Atwasat

جيل "اللامنتمي"

بشير زعبية الأربعاء 12 سبتمبر 2018, 11:24 صباحا
بشير زعبية

"اللامنتمي"، عنوان كتاب الكاتب الإنجليزي كولن ويلسون الذي صدر في منتصف الخمسينيات وعرفته المكتبات العربية في السبعينيات، سأسقط عنوانه رغم اختلاف النموذج، على شريحة من جيل ليبي يفرض وجوده الآن بقوّة على الساحة، إنّهم أولئك الشباب ذوي الأعمار من الـ19 إلى الـ 22 عاما، وكانت أعمارهم وقت تفجّرالأحداث في فبراير 2011 تتراوح بين الـ 10 و13 سنة، هؤلاء الشباب لم يكونوا واعين حينذاك ماذا يعني فبراير ولا سبتمبر وبالطبع ديسمبر أيضا، لم يكونوا أبناء أحد أجيال هذه التواريخ، وعلى امتداد الثماني سنوات التي مضت تفتحت أعين هؤلاء على مشهد السلاح والمسلحين، وخبروا ماذا يمكن أن يفعل السلاح، خاصة في بلاد لا جيش فيها ولا شرطة، ولا يحكمها سوى السّلاح، واحتوتهم الحالة ليصيروا جزءا منها، فانجرّوا وراء السّلاح، وانخرطوا بمجموعات مسلّحة تارة بإغراء المال، ووتارة نتاج التباس إحساس بالرجولة وحمل السلاح والقدرة على استعماله.

بمعنى أن السلاح واستخدامه أعطاهم الشعور بالرجولة وإثبات الوجود، واستُغِلّ اندفاعهم الحماسي بزجّهم في اقتتال هنا وهناك، وتنصيبهم في بوابات الاستيقاف، حيث عرفوا قوة وسطوة السلاح الذي يحملونه في أيديهم، وعرفوا إلى أي مدى يمكن أن يجعل منهم السلاح أشخاصا يخافهم الآخرون ويأتمرون بأمرهم، وربما راوده حينها السؤال: لماذا وهم وحدهم ملوك هذه الأمكنة، لا يعملون لحسابهم الخاص، بعيدا عن قادة المجموعات المسلّحة التي يعملون تحت قيادة أمرائها، ويحققون بقوة السلاح من مكاسب ماديّة ما يعجزون عن تحقيقه وهم مجردون منه، فتورطوا في أعمال سطو وحرابة وخطف من أجل الفدية، وسال المال بين أيديهم، ولم يكونوا ليشعروا بأيّ انتماء سوى إلى الحالة التي هم فيها الآن، أيّ الانتماء إلى ما يصنعونه وينتجونه ويرونه، هم دون غيره.

وانطبقت على هذه الشريحة بعض توصيفات "لا منتمٍ" كولن ويلسون مع فارق النموذج أو الشخصيّة البطل في كتابه، منها أنه "ذلك الذي استيقظ على الفوضى" والذي "لا يشعر بالسعادة إذا لم يشعر بقوّته" في مواجهة ما يراه من "حريّة مرعبة".. هذا الجيل، أو بتعبير أكثر واقعية هذه الشريحة التي لا يستهان بها، كيف ترى المستقبل؟ وأين سيكون موقعها؟ وكيف ستشارك بعد سنوات معدودة في إنتاج جيل جديد؟ وكيف يمكن انتشالها من واقعها، وكم يلزم من وقت لإعادة تأهيلها وإدماجها في الحياة العادية؟.. لا شكّ في أنها شريحة محيّرة ومصدر قلق لمن يحاولون رسم صورة افتراضية لمستقبل معافى، وما يقلق أكثر هو أنها شريحة خارج حسابات السياسة والساسة على موائد البحث والتفاوض والمحاصصة في أتون الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد، هل يمكن إدارة الظهر لهذه الظاهرة التي أنتجتها الأزمة، واعتبارها عارضا من ضمن عوارضها وستتآكل وتزول لوحدها، أم أن الرؤية الشاملة لأيّ حل يفرض رصدها وتتبعها، وإعداد خطط وآليات التعامل معها.. إنها جزء من معطيات مربكة، لمستقبل لا يقل ربكة وإرباكا ..