Atwasat

يا تصيب يا تصيب

عائشة إبراهيم السبت 21 يونيو 2014, 03:18 مساء
عائشة إبراهيم

القاسم المشترك بين السنارة والسياسة أن كليهما يستخدم في الصيد، إلا أن الصيد بالسنارة يسير على قاعدة (يا تصيب يا تخيب) وأنت وحظك، بيد أن الصيد بالسياسة له قاعدة (يا تصيب يا تصيب) وأنت وشطارتك!.

الموج كان عاليًّا جدًّا يوم التصويت لاختيار أحمد معيتيق رئيسًا للحكومة، ساد الهرج والمرج، والصيادون يلقون شباكهم ويسبحون عكس التيار، قوانين البحر تقول إن لا صيد اليوم، ولا مكان للحكومة الجديدة. ومع ذلك استمرت الرميات مثقلة بمختلف الطعوم اللذيذة، وصدحت جوقة أغاني ورقصات البحر لتهدئة الحيتان الجامحة، أُقفلت الشبكة على صيد 113 صوتًا بعضها تمت لملمتها من (سلة الجيران)، وأعلن رئيس المؤتمر رفع الجلسة على النتيجة المذكورة، فأُرسلت حيتان أخرى عبر الهاتف وبعضها في زجاجات ماء صغيرة. فأصبح العدد بقدرة قادر 120 صوتًا.

أصبح معيتيق بطلاً قوميًّا وأصبح المؤتمر عرابًا للفضيلة ورمزًا يجسد أخلاقيات التراجع عن الخطأ

وشاء مَن شاء وأبى مَن أبى، أصبح معيتيق رئيسًا للحكومة ودشّن حكومته بفتح مصنع الشيكولاتة إيذانًا بمولد دولة سعيدة، وصرَّح في لقاءاته المتعددة بأنه رئيس الحكومة الشرعي ولن يتنازل عما جادت به غمزة السنارة.

وذهب موالوه إلى ذات الاعتقاد وأجلسوه بقوة (الجراد) في ديوان الحكومة، وليذهب الشعب والقانون إلى الجحيم. وهنا: أصابت السنارة ولم تخب.

وكان العوامي (جاء من العوم) قد أعلن أن هذا (صيد جائر) وهو إجراء باطل مخالف للقوانين ولا مجال للاعتداد به وتنفيذه، ودعا حكومة (الثنيّ) إلى الاستمرار كحكومة تسيير أعمال إلى أن يتم منح الثقة لحكومة بديلة وفقًا للإجراءات القانونية والدستورية السليمة.

وبهذا تحوَّل الموضوع إلى أروقة المحاكم فرمى الصيادون سنارتهم من جديد عسى أن تصيب هذه المرة أيضًا وتغمز في بحر القانون.

قبول معيتيق بالقرار يمثل بادرة جيدة تؤكد أنه لم يكن يومًا طامعًا في السلطة

أعلنت المحكمة الدستورية عدم دستورية انتخاب معيتيق، عقب النظر في الطعن المُقدَّم من بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام في صحة انتخابه، وأثلج الحكمُ صدور الليبيين الذين أرهقتهم الصراعات، وتنامى الأمل لديهم في وجود مؤسسات وطنية حيادية تعمل لصالح الوطن، وكان المؤتمر قد قَاتَلَ حتى الرمق الأخير من أجل بقائه وتسييل الميزانية، وأعلن أحمد معيتيق قبوله بقرار المحكمة العليا وقال إنه سيكون "أول" مَن يرضخ لأحكام القضاء،(وكان في وقت قد استمات من أجل البقاء في الحكومة ولو لعشر دقائق).

وأضاف في مؤتمر صحفي "أُشهد الله والشعب والأمة على احترامي للقضاء وانصياعي لحكمه".

كما أكد النائب الثاني لرئيس المؤتمر أن المؤتمر سيحترم حكم المحكمة العليا بعدم دستورية انتخاب معيتيق رئيسًا للوزراء، وكان بإمكان المؤتمر أن يلتزم منذ البداية بدستورية انتخاب رئيس الحكومة بدلاً من الوصول إلى مرحلة الاحتكام إلى القضاء وإخضاع البلاد إلى توتر طيلة الفترة الماضية. وأكبرَ الموالون لمعيتيق، هذه البادرة (الأخلاقية) لقبول معيتيق بحكم المحكمة.

وبحسب تصريح الباحث بالشأن السياسي الليبي (س) فإن قبول معيتيق بالقرار يمثل بادرة جيدة تؤكد أنه لم يكن يومًا طامعًا في السلطة، وقال إنه بهذا فتح (بوابة) لخروج ليبيا من النفق المظلم، كما هيَّأ الفرصة للدخول في حوار إنقاذي والوقوف في موقف جاد أمام هذه التحديات.

من جهته، يعتبر (ص) أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية أن الحكم انتصارٌ للوطن، ويُحسب لمعيتيق في رصيده الوطني، داعيًا لاستثمار حالة القبول والتوافق حوله لصالح الوطن.
وبالتالي أخذ قبول معيتيق بحكم المحكمة طابعًا بطوليًّا في أوساط الإعلام، فهو لم يستخدم الكتائب التي أجلسته على الكرسي في افتكاك ما كانوا يدافعون عن أنه حقٌ مشروعٌ، فتكرَّم وجنَّب ليبيا هوة الصراع العنيف، وفتح بوابة للحوار، فكان رجلاً حضاريًّا مدنيًّا مُحترِمًا للقوانين والنظم التشريعية.

أصبح معيتيق بطلاً قوميًّا، وأصبح المؤتمر عرابًا للفضيلة ورمزًا يجسد أخلاقيات التراجع عن الخطأ، ويستحق بلمسته الوفية التي داوى بها جراح الليبيين أن يسجل في التاريخ كنصير للحق والعدل والحكمة والرجاحة، وأن تحل بركاته إيذانًا بفتح بوابات الرحمة لإخراج البلاد من النفق المظلم.

لقد خسر منطوق الحكم، ولكن السنارة لم تخرج خائبة، هذه المرة غمزت أيضًا وبصيد وفير.