Atwasat

نحن والعالم

فؤاد سيالة الثلاثاء 02 أكتوبر 2018, 03:32 مساء
فؤاد سيالة

لم يعد هناك شك على الإطلاق في أن العالم بأسره يتساءل: «مَن يكون هذا الشعب المبهر؟».
فالعالم بأسره شاهد قائدنا الملهم يصنع جيشًا يزيد تعداد ضباطه عن عدد جنوده، والعالم بأسره تعلّم من مفكِّرنا الفذ أنَّ الدجاجة تبيض وأنَّ الدينار لا يبيض، ثم رآنا العالم ننتخب العام 2012، فقال العالم لنفسه: «لعلهم شعب كالشعوب»، لكنه رأى مَن انتخبناه ينصحنا «بالتل في المرميطة»، والعالم بأسره رأى مُفتينا يقسِمنا مؤمنين وضالين.
ورآنا العالم نُصّرُّ على تغذية المجاميع المسلحة بالمال، وعلى هدر قيم الحق والخير والجمال..
ورأى العالم «إخواننا» يسعون «لأسلمتنا»، ولجعل ثروتنا رافدًا «لبيت مال المسلمين»..
ورأى العالم «أنصار شريعتنا» يذبحون القاضي والجندي والصحفي والمحامية..
ورأى العالم «استراتيجيينا» يُطِّلون علينا من شاشات التلفزيون، ويشتكون دولاً أعضاء في مجلس الأمن إلى محكمة العدل الدولية..
..........
ورآنا العالم ننتخب مرة ثانية العام 2014، فعاوده الشك مرة أخرى: «قد يكونون شعبًا كالشعوب»..
لكنه سريعًا رأى بطلنا المغوار يحرق مطارنا وخزانات وقودنا ويحتل المدينة التي قلنا لها: «نريدكِ عاصمة»، فما عصمناها..
ورأى «طباخينا» يطهون «الكسكسي» و«البازين»، ويبعثون رشتة الكوسكاس وعليها اللحم كداس إلى «الجبهات»..
..........
ثم قال العالم: «لماذا لا يتفق هؤلاء؟»، فكان أن «اتفقنا»، وفي (الصخيرات) وقَّعنا..
لكن العالم رأى برلماننا يقفله «عكوز»..
ورأى العالم رئيس برلماننا لم يرضَ أن يفوته البساط الأحمر، فتراجع عن اتفاقه..
ورأى العالم أجسامًا سياسية ارتضيناها على كُرهٍ في (الصخيرات) تنكص على أعقابها وترمينا بالجمرات..
ورأى العالم أضحوكةً في (البيضاء) تسوقها «حبلة» وعصا «ماريشال»..
ورأى العالم مجلسًا رئاسيًّا بتسعة رؤوس..

 ورأى العالم أضحوكةً في (البيضاء) تسوقها «حبلة» وعصا «ماريشال».. ورأى العالم مجلسًا رئاسيًّا بتسعة رؤوس

ورأى العالم محافظ مصرفنا المركزي يعمل كل ما في وسعه للتضييق على حياتنا..
ورأى العالم رئيس عصابة يمنع تصدير نفطنا..
ورأى العالم حكومة توافقنا تعكس صورة ناصعة لا شِيَةَ فيها لعدم توافقنا..
ورأى العالم ملحمة «السيفيهات» في (قمرت) التونسية..
ورأى العالم وكيلاً لوزارة الخارجية في (البيضاء) سفيرًا في دولة أفريقية في ذات الوقت..
ورأى العالم شيخًا لميليشيا سلفية ملازمًا أول في شرطة وزارة الداخلية في نفس الشخص..
ورأى العالم، بل شمَّ، رائحة كريهة عفنة تنبعث من اعتماداتنا وصفقاتنا..
ورأى العالم، مرة ثانية وثالثة ورابعة، تركيبًا للجماعات المسلحة على ظهورنا..
ورأى العالم رئيس حكومتنا التوافقية لا يكاد يملك من الأمر شيئا..
ورأى العالم هيئة الأمم المتحدة تُسمِع رئيس حكومة توافقنا، وتُسمعنا معه، معسول الكلام..
لكن العالم رأى أنَّ فعل الأمم المتحدة هو ضرب من الأحلام..
ورأى العالم بعض «الأمم» تخوض حروبها فيما بينها على أرضنا، وبدم أبنائنا..
ورأى العالم أحد نوابِّنا يقول أن يحكمه مصري أفضل عنده من أن يحكمه «غرباوي»..
ورأى العالم أحد «مهندسينا» يصف (بنغازي) بأنها (القرية الظالم أهلها)..
ورأى العالم جنوب بلادنا ينقطع عنه التيار، وينقطع هو عن الأسماع والأنظار..

لم يعد العالم يستغرب على الإطلاق أن يقوم برلماننا بتعديل الدستور لكي يتوافق مع قانون سبق له أن أقرَّه

ورأى العالم نخبنا المثقفة سرعان ما يجذبها مغناطيس القبيلة، والمدينة، والإقليم..
ورأى العالم «دعاة الدولة المدنية» عندنا يُقسِمون أنَّنَا شعب «ما يجيش إلا بالعصا»، ويطالبون «بالمستبد العادل» لكن «لفترة محدودة بس»..
ورأى العالم فقهاء القانون عندنا يعصبون عيونهم هم عن رؤية ما يحدث، لا عيني السيدة (عدالة) عن رؤية المختصمين أمامها..
ورأى العالم أن الأمَّ في بيوتنا تفخر بابنها الذي اكتسب سيارة «الشيخ زايد» من انتسابه الميليشياوي، لكنه لم يكسب علمًا من مقعده الدراسي..
..........
ثم رأى العالم هيئتنا التأسيسية تنتج، بعد طول انتظار، جنينًا، ليس جميلاً بالقطع، لكنه مكتمل الأعضاء..
فقال العالم، ثالثة: «هل سيكونون شعبًا كالشعوب؟»..
..........
ثم شاهد العالم مشيرنا الذي لا يُشق له غبار يقول إنَّ مشروع الدستور «دفنقي»..
ورأى العالم بعض نوابنا يقولون: هذا الدستور لن يمر، لأنه «يزعل القيادة»..
ورأى العالم مطاريد المدن والقرى والنجوع يلتحمون، على اختلاف مشاربهم، ويتسلحون من عطايا مُحرِّكِهم، ويقصفون المدنيين الذين ادعوا أنهم جاءوا ليرفعوا الظلم عنهم، و«ليُطِّهروا» مدينتهم..
ورأى العالم شيوخنا «يكشكوا» ويهزون مؤخراتهم المتغضنة كتفاح «رامض»، وهم يؤكدون أن الله مع المشير..
ورأى العالم شيوخًا أطفالاً، وأعيانًا عميًا، وحكماء حمقى يستغيثون بالمنقذ الفذ..
.........
أيقن العالم أنَّنَا شعب مبهر..
لم يعد العالم يستغرب على الإطلاق أن يقوم برلماننا بتعديل الدستور لكي يتوافق مع قانون سبق له أن أقرَّه..
العالم اليوم يعرف أنَّ أيًّا مِنَّا لا يتورع عن فعل أي شئ، مهما بلغت غرابته وخروجه عن المألوف وحتى جرمه، إذا ظَنَّ أنَّه مُوصِلُهُ إلى أغراضه..
وإن تعارضت، كتعارض الشر مع الخير، مع مفهوم الوطن.