Atwasat

1/4 -عودة يوسف عقيلة ومحمد العبارة

محمد المهدي الفرجاني الإثنين 27 أغسطس 2018, 10:23 صباحا
محمد المهدي الفرجاني

أنا لا أعرف يوسف عقيلة ولا محمد العبارة. لم ألتق بهما من قبل أن يطلبني السيد رئيس جهاز الأمن الخارجي العقيد المرحوم يونس بلقاسم الدرسي، ويكلفني برعاية اثنين من المعارضة توصل هو إلى إقناعهما بالرجوع إلى ليبيا، وشدد أن أبعد عنهما أي جهاز أمني يريد أن يحقق معهما، أو يفرغهما من معلوماتهما عن فصائل المعارضة، وأكد بأن يكون جهاز الأمن الخارجي هو جهة الاختصاص الوحيدة في ما يخصهما، وأنني مسئول أمامه، وأن أسهل لهما الحصول على عقود من المنشآت العامة كل في مجال اختصاصه. كان الرجلان هما: إبراهيم يوسف عقيلة المجبري ومحمد أحمد العبارة.

حضر الرجلان إلى طرابلس ثم إلى بنغازي وكان معهما عندما التقيتهما السيدان أحمد لملوم، وهو رجل أعمال مقيم في قبرص، والسيد محمد عقيلة العمامي، كان حينها يعمل كمترجم قانوني، وهو بالمناسبة عديل محمد أحمد العبارة. استقبلت الرجلين في بيتي، وأفهمتهما بمهمتي، طالما هما موجودان في ليبيا، وأن مهمتي تغطي تحركهما في أي مكان في البلاد.

يوسف إبراهيم عقيلة بالذات سيكون سببا رئيسيا في استقالتي من الجهاز بعد عشرين سنة من العمل الاستخباراتي

لم يخطر في بالي أن القدر يخطط لي أمرا لم أتوقعه، وهو أن يوسف إبراهيم عقيلة بالذات سيكون سببا رئيسيا في استقالتي من الجهاز بعد عشرين سنة من العمل الاستخباراتي، الذي لا أجيد سواه!
قدمت محمد العبارة إلى صديقي وبلدياتي المرحوم محمد النوّال أمين اللجنة الشعبية لشركة المنسوجات في بنغازي، باعتبار أن السيد عبارة يمتلك مصنعا لصناعة الستائر والأردية التقليدية الليبية في منطقة (إنوفيتا) القريبة من أثينا. قامت الشركة من بعد قناعاتها بمهنيته ومعرفته بخامات يحتاجونها بفتح اعتماد مستندي بمبلغ نصف مليون دولار. ثم قدمت السيد يوسف عقيلة للشركة الوطنية لمواد البناء وكذلك للشركة الأهلية لمواد البناء والرخام لتتعاون معه.

أكمل الرجلان عملهما وأرادا السفر إلى اليونان حيث يقيمان، ولكنني تفاجأت أن السيد رئيس الجهاز يرفض توقيع رسالة إلى مدير عام الجوازات يأمره فيها بمنحهما تأشيرة خروج إلى اليونان، ولا يتمسك بموافقة تجييش المدن. أبلغني النقيب على دعبور أن السيد رئيس الجهاز رفض توقيع رسالة التأشيرة التي طلبتها، فدخلت عليه مباشرة باعتبار:
- تبعية وظيفتي كرئيس قسم الشركات مباشرة إليه.
- تكليفي برعاية السيدين يوسف إبراهيم عقيلة والسيد محمد أحمد العباره طوال مدة إقامتهما في ليبيا.
- والأهم أنني اعتبرت رفض رئيس الجهاز نوعا من الغدر في حق السيدين.

لهذه الأسباب واجهته، وأفهمته أن التزامه كرئيسي المباشر وكذلك رئيس الجهاز، أدبيا وأخلاقيا أن يوفي بوعده الذي قطعه على نفسه بحرية مغادرتهما متى شاآ. ولقد توفقت في مسعاي، ووقع الرسالة، وذهبت مباشرة إلى السيد مدير عام الجوازات باعتبارة بالدرجة الأولى صديقا وطلبت منه سرعة إنجاز التأشيرتين. أوصلتهما إلى المطار وأشرفت على الانتهاء من إجراءات خروجهما وغادرا إلى أثينا.

إلى هنا انتهت علاقتي بهذين السيدين، ولكن العلاقة تطورت بيننا في ما بعد. تمنيت ألاّ يعودا إلى ليبيا، خوفا عليهما من غياب التنسيق الأمني بين الأجهزة المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى تفرد، وتسلط بعض الإدارات في الجهاز بموضوع ما تعارفت الأجهزة عليه بسمى "الكلاب الضالة". كانت تلك الإدارة تتصرف من دون الرجوع إلى رئاسة الجهاز، وأصبحت إدارة العمليات ومكافحة الإرهاب بجهاز الأمن الخارجي، والتي كان يديرها عبد السلام الزادمه هي الأقوى من بين إدارات الأمن الخارجي كافة؛ لدرجة أن الزادمه لا يرجع أبدا إلى رئيس الجهاز في حالة قيامة بأية عملية اغتيال بعناصر حسبوا ظلما على المعارضة.

تأسفت كثيرا عن محاولة عبدالسلام الزادمة لاغتيال السيدين يوسف إبراهيم عقيلة ومحمد أحمد العبارة

ولقد تأسفت كثيرا عن محاولة عبدالسلام الزادمة لاغتيال السيدين يوسف إبراهيم عقيلة ومحمد أحمد العبارة، لأنهما كانا هدفين سهلين، وبعيدين جدا عن المعارضة، تماما مثلما كان المرحوم صالح بوزيد الشطيطي في أثينا، ومحمد مصطفى رمضان في لندن فلقد كانا هدفين سهلين.

وتغير الجهاز؛ أبعد فقط العقيد يونس بلقاسم إلى سفارتنا في المانيا الغربية، وحل محله إبراهيم أحمد البشاري، وهو الذي كان عضو لجنة شبيعة بوزارة الخارجية.
سفرياتي الخارجية بحكم طبيعة عملي كانت كثيرة، وكانت على حساب عائلتي، وحتى أعوضها أعلنت لهم أن من يجتاز دراسته بتقدير جيد جدا يختار أية دولة لزيارتها لمدة أسبوعين، ولقد تفاجأت بعد عودتي من إحدى الرحلات بنجاح ولدي الاثنين وكان لزاما أن أفي بوعدي. طلبت إجازة خارجية، وغادرت معهما إلى روما بناء على طلبهما، وكان يتعين أن يعلم الجهاز بمكان تواجدي. لم تمض أيام حتى جاءني أحد عناصر الجهاز في روما وأبلغني بضرورة قطع الإجازة والسفر إلى أثينا لمقابلة يوسف عقيلة، وإخطاره أن رئيس الجهاز يريد حضوره لأمر مُلح للغاية، ويتعين أن يحضر إلى طرابلس. لم تنفع الحجج التي سقتها بأن يوسف لم يعد محل اختصاص مكتبي، ولديه ملف بأرشيف الجهاز وبه هواتفه، وأن السيد رئيس الجهاز من أبناء عمومته، وبمقدوره الاتصال به وحثه على الحضور. تفاجأت أنني كلفت مجددا من رئيس الجهاز بملف يوسف عقيلة.

اتصلت بيوسف عقيلة في اليونان، أبلغتني السيدة حرمه بأنه في فنلندا، أعطيتها رقم هاتفي وطلبت منها أن تسأل يوسف أن يتصل بي، واتصل بي في المساء، وأبلغته برسالة رئيس الجهاز، طلب مدة ثلاثة أسابيع ثم نلتقي في طرابلس بشرط أن أستقبله في المطار، ورجعت إلى طرابلس وأبلغت رئيس الجهاز بما قاله يوسف ثم غادرت إلى بنغازي منتظرا موعد وصول يوسف إلى طرابلس.

قبل نهاية الموعد المحدد طلب منى رئيس الجهاز أن أذهب إلى أثينا وأن أحضر يوسف معي. وصلت أثينا وكان يوسف خارجها ولكنه وصل بعد عدة أيام، وطلب مهلة أخرى لأن لديه عقودا مع السعودية لتوريد بيوت جاهزة، وأنه لا يستطيع مقابلة البشاري قبل أن ينهي عمله مع السعودية، عندها قررت الرجوع إلى ليبيا، وأبلغت رئيس الجهاز بما حدث مع يوسف، ثم غادرت إلى طرابلس ومباشرة إلى بنغازي.

عند فجر اليوم التالي لوصولي طرق باب شقتي صديقي محمد عقيله العمامي وأخبرني أن زوجة يوسف إبراهيم قد اتصلت به وأخبرته أن يوسف تعرض لمحاولة اغتيال وأن وضعه حرج للغاية وهو بمستشفى الصليب الأحمر بأثينا، وأن أهل يوسف قد نصبوا سرادق العزاء، ويتشارون في موضوع الدفن لأن النظام كان يرفض أن يدفن في ليبيا من يغتال في الخارج لكونه معارضا.

أخذني محمد عقيلة العمامي إلى بيت يوسف في بنغازي، وهناك وجدنا أشقاءه، وأخبرتهم أنني قابلت يوسف من يومين

أخذني محمد عقيلة العمامي إلى بيت يوسف في بنغازي، وهناك وجدنا أشقاءه، وأخبرتهم أنني قابلت يوسف من يومين، وإذا ما استشهد سوف أحضره معي ليدفن في ليبيا، وإذا ما أمد الله في عمره فهو حر في اختيار البلد الذي يريد أن يعيش فيه، وأعطيتهم هواتفي في بنغازي وطرابلس وإذا ما زارهم أي عنصر كان من أي جهاز أمنى ليمنعهم من بقاء السرادق يتصلون بي. غادرتهم إلى إدارة الجهاز في بنغازي وكان حينها العقيد محمد عبد الله مديرا لها، ومن عنده اتصلت بإبراهيم البشاري، وجدت أنه يعلم بمحاولة اغتيال يوسف، وقامت بيننا مشادة، وأخبرته أنني عدت منه يوم أمس، وإذا كان الهدف من اتصالي به، بناء على طلبكم هو إرشاد فريق الاغتيال إلى مكانه. وحققت لهم ذلك وبامتياز وبخدعة منك مباشرة من دون أن أعرف ذلك، ليقوم فريق عبد السلام الزادمه بذلك، فلا أحد غيره يقوم بهذه الأعمال الوضيعة.

ولكن رئيس الجهاز نفى أن يكون الزادمة أو الجهاز مشاركين في محاولة الاغتيال، وعلا صوتي مؤكدا له أنه أسلوبنا الغادر لاغتيال الأهداف السهلة المسالمة من الليبيين البسطاء، أما القياديون أنتم لا تعرفون حتى مقرات إقاماتهم الدائمة على الرغم من تسخيركم لإمكانيات الدولة في مطاردتهم. كان رده أن "منظمة البركان" العراقية هي من قامت بذلك!. وانفجرت واخبرته أن ما يقوله هراء، وأخبرته أنني سألقاه مساء في مكتبه في طرابلس وأن يعتبرني مستقيلا من الجهاز سواء عاش يوسف أو مات...
يتبع