Atwasat

ليبيا دولار!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 07 أغسطس 2018, 10:36 صباحا
أحمد الفيتوري

(كما قامت الدول قديما على التحالف بين العرش والمذبح، ولم يكن بمقدورها أن تبقي لولا كبار الكهنة، فإن الدول الحديثة أصبحت تعتمد على التحالف بين الوزارة ومجلس الإدارة والحكومة والشركات، إذ أخذ الاقتصاديون دور كبار الكهنة).
- جون ووليام مكنيل، الشبكة الإنسانية/ نظرة محلقة على التاريخ العالمي، عالم المعرفة 458 مارس 2018م

1-
حين هممتُ بمصر لم يكن لي جواز سفر، صبي في الإعدادية في أول السبعينيات بحاجة لسنوات ليكن في السن القانوني الذي يُمنح فيه جواز سفر. زورتُ توقيع أبي على طلب مكتوب فيه أن أبي يرغب في الحصول على وثيقة سفر تُمنح لمن هم تحت السن القانونية، قدمت الورقة لمختار المحلة ليصدق على صحة التوقيع، لمحبته لي وثقته لم يشك ولم يسأل أبي صديقه.

تمكنت من السفر إلى مصر ومعي ثلاثون جنيها ليبيا جنيتُها من عملي كتلميذ في الصحراء فترة الصيف، وفي مصر غيرتُ الجنيه الليبي لمصري، لم أكن أعرف ولم أفكر البتة في حمل غير العملة الليبية بل ولم أسمع حينها عن الضرورة لذلك، وقد احتجت لسنوات أخر ليكون للدولار ضرورة في حياتي.

وقد بدا أن للدولار كعملة ضرورة مباشرة للفرد في ليبيا مع نهاية السبعينيات

وقد بدا أن للدولار كعملة ضرورة مباشرة للفرد في ليبيا مع نهاية السبعينيات: الكاتب المتفرد يوسف القويري سحب من البنك قيمة الدولار المقررة سنويا للمواطن عند السفر، وعند عودته من السفر تبقى لديه جزء لم يصرفه من المبلغ المقرر فقرر إعادته للمصرف، سخر منه رجال المصرف والصراف نصحه بالتصرف فيه في السوق السوداء أو الاحتفاظ به، واجه الكاتب يوسف القويري ذلكم باستغراب وذهول من لم يقع بعد تحت طائلة هذه السوق السوداء.

في الثمانينيات من القرن الماضي عرفت عجائز ليبيا الأميات السيد الجديد الأخضر في بلاد الكتاب الأخضر!، عجائز القرى والبوادي ونساؤها وشبابها، من بشرهم القائد المفكر والمعلم الثائر بالنعيم الأرضي،في بازار اسطنبول وأرصفة المواني الليبية والتركية كن يبعن دولار المنحة السنوية لشراء حاجياتهن، لإقامة أعراس أبنائهم من صغيرها لكبيرها، وحاجياتهم من أغطية ووسائد، بعد أن فرغت وسرقت وأحرقت أسواق الشعب الاشتراكية وباتت ملاعب للجرذان.

منذها سادت حضارة الدولار بعد أن بادت حضارة الجنيه الليبي.
منذها غاص الليبيون في أزمة المعاش وبات المتغطي بالدينار عريان.
منذها الثمانينيات وحتى سقوط العقيد معمر القذافي، وأحاديثه تقريبا تقتصر على التوجيهات والنصائح لليبيين بأن يشربوا من البحر ويبيعوا رماله والزلط.
حلم الليبيين كابوسهم تمثل منذها في الدولار، في الأتراح الجمة جامعهم الموت والدولار، أمسى لديهم حي الدولار وحي اللصوص وهلم جرا، يصبحون ويمسون يلهوجون: الدولار، الدولار بكم ، الدولار نزل، الدولار زاد، باتت السوق السوداء تسود حياتهم.

هكذا تزاوج الكبير وستيفاني وأصبحا وأمسيا معا من أجل وضع الخارطة الممهدة للحل النهائي، فقدما مسألة الدولار على مسألة الدستور

2-
بعد أن سكتت المدافع وبان أن خارطة الساحر غسان سلامة كما أضغاث أحلام عاد السيد الأخضر المبجل إلى رأس قائمة رؤوس الليبيين، الذين ورثوا وورثهم عن القائد المفكر والمعلم الثائر العقيد معمر القذافي! كهانة المرحلة، الكهانة التي يقتسمها الصديق الكبير والصادق الغرياني الصّدِيقان الكبيران منذ فبراير 2011م وحتى الساعة، وهما بما يمثلانه أمسكا بروح الليبيين: الدولار، حين سيطرا على البنك الوطني في العاصمة.. وكل العراك والاقتتال والاحتراب والمحاور والمحاورة دارت وتدور حول سيد الموقف الأول: الدولار، لكن بعد أن سكتت المدافع وبات عراك الصندوق مهمة أوروبية لاتينية! ذهب آل البلاد إلى مهمتهم المقدسة الأولى والأخيرة سيدنا الخضر: الدولار والسيدة الرئيسة ستيفاني وليامز، الرئيس الحالي للبعثة الأممية لليبيا، يبدو أنها من كهانة الاقتصاد، لهذا اتخذت مسارا آخر غير مسار الساحر سلامة، خارطة طريق هذا المسار حلحلة الاقتصاد، معتبرة أن (باص وورد) أي كلمة مرور خارطة الطريق: الدولار الأمريكي، متبعة في هذا فقيه الطريقة رئيس بلادها ترامب.

هكذا تزاوج الكبير وستيفاني وأصبحا وأمسيا معا من أجل وضع الخارطة الممهدة للحل النهائي، فقدما مسألة الدولار على مسألة الدستور وتنبآ أن الحل الاقتصادي يسبق الحل الديمقراطي!. والحقيقة أنهما في هذا قد لقيا صدى على مستويات ليبية عدة حتى أن تصريحات السفير الإيطالي ذهبت أدراج الرياح، فالمسألة الليبية للمرة الأولي تُطرق من باب الأبواب أي أن الصراع السياسي وقبل العسكري يدور حول مثلث البترول على الأرض وعليه على البنك الوطني، هكذا ستيفاني وليامز استعانت بكاهن المرحلة رئيس البنك الوطني من أجل حلّ لُب المسألة: ليبيا دولار.