Atwasat

برلمان عقلية النجع

نورالدين خليفة النمر الأحد 02 سبتمبر 2018, 11:04 صباحا
نورالدين خليفة النمر

يستمد مقال عالم السياسة والتاريخ راهنيته ليس من مثالية محلّقة في السُحب في كوميديا الأغريقي آرسطوفان المُشنّعة بسقراط، بل بتعبيرالفيلسوف الألماني " Ernst Bloch "من"مبدأ أمل Das Prinzip Hoffnung" يساعد على التعامل بحكمة وسياسة مع الواقع الفضّ والشرير الذي تركته الدكتاتورية ـ الأوتوقراطية الليبية 1969 ـ 2011 وهي تسقط وراءها .ويساعدنا في ذلك تفهّم المجتمع الدولي بأداتيه العقلانية والبراغماتية ممثلاً في القوى مصدرة قرارات مجلس أمنه التي تقع ليبيا بعد 2011 وحتى اليوم تحت بندها السابع.

تعبير القبائلية هو توصيف نحته من القبلية الناقد الثقافي السعودي عبد الله الغذامي وهي قيمة عنصرية تقوم على كل ماهو غير فطري وغير طبيعي وتتأسس على ما هو نسقي ثقافي. أو بالأحرى ضدّ ثقافي. شر القبائلية تمكنت من تخفيف أوضاره الجاهلية الدعوة السنوسية القرن الـ 19 التي أصلحت الدين لتصلح الإنسان في برقة الليبية، إمارة إدريس السنوسي وبعدها مملكته, ونُخبها الموِّحدة لليبيا ذوّبت القبلية في شكل سلس من الوطنية.

إنقلابيو سبتمبر 1969 الذين أسقطوا الملكية استلهموا حتى عام 1977 الخطاب القومي العروبي

إنقلابيو سبتمبر 1969 الذين أسقطوا الملكية استلهموا حتى عام 1977 الخطاب القومي العروبي. تغيّر توجّهات النظام المصر ي تجاه ماعُرف بقضية فلسطين بعد حرب 1973، وانتكاسة اتفاقية سلامه مع دولة إسرائيل آنذاك، وتداعيات المحاولة الفاشلة لبضعةٍ من ضباط انقلاب سبتمبر 1969 بانقلاب مضاد في أغسطس 1975. أرجعت القبيلة معاملاً مستعاداً كقبلية لتمكين رأس النظام الدكتاتوري من إضفاء أوتوقراطيته المطلقة على الجماهيرية الليبية في تنظير آناركي (فوضوي) مهّد لما وصفنا ملامحه بالقبائلية حتى انفجار الثورة الشعبية عام 2011.

عقلية النجع المتحكمة في البرلمان الليبي العاطل عن العمل في طبرق منذ بداية عام 2017 هي عقلية أو بالأحرى ذهنية قبائلية بتوصيف ع. الغذامي دأبت طوال العامين الملّمح إليهما على ما بات أمرا روتينيا بحسب مقال لقناة 218 أن تُلغى الجلسة البرلمانية حتى ولو كانت ستناقش موضوعا هامًا ومصيريًا في تاريخ الأمة الليبية مثل قانون الاستفتاء على الدستور بعوائق اصطناعية مضحكة ومثيرة للحزن في الوقت ذاته، مثل عدم اكتمال نصاب النواب، أو بسبب الأعياد والمناسبات والسفر، أو حتى باستعمال أداة "بوعكّوز" الذي يشبه الشخصية الكاريكاتيرية المعروفة في مواضعات القبائلية الليبية باسم "خرّاب ميعاد" أو "سفيه النجع"*.

الواقع القبائلي بصورته المهيمنة في برلمان اليوم كحاضن للانقسامية الليبية

الواقع القبائلي بصورته المهيمنة في برلمان اليوم كحاضن للانقسامية الليبية، والمتجليّة هشاشته وعبتيثة في رئاسته وأعضاء كتله المتخفيّة وراء المطالب الفدرالية والضاغطة بحقوق وهمية لإقليم برقة، تم رصد ملامحه فيما سمّي بالأنتروبولوجيا الاستعمارية في الجزء الثاني المتعلّق بالبنية الأثنولوجية لقبائل برقة في كتاب هنريكو دي أغوسطيني "سكان ليبيا". قبله كان آلدو مي الذي كرّس دراسته عن قبيلة الحاسة، وتبعه في ذلك جون ديفز في كتابه قبيلة زوية أتى بعده إيفانز بريتشارد الذي كتب سنوسيو برقة أضاف إليه دراسة موّثقة بالإحصاءات والمراجع بعنوان "إيطاليا وبدو برقة"، وأخيراً جاء إميرس ل. بيترز ليعسكر بين مضارب قبائل البدو بعائلته ولم يزد في تأليفه الشيء الكثير عما كتبه أوغسطيني وبريتشارد.

الكلام عن المجتمع البدوي أو شبهه الذي مازال مهيمنا على ليبيا وبالذات في شرقها لم يكن مجال التناول الأكاديمي والبحثي الاستثناء الوحيد كان الباحث الليبي لوجلي صالح الزوي الذي أنجز دراستين ميدانيتين لحساب جامعة" Mississippi State University - USA - May, 1985 "هما البادية الليبية : الحاضر والمستقبل, وكتاب توطين البدو: أبعاده وغاياته. وفي مقدمته كتب أنه تفاجأ باهتمام الأساتذة الأميركان الذين ناقشوا أطروحته بوجود فرع علم الاجتماع البدوي في البرنامج الدراسي الذي تلقاه بكلية آداب بنغازي، وقدّموا له عرضاً بأن يرّتب بعد عودته إلى ليبيا مع جامعة ميسيسبي سيمنارات في أمريكا في موضوعة سوسيولوجيا البداوة الليبية، ولكن العلاقات الدبلوماسية الليبية الأميركية التي تدهورت بشكل خطير، بل انهارت بالغارة على طرابلس أبريل عام 1986 منعت تحقيق هذا المقترح البحثي.

نبدي شكوكنا في أن الأكاديمية المصرية وقد تلقينا درسها عام 1974عن السوسيولوجي المصري السيد بدوي وكان أحد أعلامها الذين استعين بهم في تأسيس أقسام كلية الآداب بالجامعة الليبية عام 1955 ومنها قسم السوسيولوجيا كانت قد طرحت برنامجاً علمياً لسوسيولجيا البداوة في ليبيا. الاسم الوحيد الذي يلمع هو أحمد أبوزيد الذي أعير عام 1958 أستاذاً لعلم الاجتماع، بالجامعة الليبية ببنغازي، واهتمامه يُجليه كتابه دراسات انتروبولوجية في المجتمع الليبي – دار الثقافة, الإسكندرية 1963. بزوغ سؤالنا المتشكك يبرّره علمنا باتفاق علماء الاجتماع المصريين بأن المجتمع المحلي ويعنون به المصري ينقسم الى قسمين متميزين هما المجتمع الريفي Rural Sociology والمجتمع الحضري ( Urban Sociology) ويؤكد جميعهم أن الحياة الاجتماعية في المناطق الريفية المصرية تتميز بخصائص تميزها عن السمات التي تتصف بها المناطق الحضرية. لأن مفهوم الحضرية يشمل ريف مصر، ومدنها، وعاصمتها القاهرة التي اختصر اسمها مصر كلها في التداول الشعبي.

اليوم يتعرّض المفهوم الحضري في ليبيا، الذي وضعت أسسه النخبة التنفيذية البراغماتية لدولة الاستقلال، لزعزعة الفوضى

اليوم يتعرّض المفهوم الحضري في ليبيا، الذي وضعت أسسه النخبة التنفيذية البراغماتية لدولة الاستقلال، لزعزعة الفوضى بما سُميّ بالربيع العربي التي أعقبت الفوضوية الثورية 69 ـ 1977، وبعدها الآناركية في تجليّها الأوتوقراطي 77 ـ 2011. الانقسامية المجتمعية التي أظهرتها للسطح النزاعية المتمثلة في أحداث فجر ليبيا في الغرب الليبي، وأحداث التقاتل الدموي بين قوات مسمى الكرامة وفصائل الجماعات الإسلامية المتطرفة في الشرق الليبي رافقتها حتى نهاية عام 2018 مؤسسية انقسامية ممثلة في المجلس المصطنع للدولة في طرابلس المهيمنة عليه أطياف الإسلام السياسي ومثلته الـ Urbanism والبرلمان العاطل عن العمل في طبرق ومثلته Bedouinism بمعنى ما اصطلحنا عليه عنواناً بـ "برلمان عقلية النجع" الذي وجه رئيسه رسالته المهدّدة بتفعيل القرار رقم "5" لعام 2014 لانتخاب رئيس مباشر من الشعب إذا ـ فيما اعتدناه ـ لم يكتمل النصاب في اجتماع أسبوع مُقبل. وبالرغم من أن وعود المستشار السابقة مهدورة، وتهديداته المتكررة لم ينفذ منها شيء، إلاّ أنه قد يفاجئ الجميع ويتخذ هذا القرار ليس فقط المثير للجدل بل مخرّبا لمعياد ووعد يتأسس على Das Prinzip Hoffnung مبدأ أمل .

* تعبير سفيه النجع، كما أفهمنيه المرحوم الأستاذ محمود التائب، وهو ترجع أصوله لإحدى قبائل الشرق ببلدة سلوق، تعبير عن دور متقصدّ قبلياً يقوم به متهوّر العشيرة أو القبيلة في المفاوضة النزاعية الفاشلة.