Atwasat

قناديل ليست مطفأة: (ذهب الذين يعاش فى أكنافهم وبقيت فى خلف كجلد الأجرب)

سالم الكبتي السبت 25 أغسطس 2018, 03:48 مساء
سالم الكبتي

استقرت الأمور من جديد فى مقبرة الهواري القديمة جنوب المدينة. أشرقت الشمس. نهض عبدالمولى دغمان من القبر رقم 16972. سار بين الدروب بكل مهابة.. أعشاب ونباتات كثه وقبور على مد البصر وبضعة طيور تحلق غب المطر فى الفضاء وتغيب في البعيد. 

في طريقه نحو المدخل حيا قبورا أخرى تضم حسين مازق ومبروك البسيونى وحسين الصديق ورشاد الهوني ومحمد عبدالكريم الوافي وخليفه الفاخري والصادق النيهوم وغيرهم... لايموتون إنهم أحياء، قال في نفسه وهو يسير مهيبا ومضى نحو المدينة.

لا. إنه لايريدها. ليست بنغازى التي يعرفها. اتجه إلى مدينة أخرى. المدينة الجامعية التي غرب المدينة. حلمه وإنجازه مع ثلة من الرجال الرائعين. يعرف أن هذا العام 2018 تمر خمسون سنة على وضع حجر أساسها.

كان ذلك اليوم مشهودا. لاينسى وقوف الملك من أجله دون الآخرين من الحاضرين لكى يصافحه احتراما للجامعه وقدسية العلم التي لايعادلها شيء. كان منذ أشهر التقى الملك فى مناسبة عامة ودعاه لوضع حجر الأساس. وافق الملك لكنه اشترط تعويض أصحاب الأرض التي انتزعتها الدولة للمنفعة العامه ولبناء المدينة الجامعية عليها قبل أن يقوم بذلك. 

ويتذكر الكلمة التي ألقاها في حضور الملك والتي ظل يتردد صداها في الحاضر والمستقبل. قال في ما قال (إن مسؤوليات المستقبل ورسم حدود اتجاهاته يعتمد في المقام الأول على التعليم بوجه عام وعلى التعليم الجامعي والعالي بوجه خاص ومهمة التغيير واجب إنسانى فمع إيمانى بأن المستقبل بيد الله إلا أنه قال فى كتابه الكريم - إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم- وبهذا وضع رب العالمين مسؤولية التغيير على كاهل بني البشر ومن هنا وجب أن نحاول تغيير ما بأنفسنا ومابعقولنا بالقدر الذي يخدم الوحدة الوطنية وبالقدر الذي يحقق غدا مشرقا تأخذ فيه بلادنا العزيزة مكانتها اللائقه بين الأمم المتحضرة). 

ويتذكر أيضا القول أمام الملك (فالجامعة يامولاى لاتقاس أبدا بضخامة البنيان ولابكثرة الأساتذة والطلاب بقدر ماتقاس بالحرية في الفكر والاستقلال في العمل في إطار المصلحة العليا للوطن وللإنسانية جمعاء). 

يتذكر عبدالمولى دغمان كل هذه الأشياء. الماضي والحاضر والمستقبل. الموقف والحلم الكبير والطلبة والغد القادم من خلف الأفق. إنها مع غيرها من عوامل ومؤثرات أساس لليبيا التي تنهض بأبنائها دون غيرهم. الوطن يشيده أبناؤه.

ثم مضى في طريقه مهابا. لم ير أحدا يعرفه. لم يتحدث مع أحد. لم ينتبه إليه أحد. وظل يتحدث إلى نفسه بصوت مسموع.. أهذه الجامعة.أهذا ما حلمت به وجيلى ورفاقى. السهر والأيام والليالي الطوال والمتابعة ومستقبل ليبيا. هنا ستكون الكليات. هنا المدرجات تعج بالنور. هنا المكتبة. هنا الإدارة. هنا المطبعة التي تصدر منشورات الجامعة. هنا سكن الطلاب. هنا الطرق والحدائق والملاعب. هنا العقول. هنا بيوت الأساتذة والعاملين. هنا البحوث والعلم وحرية الفكر. هنا يسقط الظلام ويرتفع النور. هنا ليبيا تكبر بأبنائها... هنا غصة في القلب. 

لم يستطع عبدالمولى دغمان استيعاب ما حدث. عاد إلى الهواري من جديد. هناك رحاب الله الواسعة العظيمة. يسقط الظلام..