Atwasat

شفرة الدول الناجحة: المصالحة والسلام

آمنة القلفاط الأربعاء 03 أكتوبر 2018, 10:39 صباحا
آمنة القلفاط

كيف حدث أن وصلنا بعد ما يقرب من ثماني سنوات من الجهود المضنية في محاولات للمصالحة وتبني الحوار، بعد محاولات ومحاولات وتدخل دول الكرة الأرضية في القضية الليبية، أن أصبحت بهذا التعقيد؟

كل شيء بدأ مبهجاً، تلقائياً، ومحسوماً. انتخابات، ديمقراطية، حرية وانفتاح، مواطنة ودولة مدنية، تفاؤل نحو التقدم للأمام وليس انعطاف للخلف. فماذا حدث؟

سمعت مئات النقاشات، رأيت عشرات التوصيات لمؤتمرات محلية ودولية، قرأت آلاف التعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، تابعت تغريدات غسان سلامة وطابور مندوبي الأمم المتحدة قبله، ولم أجد ما يدل على منهجية سليمة تأخذ بالمعطيات وتهدف لنتائج بحيث تُحترم بنودها فيتبناها الجميع بلا استثناء. كيف وصلنا لهذا المأزق الذي اشترك الجميع في ايصالنا إليه، عن عمد من بعض الأطراف أو عن جهل وربما أيضا عن غباء من بعض الأطراف الأخرى؟

يقتل بعضنا البعض، تدمر بيوتنا وتقصف مؤسساتنا، العرجاء أصلا في بنيانها وادائها، تقطع طرق اتصالنا بالعالم، تشرد وتجوع آلاف العائلات، يموت شبابنا ويفقد البعض الأخر اطرافهم، يُتيم الأطفال، وفي وسط كل هذا التردي، نرفع شعار لدولة الحقوق والمواطنة.

يقول توماس باين وهو منظر وسياسي" إن محاولة التحاور مع شخص تخلى عن أي منطق؛ اشبه بإعطاء الدواء لميت"
يبدو فعلا أن تبني الخيار السلمي، وأن فض النزاعات بالحوار ، والأهم أن بناء وطن للجميع باختلاف توجهاتهم، يعتمد بالأساس على الوعي العام للشعوب واستعدادها للتنازل عن مصالح ضيقة في سبيل مصالح عليا. مع غياب الوعي يَصعب تبني خيار الحوار والمصالحة.

الإنسان منذ الأزل في صراع دائم مع من حوله لرغبته في السلطة ولفرض ما يراه الأفضل من وجهة نظره. يلجأ إلى استخدام القوة عندما يعجز عن فرض آرائه بالحوار، وعندما يوقن أنه الأقوى وأن باستطاعته فرض ارادته وما يراه صواباً فإنه يلجأ للسلاح لتصبح ارادته أمر واقع. هذه الطبيعة الإنسانية على سجيتها عندما تُفقد مفاهيم قيام الدول معناها، وعندما يُفتقر وجود القيم العليا ويغيب الانتماء للوطن، ويصبح الولاء للحدود الضيقة المتمثلة في القبيلة والعائلة ونطاقهما المحدود. تماماً مثل مفهوم الثأر وما يعنيه من عودة الكرامة الضائعة، لكنه ثأر لفرض الهيمنة والتسلط.

لكل منطقة أو مدينة مقومات عامة مثل ولاء أفرادها لها، كثافتها السكانية، مواردها والكيفية التي تدار بها، القيم الحضارية التي تربط الأفراد ببعضهم البعض فتقوي النسيج المجتمعي. بينما العلاقات بين المناطق أو المدن بعضها ببعض هي حزمة من النطاقات العامة التي يشترك فيها سكان الدولة مثل الدين، التاريخ، العمل الاجتماعي، العادات والتقاليد، السيادة، الاستدامة البيئية، ومحاربة الجريمة والفساد. هذه الحزمة هي التي توطد أواصر اللحمة وتساعد في زيادة أسهم دولة ما.
احترامنا لبعضنا البعض، لعاداتنا وقيمنا، لتاريخنا على أرضنا، لسيادتنا بين أمم الأرض، يفرض علينا رفض القتال ونبذه واعتباره حلا بأي شكل كان. نرفع شعارات لا ندرك مغزاها. نريد دولة المواطنة ونرفض بعضنا البعض، دولة الحقوق ونضيع حقوق بعضنا البعض.

ما الذي ينقصنا لتكون لنا دولة لها احترامها وسيادتها مثل بقية العالم؟. ينقصنا أن ندرك المفهوم الحقيقي للمواطنة ودولة العدالة. ينقصنا أن نلجأ للحوار كحل لا بديل عنه. أن يكون لكل منا الحق في التعبير عن رأيه، في قول كلمته، في تبني ما يعتقد من آراء سياسية. دون حرية لن تُبنى دولة ولن نعرف حقوق ومواطنة. لأنه ببساطة إما مواطنة حقة أو ديكتاتورية القمع والسلاح.

ينقص صانع القرار والنخب السياسية المعرفة بالجغرافيا السياسية الليبية وبالموارد المتاحة والتي تكون أداة بناء وليست هدم. سبق وأن أخطأنا عندما تم إلغاء التنظيمات السياسية بعد أشهر من استقلال ليبيا الأول. وأخطأنا ثانية عندما تجاهلنا دعوة السيد عبدالحميد البكوش لتحديد إطار للشخصية الليبية، لتكون لنا بها منهجية ومرجع. ثم دخلنا خلال أربعين سنة في تقلبات حادة من النقيض إلى النقيض وما زال الحبل على الجرار. الدور مشترك بين صانعي القرار والرأي العام. كل شيء يمكن أن تشتريه من السوق إلا القيم. أن تقيم دولة حديثه في تغول الأحادية والأنانية، ومع الجهل بأدوات الدولة الحديثة يبدو أحيانا كمن يحرث في البحر. وأرجو أن أكون مخطئة في تقيمي هذا.