Atwasat

خواطر اليوم 20 أغسطس 2018م (7 سنوات على تحرير طرابلس.. أين نحن؟؟)

ناجي جمعة بركات الأحد 19 أغسطس 2018, 04:11 مساء
ناجي جمعة بركات

غدًا وبعون الله سيكون الوقوف بعرفات لهذه السنة وأهنئ أمي وأسرتي جميعًا والشعب الليبي بهذا العيد وتمنيت أن أكون معهم وبينهم لأنعم بالعيد كما كنا في طفولتنا. ولكن حُرمنا من الوطن مرة أخرى. كما يصادف غدًا ذكرى البدء في تحرير طرابلس سنة 2011م وسُميت بعملية الأوديسا. التخطيط لها لم يطْلع عليه أحد من أعضاء التنفيذي وللأسف السيد محمود جبريل قرر إشراك البعض ممن له صلة بهم ونسي فريقه في بنغازي وعندما واجهته بهذا زعل وقال بأن هناك سرية تامة ولا يستطيع الحديث. كان من ضمن شركائه عبد المجيد مليقطة وجمعه الأسطى وعارف النايض وفريقه وكعبار ومحمود شمام ومحمد العلاقي وربما مصطفي عبد الجليل. كنا نعرف بأن هناك عملية وكان زميلي د. على الترهوني يخبرني بهذا وليس لديه الكثير. كنت مستاءً جداً لأن وزارة الصحة لم يتم إشراكها في هذا وكانوا يعتمدون على فريق العاصمة كما كانوا يسمونه.

هذا اليوم كان يومًا مشهودًا، وكنا ننتظر طوال اليوم .. وبعد الإفطار وصلاة المغرب توجهت إلى قصور الضيافة حيث إقامتي في فندق الفضيل والتي تحولت إلى غرفة عمليات تواصل مع الثوار كما كنا نسميهم. كان معظم أعضاء الانتقالي موجودين وكذلك بعض الوزراء ونشاهد البث المباشر وكان المستشار مصطفي عبد الجليل يستقبل مكالمات من طرابلس وعدة جهات أخرى. ما كان يحدث على أرض طرابلس في تلك الساعات هو بمثابة ثورة جديدة وفرحة جديدة بأن عهد الظلم والطغاة قد ينتهي في غضون أيام. كان الجميع فرحًا والجميع يتواصل مع من يعرف في طرابلس. حدثت أشياء غريبة تلك الليلة وأكثرها غرابة هي قصة سليمان دوغة وتدخله لإنقاذ ابن القذافي محمد وعلى الهواء مباشرة وتدخل المستشار مصطفي عبد الجليل وانتهت المسرحية بهروب ابن القذافي وعائلته. القصة الأخرى هو مكالمة كانت قد أتت من الزنتان للمستشار مصطفي عبد الجليل وكان الصديق الكبير موجودًا وقبل أن يكون محافظًا للمركزي وكان يتودد كثيرًا وأرى صورته أمامي في تلك المواقف وكيف هو اليوم فعلًا يعتبر الحاكم الفعلي لطرابلس وعرف أين يعفس. المكالمة ذكرتها بالسابق وهي تطلب قرارًا من المستشار مصطفي عبد الجليل بخصوص ثلاثة أسماء وهم مصطفي الخروبي والمبروك سحبان والحويج. الأول قال لهم المستشار مصطفي عبد الجليل أن يبقى معكم وسوف يرسل وفدًا لاستلامه لجلبه لبنغازي وفعلًا تم هذا يوم قدومنا يوم 22 أغسطس 2011 واستلمه عبد الكريم بازاما ورجع به لبنغازي. أما الحويج عليه أن يوقع بترجيع كل الأموال ماعدا مليون يبقى معه وأما المبروك سحبان يحتفظ به في الزنتان إلى حين تسليمه للسلطات بليبيا. حسب علمي تم تهريب المبروك سحبان إلى الجنوب وبعدها ذهب لمصر. أشياء عجيبة واليوم سحبان قائد المنطقة الوسطى وهو مجرم حرب عمل في غريان الكثير وقتل منها بعض الشباب وخاصة يوم تحرير غريان ومن جلبه وأعطاه هذا المنصب هو السيد حفتر وعقيلة صالح. الحويج يعرفه المستشار مصطفي عبد الجليل وطلب ترجيع الأموال وهل أرجعها وهو الآن طليق وحر...؟!

مفارقات عجيبة تحدث كل يوم في وطني ومن هنا عرفت بأن الوطن يباع بأرخص الأثمان. عرفت بأن السيد محمود جبريل لديه خططه ومحاولة إبعاد فريق التنفيذي عن تحرير العاصمة هو بمثابة رسالة واضحة وحاول تنفيذها بعد ذلك بدعوى دخول طرابلس بفريق جديد من الوزراء ولكنه لم ينجح. ما حدث بعد يوم20 أغسطس 2011م وانهيار ليبيا بدأ يطفو قليلًا قليلًا وخاصة بعد تنصيب الكيب وأخذ الأخوان زمام أمور ليبيا في عهد المؤتمر الوطني وحكومتي الكيب وزيدان. كذلك لا ننسى تفشي وظهور المليشيات المسلحة ومدن بدأت تسيطر على العاصمة وتحول كل الصراع على العاصمة بين عدة مليشيات ومدن وهي اليوم ترذخ تحت سيطرة المليشيات كما كانت بيروت قبل 30 سنة .
أسباب فشل المكتب التنفيذي والمجلس الانتقالي بعد تحرير طرابلس20 أغسطس 2011م
1- عدم العمل كفريق واحد ودخول العاصمة بفريق واحد ووزارات قوية تساهم في ضبط الأمن وإرساء القانون.

2- بروز المليشيات ككتائب مسلحة وبتراخيص من المجلس الانتقالي سارع في عسكرة الثورة وإبعاد الجيش والشرطة.

3- خطة تحرير طرابلس كانت هشة ومبنية على آراء أفراد ومن تم التنسيق معهم من داخل طرابلس ليسوا بالمستوى المطلوب. سوء ترسيخ الأمن واستدعاء الشرطة والجيش إلى وظائفهما.

4- تسارع الجماعات الدينية وعملها على إفشال أي خطة أو برامج تقوم بها الحكومة.

5- سرعة انتقال المجلس الانتقالي إلى طرابلس ولو بقي في بنغازي وكذلك التنفيذي كان أفضل حتى لا تجد المليشيات ذريعة لاحتلال العاصمة.

6- عزوف المجتمع الدولي عن مساعدة الحكومة في إرساء وتثبيت الأمن داخل طرابلس وكان همهم الوحيد هو قتل القذافي وعندما قتل تركوا ليبيا والليبيين في بحر من المشاكل والفوضى.

تمر السنين وتبقي ليبيا في فوضي نتيجة عدم وضع استراتيجيات لما بعد تحرير طرابلس. لقد قمت بوضع استراتيجية للصحة وكيف نعمل ولجان أزمة وعرضتها على جبريل ولكنه لم يعلق عليها ومصيرها كان أحد رفوفه. استمريت في خطتي وتواصلت مع الأطباء في طرابلس وعملنا لجنة أزمة وجاءت لجنة بنغازي للمساعدة ونجحنا في تذليل الكثير من المشاكل والصعوبات ومن أهمها انتشال مئات الجثث من معسكر اليرموك وشوارع طرابلس وثلاجات المستشفيات وتم دفنهم والتعرف عليهم. كذلك حصرنا الأدوية والمعدات وبدأ تشغيل المستشفيات رويدًا رويدا، هناك الكثير مما لا يتسع المكان لسرده. كما ساهمت في استحداث وزارة الجرحى وسلم الملف لها يوم 17 سبتمبر 2011م.

ليبيا هذه الأيام تعاني من الفوضى ومن عاهات برزت على الساحة والتي لم تكن موجودة قبل يوم 20 أغسطس 2011 ولا بعده ولكنها سرعان ما ركبت الموجة ومن كان مهندسًا لتركيب الشبابيك أصبح رئيس ليبيا هذه الأيام ومن كان بالسجن لا يملك شيئًا أصبح من أغنى الأغنياء ومن اتهم بالسرقة ومن المال العام اليوم هو رئيس مجلس الدولة ومن لم يقدم ويعمل لمدة 20 سنة اليوم يقود جيش ليبيا الجديد وهكذا خرجت علينا عاهات جديدة همها السلطة والمال. الشعب يعاني من هؤلاء.

هل حان الوقت لكي يخرج أهل طرابلس ويطردوا هذه العاهات من جديد ونصحح مسار الثورة والتي سرقت من قبل الأيديولوجيات الظلامية وتغير مسارها من ثورة شعب على الظلم إلى ثورة الأيديولوجيين وسارقي المال العام والجهويين والفوضيين وأنصار المقبور لتكريس الفوضى ومحاولة إذلال الشعب الليبي وقهره. هل حان الوقت!!.

* وزير الصحة سابقًا. مستشار أمراض مخ وأعصاب أطفال ..