Atwasat

أغراض الإعلام الجديد

عبد الكافي المغربي الثلاثاء 25 سبتمبر 2018, 10:21 صباحا
عبد الكافي المغربي

كان الإعلام وظل، المحرك الأول للتبدل السريع في المجتمع الواحد أو في العالم بأسره، واكتسب زخمه عندما برز كأداة فاعلة في ثانية الحروب الكونية، والحرب الباردة التي أنعشت جوًا تسوده الريبة والشك. وبسبب هذه المآتي الاستثنائية التي تحققت للدعاية، هيأت أعرق المؤسسات الأكاديمية وأبرز المراكز البحثية مجالات واسعة لدراسة وتطوير الإعلام، وغدا نجوم الإعلام ومن يكتبون سياسته من أعرض الناس جاهًا وأوسعهم ثراءًا.

ويغلب على إعلام البلاد المستقرة الطابع الترويجي التسويقي للأدوات التقنية والمنتجات الاستهلاكية أو البرامج الترفيهية، وليس هذا ما يهمنا أمره، إنما نريد إعلام الحرب والتعبئة، الأيديولوجيا والنفوذ، الذي نتأثره في حياتنا الحاضرة وما تنبض بتمخضات واهتزازات، وما نلمسه من انعكاسات لتلك حصرًا في الإعلام السياسي. فمن خلال هذا اللون من الدعاية، كسبت المعارك وأخضع الأعداء من الداخل من قبل أن تطلق رصاصة واحدة أو تغزو قوة أجنبية، بحسب تعبير قسطنطين زريق. وليس أقدر من إعلام السياسة على توجيه الشعوب للانقلاب على حاكم أو مرافقة زعيم مستبد إلى قصر المُلك، وليس أبرع منه في التوطئة للجرائم الفظيعة تحت ستار من الشرعية الخلقية أو الحقوق القومية أو غير تلك.

وإذا كان الإعلام السياسي كما دلت شواهد العصر أوضح أثرًا من الكتاب الذي نعيد إليه حدثًا كبيرًا عظيم الخطر كالثورة الفرنسية، في توجيه التغيير السياسي وإدالة الدول وانتكاب الشخصيات البارزة وإرشاد الجماهير لتسلخ عن بدائيتها تلك القشرة الرقيقة من التحضر، فأحرى بالإعلام الجديد أن يكون أجسم خطرًا من الاثنين، ونقصد بهذا الجديد إعلام الغوغاء في الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي.

يوفر الأنترنت مساحة غير محدودة، طابعها الخلق الحر، تبَدِّل خوف التعبير أمنًا بما تتيحه من أدوات التخفي والسرية. ولئن كانت هذه الوسائل من تصميم من يحكمون العالم، في سعي لضرب السلطات التي تتحدى، فإن الأنترنت لا يخلو من ثغرات خطيرة تضرب القوة الأعظم في محل الضعف، وبذلك لم تضر حرية التصفح وسرية المستخدمين بالسلطات المناهضة فحسب. ولا يزال الإنترنت الأسود وما يسجل من انتهاكات وأنشطة راديكالية وتعديات على حقوق الملكية الفكرية وغير ذلك يدَوِّخ الأجهزة الشرطية والقضائية في سائر أنحاء العالم المتمدن.

وإذا ما طلب إلينا الإغضاء عن تهديدات الإنترنت الآنية سنلتفت إلى الخلل الذي ليس يقل خطرًا في المنظور البعيد، وهو الخلل المعرفي. ذلك أنك تستطيع على أية كيفية كنت من عمق الفكر أو ضحالته أن تذيع خلجات نفسك في مدونة أو حائط على التواصل الاجتماعي، أو تكتب مقالًا هشًا لا تدعمه المراجع والالتزامات الموضوعية على الويكيبيديا، وبذلك يقرأ الناس بعضهم بعضًا، ويُخذل الكتاب ويُملق أهل الثقافة ويُرغب عن الأساليب البحثية ولا يُبذل السعي لاتساق الأفكار.

وإذا كان الإعلام التقليدي يستفاد في تبرير نفوذ دولة أجنبية على حكومة فاسدة أو في تضليل الجماهير لتستنزف ثروات بلادهم فلا تخبط خبطة الغضب، بحسب ما نستخلصه مما أورد أبرز مفكري عصرنا noam chomsky في كتاب السيطرة على الإعلام: الإنجازات الهائلة للدعاية. فإن إعلام الفوضى التي يصطخب بها الفضاء الافتراضي يمثل في نظرنا تهديدًا أكبر لانتظام الأمم وحائلًا أمنع دون التنوير أو الاتصال الحضاري وتواكب المحافظة والتجديد، اللازمة جميعها للانتقال إلى مجالات للعيش أرحب وأخلق بكرامة الإنسان. وإن تكن الفوضى المتضخمة في بلد ما مقدمًا للغزو الأجنبي أو انتعاش دولة العائلة، فإن فوضى الأفكار أقدر على إجهاض التجديد وانتفاء الحاجة إلى التفكير.