Atwasat

كرنفال «الإصلاح الاقتصادي»

أحمد بن موسى الثلاثاء 31 يوليو 2018, 10:54 صباحا
أحمد بن موسى

حافظت منذ مدة على عدم الخوض في الشأن العام، وذلك لقناعتي بأن المستنقع أقذر من أن يخرج منه الإنسان نظيف اليدين، لكن كرنفال الإصلاح الاقتصادي الذي يعم الأجواء هذه الأيام «شي ينطق الساس».

إنه من المعيب - من وجهة نظري - أن يطلق مصطلح «إصلاحات اقتصادية» على حزمة الإجراءات المتسربة من أروقة مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق الوطني، وذلك لعدة أسباب، أهمها:

1- إن أية إصلاحات اقتصادية لا تقترن بإجراءات حازمة لمكافحة الفساد ووقف تبذير المسؤولين الحكوميين هي عبارة عن نقل اللقمة من فم الجياع إلى بطون الفاسدين.
فمن غير المنطقي فرض رسوم جمركية وضريبية على المواطنين والقطاع الخاص دون ملازمته بتطبيق ممارسات الشفافية ومكافحة الفساد والمفسدين ومنع الهدر غير المبرَّر في المال العام، سواء في شراء السيارات والمكاتب الفارهة وتأجير الطائرات الخاصة، أو زيادة فاتورة المرتبات الحكومية عبر تعيين عشرات الآلاف ليضافوا إلى كومة 1.85 مليون موظف المسجلين بالكادر الوظيفي للدولة الليبية ومشتقاتها.

2- إن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي لا يكون بمجرد فرض التقشف على الشعب، بل بتنفيذ خطة وطنية شاملة تحفز القطاع الخاص وتطلق العنان أمامه لتنويع الاقتصاد ودفعه إلى الأمام. هذه الإجراءات تشمل خصخصة الشركات التابعة للدولة وفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص في قطاعات البنوك والاتصالات والخدمات وغيرها، بالإضافة إلى تحسين ترتيب ليبيا في مؤشرات الشفافية وسهولة أداء الأعمال اللذين تقبع ليبيا فيهما في ذيل القائمة، وتخفيف البيروقراطية عبر إقرار قانون المعاملات الإلكترونية والانطلاق في استراتيجية التحول الرقمي لكافة أجهزة الدولة، وخفض فاتورة التوظيف الحكومي، وخفض (أو إلغاء) الدعم وغيرها.

كل ما يتم تداوله اليوم لا يتعدى تعديلاً في السياسات المالية للحكومة، ممزوجًا بمحاولة يائسة لتغيير سعر الصرف

3- إن أية إصلاحات اقتصادية حقيقية تقوم على عدة أدوات أهمها، أدوات السياسة النقدية التي من المفترض أن يستخدمها المصرف المركزي لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والسيطرة على معدلات التضخم بالتحكم في المعروض النقدي سواء كانت السياسة النقدية توسعية أو انكماشية. لذا وجب قبل أي حديث عن إصلاحات اقتصادية حقيقية إلغاء القانون رقم 1 لسنة 2013، الخاص بمنع الفائدة في المعاملات المصرفية، وهو القانون الذي ضربَ «عقب أخيل» في البنيان الاقتصادي الليبي بحرمان المصرف المركزي من أهم أدوات التحكم في قيمة العملة المحلية، وحول القطاع المصرفي إلى قطاع طفيلي ينتقص قيمة من الاقتصاد بدل أن يكون عجلة دافعة لإضافة قيمة إلى هذا الاقتصاد. أن إي خطة للإصلاح الاقتصادي يجب أن تشمل إلغاء هذا القانون ليكون لها أي أمل في تحقيق هدفها المرجو، على الأقل إلى حين إيجاد نص بديل يقوم بصياغته ذوو الاختصاص هذه المرة.

شخصيًّا أرى أن كل ما يتم تداوله اليوم لا يتعدى تعديلاً في السياسات المالية للحكومة، ممزوجًا بمحاولة يائسة لتغيير سعر الصرف، وهو أمر لن يؤدي بالضرورة للوصول إلى الكأس المقدسة (الإصلاح الاقتصادي) التي تعالج المشاكل الجذرية التي تعانيها ليبيا منذ اكتشاف النفط.

وبالطبع فإن إنهاء الانقسام السياسي وحالة الاحتراب الداخلي وتوحيد المصرف المركزي تظل أولويات بديهية لن يقوم إصلاح إلا عبرها.