Atwasat

المسألةُ الليبية مسألةٌ أمريكية أيضا!

أحمد الفيتوري الأربعاء 01 أغسطس 2018, 10:16 صباحا
أحمد الفيتوري

قناعتي اليوم أن سُبل الحل تضيق بلا مراء، لكنها ليست مُغلقة بعد، وعليه لا يجوز التبشير باليأس بل بالعجلة.
أمين معلوف

النفوذ هو المصلحة
تطوف الطائرات في الأجواء كما تُبحر السفن قرب الشواطئ دون إذن ولا رادع، هذا يحدث منذ عقود، بل إن الطائرات تُقنبل الأراضي حيث تشاء وتهدم المنازل، والسفن أسقطت طائرات البلاد حين قدرت أنها تستهدفها.
رجال ونساء دبلوماسيون وغيرهم لا يعلم أحد مهمتهم يسرحون حيثما شاؤوا ولِما يشاؤون منذ سنوات، حتى أن السفير يُقتل في حادث غامض في مدينة ليس له فيها مقر، أما مسئولو البلاد فمنهم من يحمل جنسية أو أقام أو درس لسنوات عدة في الولايات المتحدة الأمريكية التي يقال كثيرا أن المسألة الليبية ليست من أولوياتها.

أمريكا ضالعة في المسألة الليبية حتى النخاع رغم كل التخرصات والادعاءات المخالفة لذلك، سواء تم ذلك في إدارتها السابقة أو الحالية التي استباحت الأجواء الليبية مقنبلة ما ترى وما ترغب أو ما تريد، ومن خلال سفرائها وموظفي سفاراتها الذين يصغون حديثهم مع المسئولين الليبيين في صيغة الأمر أو ما شابه في الاقتصاد الليبي والهجرة وما يعتقدون أنه من لزوم ما يلزم.

هذه حقيقة لا يغطيها غربال أن أمريكا تعرف جيدا ما يحدث في ليبيا أو أنها شريك في حيث شاءت، وأيضا فإن الكثير من المسئولين الحالين شرعيين أو ما شُبه لهم يعرفون أمريكا، ومنهم الضليع في الشأن الأمريكي خاصة في المسألة الليبية.

وأُرجح أن للولايات المتحدة قوات على الأراضي الليبية، كما لها في تونس ومالي وحتى الجزائر، قوات غير معلن عنها لكن تُظهرها الحوادثُ المتفرقة ذات الصبغة الهوليودية!، وأعتقد أن البحر المتوسط ارتبط بالمسألة الليبية عند الإدارة الأمريكية المدنية/ المسلحة منذ عام 1805م وحرب السنوات الأربع الليبية الأمريكية التي على أثرها أنشأت القوات البحرية الأمريكية المسلحة، وقد أنتجت هوليود فيلما عام 2005م يحتفي بالذكرى المئوية الثانية لهذه الحرب.
أمريكا الدولة الأعظم لا تترك أي مجال للصدف والتخمينات،والإدارة الحالية تُعيد تموضع الدور الأمريكي ضمن أولويات أمريكا أولا وأخيرا، وضمن هذا أمريكا في كل مكان قيمته الإستراتجية في إدارة ترامب النفوذ هو المصلحة.

حلبة التناطح!
يعرف الكثيرون أن النفوذ يعني القوة التي بدورها توفر الحماية للمصلحة، وجدل النفوذ والمصلحة يبان بشكل خاص في استعرض القوى التي لا تحمى الحدود المرسومة إلا خلال الحدود الافتراضية، ومن هذا يجيء نفوذ أمريكا في ليبيا الذي ساهم بشكل مسكوت عنه في تحويل ليبيا إلى حلبة لتناطح التيوس الأوروبية،خاصة بين الدولتين اللاتينيتين المتوسطتين: إيطاليا وفرنسا اللتين تناطحهما سيُخلي الحلبة من أي منازع للنفوذ الأمريكي، سأذكر في الخصوص بتصريحات أوباما من كال التهم للدول الأوربية التي على رأسها فرنسا بأنها سبب سوء أوضاع ليبيا، وذلك عقب تدخل دول الحلفاء لحماية المدنيين الليبيين بقرار مجلس الأمن 1973.

وهذا مما يظهر أمريكا غير مهتمة بالمسألة الليبية، ويخفي عن النظرة العجولة أن أمريكا كما يبدو استفادت من التجربة العراقية الأفغانية، فباتت توفر كل المعطيات لحلفائها وخصومها للتناطح على النفوذ كي تحصد النتائج، وذا ظاهر بشكل فج في سوريا وأوكرانيا ما تخوض فيهما أمريكا حربا سياسية على غير عادتها وخللها البنيوي كدولة حرب مسلحة، كما أنها لأجل نفوذها تجمح إلى الخصم روسيا مثلا للضغط على الحلفاء!.

ليبيا في خارطة طريق هذه السياسية الترامبية -كما ريغن وحرب النجوم- من ضمن حلبة إرهاق الحليف قبل الخصم لأجل حصاد هين. ويُساهم ترويج شعار ترامب أمريكا أولا في سيطرة الوهم بأن أمريكا لم تعد شرطي العالم، وبالتالي سيتقلص النفوذ الأمريكي، النفوذ الذي في إدارة اليمين الأمريكي مسألة وجود.

وزير الخارجية بومبيو، من لعب دورا كبيرا في تحقيقات الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي عام 2012م، يرسل رسالته إلى الليبيين محتواها: أن النموذج الأمريكي الناجح لقرنين ونصف من الزمان خير خريطة طريق للمسألة الليبية، وهو يتلقى تقريرا مفصلا من وزير خارجية تونس المحامي خميس الجهيناوي عن حال هذه المسألة.

في التأني الندامة
طرْقُ المسألة الليبية ساخنة -مثلما طرق الحديد- يُلينها، إذ وهي على الطاولة والمسألة السورية بدأت تجنح إلى حل الأمر الواقع فإن الحل اللا حل في ليبيا سيجعل ليبيا كما مسألة باردة قابلة للتأجيل، والمراقب يلاحظ أن التناطح الروماني الغالي (الإيطالي الفرنسي) تلخص في التأجيل عند وزيرة الدفاع الإيطالية اليزابيتا ترينتا صاحبة تصريح (ليبيا ملكنا)، التي زارت ليبيا عجولة بعيد زيارة وزير الخارجية الفرنسي ليف لودريان صائغ لقاءات باريس الليبية، ويتلخص أيضا في (اتفاق أوزو) مماثل للاتفاق السابق الذي وضع أسه ما قبل الحرب الكبرى الثانية ولم ينفذ.

أما الأطراف الليبية القوية على الأرض العارفة بالدور الأمريكي فإنها تبدو في انتظار حلحلة لهذا الدور، مُدركة أن التناطح الأوروبي مفعولهُ سلبي من ناحية ما يعانيه الاتحاد الأوربي من خلخلة، ومن ناحية أخرى إيجابي في هذه الحلحلة.
وهذه التفاصيل في المجمل توضح بجلاء أن المسألة الليبية مسألةٌ أمريكية أيضا.