Atwasat

هنا لندن

سالم الكبتي الإثنين 10 سبتمبر 2018, 01:39 مساء
سالم الكبتي

عمرها الآن ثمانون.
بدأ صوتها يعبر الأبعاد فى سبتمبر 1938 قبيل الحرب العالميه الثانية بسنة. كانت هنا فى ليبيا اذاعتان صغيرتان فى زمن الطليان، واحدة فى طرابلس والأخرى فى بنغازي، توقفتا عن البث حين اشتعلت تلك الحرب.

هنا لندن ارتبط بها المستمع العربي ارتباطا وثيقا وصدق ماتقوله من أخباروتعليقات وتابع برامجها بكل شغف وعرف مذيعيها والعاملين بها أكثر مما عرف عن إذاعاته المنتشرة بين المحيط والخليج، وقد انطلق بثها يوم ذاك بتحية من الأمير سعود ابن الملك عبدالعزيز الذي كان وقتها فى زيارة للندن، ثم قدمت برامج وأغاني وأحاديث ومسلسلات.

أدركت هنا لندن العقلية العربية وفهمت شخصية المواطن العربي ونفسيته وماذا يريد بالضبط وعاصرت بصوتها الكثير من الأحداث

أدركت هنا لندن العقلية العربية وفهمت شخصية المواطن العربي ونفسيته وماذا يريد بالضبط وعاصرت بصوتها الكثير من الأحداث في العالم والمنطقه وفيما قصفت لندن أيام الحرب وقاربت أن تضحى رمادا ظلت الإذاعة شامخة توالي سياستها وخطتها بلا توقف وغطت ،أو ربما عرت، بواسطة مراسليها حروبا أخرى: الأهلية في اليونان وكوريا وقبرص وحرب فيتنام والانقلابات العربية الخالدة وحرب السويس والنكسة والعبور وكل شيء في المنطقه والعالم، ودائما ظل ثمة فرق بين هنا لندن وإذاعاتنا العربية.

خلال هذا المشوار الطويل من الأعوام كونت أرشيفا ضخما ومذهلا من التسجيلات النادرة التي تخلو منها إذاعات عربية أخرى وأجرت لقاءات مع ملوك ورؤساء ومفكرين وفنانين وأشخاص غدوا لاحقا مشاهير فى العالم. وفي كل ذلك كان لها خطة وسياسة ومراسلون خضعوا للتدريب والتطوير المتواصلين وضمت الكثير من المواهب العربية التي لوحقت أو طردت من بلدانها الأصلية لتجد براحا من الحرية بين زوايا البوش هاوس وصقلت العديد منها وكانت في تلك الأيام تجاريها إذاعة الشرق الأدنى التي تبث من القدس ثم انتقلت إلى قبرص وتوقفت أثناء أزمة السويس وبعدها صوت أمريكا ثم ألمانيا، لكنها ظلت هنا لندن في الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس إلا في الليل!!.

إذاعة رغم كل مايقال عنها ظل فيها الحرص على الوقت والفائدة والمتعة يشد أذن المواطن والمسؤول العربي في الصباح والظهيرة والمساء وكان لسان حالهما يقول: ذا قالت لندن فصدقوها، على وزن إذا قالت حذامِ فصدقوها فإن القول ما قالت حذام.

وعلى امتداد الرحلة أصدرت مجلة المستمع العربي ثم استبدلتها بمجلة هنا لندن ونشرت فيهما لكبار الكتاب ومقتطفات مما تقدمه وبرامجها وتوقيتاتها خلال الشهر وبرز هنا: حسن الكرمي والطيب صالح وموسى بشوتي ومؤتمن الجزار ونديم ناصر ومحمد مصطفى رمضان ونزار مؤيد العظم ومديحة المدفعي وأمل حسين وهدى الرشيد وسامي حداد وجميل عازر وجورج سمعان وأمجد سرحان وعلي أسعد وغيرهم الكثير. وحاولت تقليدها وسائل إعلامية عربية واستفادت من خبرتها وتجاربها.

ظلت هنا لندن في خاطر المستمع العربي والمتابع العربي والمسؤول العربي يهرب إليها وتشده مع أذنيه في كل مكان

ومع مرور الوقت ظلت هنا لندن في خاطر المستمع العربي والمتابع العربي والمسؤول العربي يهرب إليها وتشده مع أذنيه في كل مكان. في المدينة والقرية والواحة والريف زمن الراديو، والآن تناهبته الفضائيات والأقنيه المتعددة بما فيها البي بي سي العربية التي اختلفت كثيرا عن ذلك الراديو.

فإلى أين يذهب هذا المستمع العربي بأذنيه وعينيه وهو مايزال، رغم القرن الحادي والعشرين، يفقد مايبحث عنه في إذاعاته مرئية ومسموعة داخل الوطن فيما يستمر يلاحظ الفرق على الدوام بين المصداقية والمهنية وبين الكذب والتهريج وبين البهجة وإغراقه في الحزن والمآسي المتجددة بلا انقطاع التي تتولاها إذاعاته وقنواته عن جدارة.

الحق على إذاعات الاستعمار التي تظل تنجح في استقطاب المواطن العربي والتأثير فيه بداية من البي بي سي ونهاية بالسي إن إن، وكل عام وهذا المواطن والمسؤول.. والقسم العربي في لندن أيضا بخير!!.