Atwasat

إيطاليا، البرلمان.... والانتخابات

أحمد معيوف الخميس 06 سبتمبر 2018, 11:37 صباحا
أحمد معيوف

يعود الوجود الإيطالي في ليبيا إلى مراحل مبكرة من التاريخ حين عمر الرومان ساحلها مند النصف الثاني من القرن الثاني قبل الميلاد وحتى نهاية القرن السابع الميلادي، وفي التاريخ الحديث أصبحت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في الفترة مند بداية القرن العشرين وحتى منتصفه.

وتواصلت العلاقات بين البلدين حتى زمن العقوبات الدولية التي ضربت على ليبيا في العقد الأخير من القرن الماضي، فكانت روما أهم بوابات عودة النظام السابق للحظيرة الدولية بمساعدة رئيس الوزراء الإيطالي السيد بيرلسكوني. وظلت شركة "إيني" الإيطالية طوال تلك الفترة، وحتى الآن، المستثمر الأساسي في قطاع الطاقة الليبي. ولازالت إيطاليا ترى في ليبيا منطقة نفوذ لها في شمال أفريقيا، فلا يفصلها عن ليبيا إلا عرض البحر المتوسط، وكما أنها أكثر المستفيدن من ليبيا فهي أيضا أكثر الدول الأوربية تضررا من الحالة الليبية الراهنة.

تحرك باريس المنفرد بمعزل عن جارتها وخصمها إيطاليا، أدى إلى تأجيج الصراع بينهما بخصوص الملف اليبي

تحرك باريس المنفرد بمعزل عن جارتها وخصمها إيطاليا، أدى إلى تأجيج الصراع بينهما بخصوص الملف اليبي، وأثار هذا التحرك غضب إيطاليا التي تريد لنفسها أن تستحوذ على الملف أو أن تكون لاعبا محوريا فيه وبه، لذلك أبدت انزعاجها الشديد ورفضها لمؤتمر باريس قبل أن ينعقد. وتصاعدت انتقادات المسؤولين في روما، التي تعتبر نفسها "عراب" الجهود الدبلوماسية في ليبيا، لهذا سيتضح أن حكومة روما لن تغفر لخصمها فرنسا، الذي احست انه استغل الظرف الانتخابي الإيطالي لضرب ضربته هذه، وبالتالي قررت رد الهجوم ضد باريس.

قبل انعقاد مؤتمر باريس بيوم واحد فقط، وصف السفير الإيطالي لدى طرابلس، جيوزبي بيروني، في تغريدة عبر "تويتر"، مؤتمر باريس بأنه "انقسامات ومبادرات غير منظمة ستساهم في عودة قوارب الموت". يقصد بذلك أن المبادرة الفرنسية المنفردة تشتيت للجهود الدولية التي تقودها هيئة الأمم المتحدة مجتمعة. واعتبر السفير الإيطالي، في مقابلة مع جريدة "لاماتينو" الإيطالية، أن "الهدف ليس زيادة الالتزامات" يقصد بذلك بنود مؤتمر باريس، بل "تنفيذ ما تم الالتزام به حول ليبيا"، في إشارة للاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015. وأوضح أن خطة عمل المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة هي الطريق الذي يجب أن يتبع، مضيفًا: "دستور، قانون انتخابي، أمن ومصالحة تأتي كمقدمة للانتخابات في أقرب وقت".

وتقول إيطاليا عن مبادرة ماكرون "إنه يسعى من خلال هذه المبادرة إلى القفز على جهود دول عديدة ومنظمات دولية تجاه الأزمة الليبية، وتحديدا المبادرة الأممية التي يعمل على تنفيذها غسان سلامة، الذي جاءت مبادرته عقب إحاطة الأخير أمام مجلس الأمن، حيث نبه المجتمع الدولي ومجلس الأمن فيها إلى ضرورة توحيد الخطاب والأفعال بين أعضاء المجلس، لتجنب إطالة أمد الأزمة الليبية.

يرى المسؤولون الإيطاليون أن فرنسا أهملت عمدا دور إيطاليا الإيجابي والفعال في ليبيا، وذلك من خلال عدم إشراكها في صياغة المبادرة، ويفسر هؤلاء المسؤولون سعي باريس محاولة لتكريس نفوذها في المنطقة، وإحياء لمطامعها التاريخية في الجنوب الليبي الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال إفريقيا من جهة، ومن جهة ثانية حماية لمصالحها من خطر تمدد الجماعات المسلحة الذي يشكل تهديدا لاقتصادها في منطقة الصحراء الكبرى التي تنشط فيها العديد من الشركات الفرنسية الكبرى بحثًا عن الذهب واليورانيوم والنفط.
السياسة الإيطالية في ليبيا، ترتكز حسب مسؤولين في روما، على ثلاثة مسارات، أهمها دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ومساعدة الفصائل الليبية في التوصل إلى توافق والحفاظ على موقف دولي موحد بشأن التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة.

هذا الموقف، رغم المعارضة المعتبرة للتدخل الإيطالي في ليبيا، إلا أنه يلقى القبول من جل الليبين المهتمين بالشأن السياسي، فجل الليبيين يتطلعون إلى حكومة وحدة تلغي الأجسام الموازية في أركان الدولة وتنهي الانقسام، ويؤيدون أدنى حد للتوافق يسمح بقبول نتائج الانتخابات وعدم الالتفاف عليها كما حدث في العام 2014، كما يرغب الليبيون في توحيد الموقف الدولي وإبعاد التدحل الإقليمي الذي يعمل على تكريس الانقسام والاصطفاف السياسي، ويسعون إلى دستور ينظم حياتهم السياسية، بغض النظر عن الدستور المقترح. لكن المعارضين للدستور، على الأقل في هذه المرحلة تمكنوا من إحباط كل محاولات الاستفتاء عليه بطرق محتلفة.

لا شك أن رحلة الهيئة التأسيسة لمشروع الدستور كانت مليئة بالعقبات والمختنقات، وقد واجهتها الكثير من التحديات جعلتها عاجزة عن إنهاء عملها والتوافق على مشروعها في مدتها المحددة، والمتاعب التي واجهت الهيئة لا تختلف عن المتاعب التي واجهت كل الأجسام السياسية في البلاد. فلم تكن في مأمن من التدخلات والإملاءات، إلا أنها استطاعت أخيرا أن تنتج مشروعا صوت لصالحه أكثر من ثلثي الأعضاء المؤسسين، فقد صوت جميع الحاضرين البالغ عددهم 44 باستثناء عضو واحد على المشروع وتم اعتماده ومخاطبة البرلمان لإصدار قانون الاستفتاء عليه.

عودنا أن الأمور لا تسير على ما يجب أن تسير عليه في قاعة البرلمان

تعودنا أن الأمور لا تسير على ما يجب أن تسير عليه في قاعة البرلمان، وبعد ضغوط وأخد ورد قام البرلمان بتكليف اللجنة التشريعية بالبرلمان لصياغة قانون الاستفتاء، وجاء قانون الاستفتاء كما يراد له، مليئا بالألغام التي تمنع صدوره. وتركزت ألغامه في المادتين السادسة والثامنة تحديدا. هاتان المادتان تُشعِر المطلع عليهما وكأن من وضعهما يسعى إلى تعطيل الاستفتاء على الدستور أو خلق أسباب عدم الموافقة عليه.

المادة السادسة من قانون الاستفتاء تقسم ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية، ويكون التصويت لصالح الدستور بواقع 50+ 1 عن كل دائرة، وثلتي المقترعين على مستوى الوطن. وإذا لم يتحقق نصاب 50+ 1 في إحدى الدوائر الثلاث لا تقبل نتيجة الاستفتاء حتى وإن تجاوزت الثلثين من المقترعين. والمادة الثامنة تنص على انتهاء عمل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور إذا لم ينل مشروع الدستور "نعم" في الاستفتاء الشعبي، وتكلف لجنة تقوم بصياغة مشروع دستور جديد.

في هذه الحالة، سيعترض مشروع الدستور مشكلتان، المشكلة الأولى: أن هاتين المادتين تحتاجان إلى تعديل دستوري، في حين تضمنت المادة ثلاثون من الإعلان الدستوري المؤقت أنه في حال عدم الموافقة على الدستور في الاستفتاء يعاد مشروع الدستور إلى الهيئة التأسيسية لإعادة صياغته مجددا. والمشكلة الأخرى تكمن في عدد الدوائر الانتخابية، فالمادة السادسة وضعت لإرضاء الفيدراليين، وقسمت البلاد إلى ثلاث دوائر انتخابية، في حين جعل الدستور المؤقت ليبيا دائرة واحدة فقط.

مساعي البرلمان، وفي كل الحالات، ستعمل على أن يميل المسار السياسي في ليبيا لصالح التوجه الفرنسي

التعديل الدستوري يحتاج إلى أغلبية موصوفة للتصويت عليه في البرلمان، وقد عودنا النواب بإمكانياتهم في تعطيل أي قانون يحتاج إلى أغلبية موصوفة، وذلك بالامتناع عن حضور الجلسات حتى لا يكتمل النصاب القانوني لعقدها. البرلمان يدرك ذلك، وقد أحال الأمر إلى اللجنة التشريعية لتعديل لوائح التصويت بحيت يمكن تمرير القانون في حالة التصويت عليه بالأغلبية المطلقة للحضور، وهذه سابقة يستحق الشكر عليها. لذلك يتوقع أن يتم التعديل الدستوري للفقرة 2 من المادة 30 من الإعلان الدستوري المؤقت. القضية الثانية التي ربما ستعمل على عدم تمرير مشروع الدستور إن تم الاستفتاء عليه هو تمكن أصحاب بعض التوجهات من إقناع قاعدته الشعبية في إحدى الدوائر الثلاث بالتصويت بـ"لا" للدستور، مما يعني تعطيله، فتعطيل دائرة واحدة يعني تعطيل مشروع الدستور.

الخلاصة، مساعي البرلمان، وفي كل الحالات، ستعمل على أن يميل المسار السياسي في ليبيا لصالح التوجه الفرنسي، الذي يسعى إلى إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية مع نهاية السنة. فالظروف التي تحيط بعقد جلسات البرلمان لن تسمح بتمرير قانون الاستفتاء، وإن مر فلن يكتب له الفوز بـ"نعم"، وبالتالي ستعطل إخراج الدستور، والنتيجة ربما سيسعى البرلمان إلى تفعيل قراره رقم 5 لعام 2014 الذي تشير مادته الأولى إلى انتخاب رئيس مؤقت للدولة بطريق الاقتراع السري المباشر وبالأغلبية المطلقة للمقترعين حسب ما أشارت إليه المادة 43 من مقررات لجنة فبراير.