منظمات دولية للمجتمع المدني، وصفقاته مع أشخاص في الداخل لا علاقة لهم بالمجتمع المدني، ولاحظت ــ حينما كنا نضع العام 2012 خطة لوزارة الثقافة والمجتمع المدني ــ وثائق عن مئات الملايين التي تم تداولها في عام واحد، تحت بند دعم منظمات المجتمع المدني، بدون أن يكون لها مردود على أرض الواقع.

أتمنى من وزارات التعليم، الشرعية وغير الشرعية، النائمة في العسل، أن ترد على مثل هذه التقارير أو التقديرات التي لا تمت للواقع بصلة، والتي لن تفضي سوى إلى تشويه مجتمعنا الذي تنبض فيه الحياة بقوة بمعزل عن العاب الساسة وصفقاتهم.
حين قمنا العام 2008 بكتابة مشروع ليبيا 2025 رؤية استشرافية، كانت إحدى الفرص المتاحة (حرص العائلات الليبية على تعليم بناتها وأولادها بشكل ظاهر وقوي) معتمدين على دراسات وإحصائيات مذهلة في هذا الخصوص، حيث كانت العائلات تعوض باجتهاداتها الشخصية قصور مؤسسات التعليم الكيفي. وما لفت نظرنا أيضا التفوق الملحوظ للفتيات في كل مراحل التعليم.

أتمنى من السفارات الغربية في ليبيا أن تتفرغ لإحصائيات البنك المركزي ومؤسسة النفط التي تعنيها، وأن تتوقف عن إطلاق مثل هذه الأرقام جزافا، وأن لا تزيد من جرعة الإحباط لدى الشرائح المجتمعية، ولا من جرعة الازدراء تجاه هذا المجتمع من قبل إدارات دولهم التي مازالت تنظر إلى ليبيا من زاوية خطاب استشراقي متعالٍ أو مشبوه، الخطاب نفسه الذي كان فيما مضى يهيء بمثل هذه الدراسات والتقديرات الجزافية مجتمعاتنا لشرعية احتلالها والوصاية عليها من أجل تطويرها وتنميتها، لنكتشف دائما أن عيونها على ثروات هذه البلدان التي تنتقل إليها دون أن تترك زاوية مضيئة فيها، ولعل هجرة الملايين الآن إلى أوروبا تثبت هذه الكذبة الكبيرة حول رغبة تلك القوى في تنمية هذه البلدان التي تركتها في النهاية جلدا على عظم بعد أن التهمت لحمها.

ملاحظة: في الرابع من أبريل الموافق اليوم "الدولي للتوعية من الألغام" لم نسمع بأي تصريح لهذه السفارات، مع أن الألغام المستوردة من هذه الدول خطر كبير في ليبيا يتهدد الجميع.