Atwasat

بين الأملِ والألم

أحمد الفيتوري الأربعاء 10 أكتوبر 2018, 11:49 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
تتشكلُ مفردتا الأمل والألم من أحرفٍ واحدة لكن الدلالةَ مُفارقة فكأنما الأمل طارد للألم، مذكرات عمر المختار الوافي تأتي تحت عنوان (بين الأمل والألم)، ويأتي اسم الكاتب بشيخ المجاهدين في ليبيا، من شُنق من قبل دولة موسوليني أيقونة الفاشية من ذهب ليبقي عمر المختار أيقونة الحرية.

العنوان كما الكتاب يُركزان على البينية: الحياة التي هي الضرورة بين ظفري الأمل والألم، كلمتا الكلام ولغة اللغة الإنسانية مجملة، وهما هنا يجملان المذكرات: حيوات شخص هو عمر المختار الوافي بين الحرية والسجن، فالمذكرات كما سيرة ذاتية لثنائية المعاش البشري في بلاد كما بلاد الكاتب، من إن أراد الصدق فإن سيرة أبناء بلاده والبلاد المشابهة تعايش الأمل من خلال الألم، تصبو للحرية في السجن ما هوية البلاد في عهد طاغية، ليبيا وما شابه.

هذا التأمل في العنوان ثار في ذهني من أثر ملاحظة للشاعر عبد الوهاب قرينقو عن كلاسيكيته، وعما يجب أن يكون ثمة محرر للناشر يغوص ويصوغ الكتابة والكتاب من فم الباب. العنوان ما هو ليس بمتاح في ظرف يكاد فيه وجود الناشر في ذاته غير ميسر، وكأنما بهذا يثير مسألة الكتاب والكتابة فالنشر ما لزوم ما يلزم: (بين الأمل والألم) مذكرات عمر المختار الوافي تثير مسائل عدة، فالمذكرات تدون الذاكرة ما بقيت لزمن طال محاصرة بالشفهي، وزادها طغيانا التطور التقني من راديو وتلفزيون، اللذان ساهما في تكريس أن يكون فضاء الكلام الفضاء المطلق على عواهنه.

الكتاب (بين الأمل والألم) سرد لسيرة محكومة بظروف جمة صعبة للطفل البدوي الفقير في بيئة فقيرة، للتلميذ في مدرسة أكثر فقرا في أجواء قارصة، للمعلم من ينشد العلم كمشاءٍ في جبل يكتسي غابة تفرق بين سكانه النساك. أما متن الكتاب المذكرات/ السجن بتفاصيله المكررة ما تحصر الكتابة، لكن (عمر المختار) من ليس بكاتب يكون الكاتب الذي يجعل السرد حيويا مفعما في جمل تقريرية سلسة كما خبير.

إذ يفلح السارد في افتكاك ما حدث من المشافهة بالتدوين المحنك والإصرار العنيد، بأن يكتب سيرته ما مهما كانت متشابهة مع سير بشر عديدين تتميز بأنها سيرة (عمر المختار الوافي) ابن بلدة (شحات) الجبلية في بلاد الصحراء الكبرى، المفارقة الجغرافية الاجتماعية توكد تاريخيا بأن شحات هي قورينا بلاد الفلسفة القورينائية، زمن أفلاطون الذي زارها قبل التاريخ ليناقش تحت نبع أبولو فلسفتها فلسفة اللذة، هذا النقص في المذكرات مما أملت أن يمنحه المختار حيزا كبانوراما تاريخية لسيرته التاريخية وهو معلم التاريخ.

2-
كتابة المذكرات كما كتابة وثيقة تاريخية سيكولوجية فهي سيرة ذاتية تتماس والنص الأدبي، دون أن تتقاطع والوثيقة التي يحتاجها المُحقق في الوقائع لأنها تسلط ضوءا شخصيا كما شاهد العيان، و(بين الأمل والألم) إضافة في هذا حيث النقصان يشوب هكذا كتابة.
نشر هذا الكتاب يجيء كوثيقة وكنص يُمكن الدارس التاريخ والأدب كما يتيح لعالم النفس معرفة مضافة ومتاحة ومشاعة، وسلسلة (كتاب الوسط) مشروع يشرع باب السيرة والسرد السيروي ليتيح وثائق النفس البشرية في لحظة تاريخية من جغرافيا كليبيا، ويردفها بكتب تبحث في الراهن في الفكر والسياسة والاجتماع بهذا تكتمل الصورة في زاوية معتمة إلى حد ما في اللغة العربية.

3-
(تلك الحياة التي طالما حلم المرء بها، وعمل جهده على أن يقدم لها إضافة جميلة، لتصير أكثر جمالا وروعة، صار يخشاها ويخاف ألا يستطيع التكيف معها، كما يحدث للطفل الصغير يفارق بيته لأول مرة صرنا نسأل زوارنا عن أهلنا ماذا حدث لهم؟ وعن أقاربنا من مات ومن يعيش؟ وعن البلدة والمنطقة وما بها من تغيير؟ طبعا كانت كثير من الأسئلة تفتح جروحا وأخرى تفتح أملا وتفاؤلا...)، ص 385 من (بين الأمل والألم).

اللغة الساردة تقريرية سلسة والجمل مفعمة بحيوية وكلقطات تفصيلية يجيء الحكي ما يلم بالحياة، في البدء شخصية الكاتب الطفل والمعلم، فالبلدة والصعاب، ثم السجن والسجين ما تتخلله شيء من سير شخصيات رافقت الكاتب محنة السجن مثل: محمد الشلطامي،عبد الحميد البشتي، عمر دبوب ومحمد بن سعود، أحمد بورحيل، عبد المولي دغمان، جمعه عتيقه،عبد الله شنابو، عبد العزيز الغرابلي، موسى أحمد، محمد المفتي، والمفكر المصري عبد الرحمن بدوي، وغيرهم.

وما يُلم به الكتاب من تفاصيل تاريخية تجيء من زاوية رؤية الكاتب، فالمذكرات سيرة ذاتية للتأريخ وليست تاريخا كما أشرنا أعلاه.

وإذا ثمة أخطاء تاريخية أو غيرها فهي شخصية ناتجة للقصور الذاتي ولطبيعة الكتابة ونوعها، بل إن الأخطاء هذه هي ما توضح وتركز على النوعية في الكتابة، من حيث إنه إذا كانت الرواية كتابة تخيلية فإن المذكرات كتابة موضوعية لكن من زاوية ذاتية محض.
كتاب (الأمل والألم) مذكرات عمر المختار الوافي من سلسة (كتاب الوسط)، إضافة إلى المكتبة الليبية في مجال التاريخ الذاتي وأدب السيرة.