Atwasat

بثلاثين. نبدوها من غريزة الموت إلى غريزة الحياة

أبو القاسم قزيط الثلاثاء 02 أكتوبر 2018, 02:14 مساء
أبو القاسم قزيط

شهد الوسط السياسي الليبي في الأيام الماضية حراكا نسائيا، تحت عنوان بثلاثين نبدوها. أي المطالبة بحصة. تقدر بـ 30% من الهيئات المنتخبة، وذلك من أجل تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية الديمقراطية. ليست ثمرة برسم القطف، بل هي بذرة برسم الزرع خصوصا في مجتمعاتنا، وبالتالي هي تحتاج لتمهيد التربة المجتمعية. حتى تزهر بذرة الديمقراطية وأولى خطوات المساعدة على الدفع بالمرأة هي وجود حصة أو كوتا لها في مجتمع يمتهن المرأة، فلا يمكن أن يتطور أي مجتمع ونصفه معطل مكبل بستار حديدي من العادات الموروثة من عصر التخلف والانحطاط لا يغيب عن الجميع أن المجتمع الإنساني هو مجتمع ذكوري في عمومه، ناقش ذالك بعد عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بييير بورديو في كتابة المجتمع الذكوري، فالقيم الكونية هي إلى حد كبير قيم ذكورية ، فبلد الأنوار فرنسا لم تصل إلى الإليزية أبدا سيدة بصفة رئيس جمهورية، فقط حرم رئيس الجمهورية، ومرة واحدة نافست السيدة القوية سيقولين رويال.. لكنها هزمت من نيكولا ساركوزي. وغادرت الحياة السياسية تماما. في الولايات المتحدة تتكرر الحدوثة الفرنسية. سيدة واحدة نافست لتكون حاكمة البيت الأبيض، هي السيدة كلنتون، لكن الأمريكان قبلوا أن تكون السيدة الأولى مع زوجها. لكنهم رفضوا أن تكون سيدة البيت الأبيض.

إذن المسار على المستوى الإنساني يحتاج إلى عمل طويل، والمجتمع الإنساني هو ذكوري بطبيعته، لكن الغرب قطع شوطا بعيدا في المساواة بين الجنسين، وأبرز نموج هي بريطانيا، فالمرأة في بريطانيا تتسيد تماما الحياة السياسية والعامة.

فخلال نصف قرن كانت الأميرة ديانا والملكة الليزابث و رؤساء الوزراء تاتشر وماي هن أيقونات الحياة السياسية البريطانية.. أوربا متقدمة جدا في وضعية المرأة عنا، بل إنها متقدمة بوضوح حتى على الولايات المتحدة. لكن حتى في أوربا مازال الطريق طويلا للمساواة التامة.

ثورة فبراير لدى أنصارها هي ثورة تحرير. ولا معنى للثورة مادام نصف المجتمع مكبلا، لا معني لأي ثورة إذا لم تكن ثورة تنوير. لا معني لثورة تتحول إلى ردة أصولية تري في نصف المجتمع أنه يعاني من دونية بيولوجية تنقصه العقل والدين. في تقديري مرحلة التوازن الحقيقي عندما تكون المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وأن يتم تدارك الجور التاريخي الموروث من حقب التخلف التي جعلت من مقولات دونيتها وتهافتها مقولات راسخة في الوجدان الجمعي، بل إن المرأة بماسوشية فاجعة تتبنى هذا الإفك الذي يحط من شأنها.

بثلاثين نبدوها، ولم لا.. خصوصا أن محاولات الرجل الليبي بعد فبراير كانت تعتورها باستمرار العدوانية المنفلتة من عقالها. فلم نكف عن القتل والتدمير ولا وهن الأسباب، فعلم النفس المقارن يقول لنا أن الذكور في كافة رتبها البيولوجية من الإنسان إلى أدني المخلوقات هي أميل إلى العدوان نتيجة هرمون الذكورة التستوستيرون، وبالتالي قد يكون تبوأ مواقع قيادية للمرأة الليبية، يجعلها بحكم البيولوجيا أبعد عن ارتكاب أعمال العنف.

المرأة التي بطبيعتها تهب الحياة، وحب الحياة معجون بدمها ومركوز في وجدانها، وطبيعتها مجبولة على الركون إلى السلام. فمن هذا المنطلق إذا جاز في هذا الإطار الكلام عن دونية بيولوجية، فهي تكون مقرونة ببيولوجيا العدوان المرتبطة بالرجل لا بالمرأة.
أكثر المجازر في التاريخ من صنع الرجل، وحتى ريا وسكينة سيئتي الذكر في التاريخ الذي يكتبه الرجال، هن في التحليل الأخير ضحية الرجل، وصنيعة الجور والطغيان والاستباحة لأجسادهن وكرامتهن. فلم تسطيعا الانعتاق إلا بممارسة آلية التماهي مع المعتدي التي تحيل الضحية إلى جلاد.

الحياة من منظور التحليل النفسي هي صراع بين غريزتي الحياة (إيروس) وغريزة الموت (ثاناتوس) وغريزة الحياة أكثر أصالة لدى واهبة الحياة سر الوجود والعشق المعتق لاستمرار الحياة، ولا مندوحة من القول أن تاريخ البشرية وبيولوجية الإنسان، تعترف دون جحود بأن الذكور كانوا دائما ما يركنون لغريزة التدمير...

يبدو أن المجتمعات الغربية أصبحت تدرك النزعة الذكورية للعنف والعدوان، لذلك أصبح يكاد يكون منصب وزير الدفاع في دول أوربا منصبا نسويا بامتياز، إمعانا منهم في كبح غريزة العدوان والتدمير، فالعلم أثبت أن المرأة هي الأصل في الحياة لا الموت وهي الأصل في الحنان والحب غير المشروط لا العدوان والفتك.

إذا هناك ضرورة لأن تأخد المرأة وضعا طبيعيا حتى يمكن أن نأمل ان تكون هناك ديمقراطية راسخة لدينا وهناك ضرورة إنسانية حتى تخف غريزة العدوان والتدمير التي هي طابع ذكوري بامتياز. فلا يمكن أن تتعافى الديمقراطية في بلدي دون دور أكبر للمرأة، ولا يمكن أن تكبح غريزة العدوان، مالم تكن المرأة الليبية في قمة الهرم السياسي في ليبيا. في الختام نستحضر قول كبير المتصوفة إبن عربي.. المكان الذي لايؤنث لا يعول عليه.