Atwasat

إنصاف منصور رشيد الكيخيا

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 02 سبتمبر 2018, 10:50 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

لم تكن "الجهة" التي اختطفت منصور رشيد الكيخيا، الشخصية التي لا تحتاج إلى التعريف بها لدى الليبيين، مجهولة، وما كان الأمر عملية غامضة تحتاج إلى عقل بوليسي يحقق ويتقصى ويربط الوقائع الصغيرة والكبيرة ببعضها، حتى يتوصل إلى الجهة المسؤولة الجانية.
فمنذ الوهلة التالية لسماع الخبر، يدرك المرء أن نظام معمر القذافي هو الفاعل المسؤول على هذه الفعلة. ذلك أن هذا النظام سبق له أن قام، مرارا، بمحاولات وعمليات اختطاف واغتيال للمعارضين في عدة بلدان، بل وأعلن رأسُ النظام نفسُه عزمه على مطاردة معارضيه (الذين كان يسميهم : الكلاب الضالة) إلى أي مكان لجأوا إليه حتى ولو لاذوا بالقطب، وهو أبعد مكان يمكن أن يصلوا إليه، كما قال.

كتاب شكري محمد السنكي "منصور رشيد الكيخيا: سيرته ومواقفه وقصة اغتياله"*، يقدم جردا دقيقا يفي بإلزامات العنوان الفرعي. فعلاوة على رسم الخلفية الأسرية والاجتماعية، وحتى التاريخية، التي تؤطر الأفق الثقافي لبيئة صاحب السيرة وأصوله، يقودنا المؤلف في رحلة تغطي شبكة من الطرق ووفرة من المعالم تسلط أضواء كاشفة على نفسية منصور، وذهنيته، وفكره السياسي الواسع الأفق، ووطنيته المتفتحة البعيدة عن الإقصائية، ومنهجيته في العمل السياسي الميداني، وخبرته الإدارية والقيادية، واتساع أفقه النضالي الذي تعدى حدود الهم الليبي إلى الهم القومي والإنساني العام.

كما أن الكتاب يتعرض، في سياق تركيزه على مسيرة منصور، إلى عمليات التفاعل، بجانبيها الإيجابي والسلبي، الذي اعتمل بين أحزاب وتنظيمات وأشخاص المعارضة الليبية إجمالا، وإخفاقات جهود توحيد مجرى نضالات أطراف المعارضة، التي كان منصور أحد أبرز محركات هذه الجهود.

التجرد والموضوعية لم يفلتا من سيطرة شكري محمد السنكي

وبالطبع، فقد تعرض المؤلف إلى تسليط الضوء على ملابسات عملية اختطاف منصور رشيد الكيخيا من مصر يوم الجمعة 10 ديسمبر 1993، والظروف المحيطة بها.

كتب السنكي كتابه هذا عن منصور الكيخيا بتوقير لشخص الكيخيا وحب له ( فهو قد عرفه عن قرب وتعامل معه وعايشه) وإذن فجزء كبير من الكلام عن الكيخيا يمثل شهادة مباشرة حية. كما أن ثمة جهدا توثيقيا مشهودا.

وسواء كان الحديث عن شؤون المعارضة، أو عن منصور، فإن التجرد والموضوعية لم يفلتا من سيطرة شكري محمد السنكي.

لا أريد أن أقوم بعرض لهذا الكتاب المهم جدا في مجاله، كي لا أفسد فائدة قراءته على أحد.

ثمة تكرارا كثيرا للمعلومات والأفكار في فصول الكتاب المختلفة

*
في الختام أريد أن أبدي ملاحظتين شكليتين لا تمسان أهمية الكتاب. الملاحظة الأولى هي أن ثمة تكرارا كثيرا للمعلومات والأفكار في فصول الكتاب المختلفة، ويبدو لي أن هذا عائد إلى أن عدة فصول منه كتبت على فترات متباعدة ونشرت كمقالات مستقلة في الصحف الورقية والإلكترونية، لذا كان طبيعيا أن يطرح الكاتب بسطة وخلفية عن الكيخيا في كل مقال جديد سبق وأن وجدت، إلى هذا الحد أو ذاك، في مقالات سابقة. تمنيت لو أن الكاتب تجنب هذا التكرار عند إعداد المادة للنشر في كتاب بإخضاعها للتنقيح والحذف.

النقطة الثانية استغربت لها كثيرا، وهي إصراره، طيلة الكتاب، على حذف لفظة "الإسلام" من اسم سيف الإسلام معمر القذافي، والاكتفاء بـ "سيف القذافي"!. فالرجل هذا اسمه الرسمي ولا ينبغي التصرف فيه، أعجبنا الإسم أم لم يعجبنا، ورأينا أن له من اسمه نصيبا أم كان عكس ذلك تماما، خاصة وأن الكتاب تاريخي وتوثيقي، إلى حد كبير.

* شكري محمد السنكي، منصور رشيد الكيخيا: سيرته ومواقفه وقصة اغتياله، دار الرواد، مجموعة الوسط الإعلامية: الوسط، 2018.