Atwasat

التنظيمات المؤدلجة والجموع المؤججة

إبراهيم قدورة الثلاثاء 02 أكتوبر 2018, 09:58 صباحا
إبراهيم قدورة

دأبت التنظيمات السياسية في مختلف دول العالم والتي تعتمد على نُخَب مؤدلجة، على استعمال معاول متعددة في الصراع السياسي على السلطة، تختلف وتتنوع هذه المعاول باختلاف وتنوع المكان والزمان، وتكون مؤلمة وظالمة حينما يغيب الوعي السياسي وتُحجَب المصلحة الوطنية، وتتصدر المصالح التنظيمية، ويدخل الأطراف في دوامة الكسب والتآمر، وتتحول الساحات السياسية إلى ساحات تأجيج ومواجهة عنيفة، تتصاعد بتراكم الأخطاء إلى التخريب والقتل إذا توفر السلاح.

وما يهمني في هذه الفقرة التي قدمت بها هي كلمة تأجيج، (في لسان العرب الأَجِيجُ هو تَلَهُّبُ النار وأجج تعني زاد اضطرام النار..)، وللتأجيج أيضا أدوات كالتحريض والإشاعة وشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام وغيرها كثير، فكيف تستخدم التنظيمات السياسية أو الأطراف المتصارعة هذا المعول في تشكيل خارطه متغيرة بتغير مصالحها؟.

ونظرة إلى التاريخ القريب فقد أبدعت التنظيمات اليسارية في تأجيج الطبقات الفقيره ضد فكرة الإقطاع لكي يصلوا إلى تطبيق نظام شيوعي لم يكن الفقير الجائع مستوعبا له، فثار الفقراء ووجدوا أنفسهم آلات إنتاج ملك للدولة قُتِلَ فيها الطموح وتغول فيها عنفوان آلة السلطة، ثم انحسرت الشيوعية كفكرة وسقطت كنظام.

أيضا، استعمل القوميون هذا التأجيج من خلال منابرهم الإعلامية في فترة الستينات وأوائل السبعينات، فاستطاع المد القومي بمسمياته المختلفة، تحريك مشاعر الناس القومية وتوجيه الحراك الشعبي لدعم انقلابات عسكرية تصدرت السلطه وانتهت بمواطن مضطهد مسلوب الإرادة، ودول غارقة في التخلف على أيدي طغاة من أمثال القذافي.

أصبحت نظرية التأجيج لصالح الفكرة، التي تخدم هدف النُخبة المؤدلجة، أسلوبا فعالا بغض النظر عن عواقبه على مستخدميه، واندفعت التنظيمات الدينية في مصر إلى تبني منهج التأجيج، مستغلة المشاعر الدينية لدى العامة، وثقتهم في رجال الدين، فقهاء أو أنصاف فقهاء، الذين أبلوا بلاءً منقطع النظير في تأجيج البسطاء، من خلال سرد الرؤى والأحلام الواعده بقيام دولة العدل والتي ستقوم على يدي رجل مصلح كمحمد مرسي! (هكذا رأى البعض في نومه بعد وجبة عشاء دسمة)، وقد نجح التأجيج في استلام رئاسة الدوله كما نجح أيضا في إثارة تأجيج مضاد عجّل في إجهاض ديمقراطية حلم بها العامة.

بعد هذا السرد نصل إلى خلاصة مفادها، أن الجموع البشرية حول الفكرة، تتكون من مجموعة مؤدلجة تكون واضحة لديها الفكرة والهدف والمخطط وجموع (أغلبية) مؤججه حُمِّلت الفكرة بدون معرفة بالتفاصيل أوحتى الأهداف والأجندات.

في ليبيا، يضفي التسلح خطورة خاصة على المشهد، حيث يجري التأجيج في أوساط شباب مسلح مندفع فلا يرى أمامه إلا أعداء للفكرة التي استقاها بدون استيعاب، فأجج مؤدلجون فكرة نصرة الشريعه فصنعو لها أنصارا دون استيعاب لمعنى ومقاصد الشريعة المراد نصرتها، وأجج متطرفون فكرة الدولة الإسلامية بدون توضيح لماهيتها، وهكذا التفت حول هذه الشعارات دوائر مؤدلجة ودوائر مؤجَجَة، والخطرالكبير يأتي من فكرة التأجيج، فبقدر ما تخدم هذه الفكرة أغراضا وأهدافا معينة، هي ظاهرة تنتهي بصحوة المؤجَّج والتي سوف تسدل الستار معلنة نهاية المسرحية.

وفي النهاية حرية الفكر وحرية العمل السياسي هي جزء من ثورة 17 فبراير وليس التأجيج والتأجيج المسلح الذي لا يجني إلا مزيدا من زهق الأرواح بدون وجه حق. نستعيذ بالله من التأجيج ونسأله أن يفرغ الرحمة والسكينة والأمن والأمان على بلادنا وأن يحفظ أرواح أبنائها.