Atwasat

سيلفي مع الله!

حمدي الحسيني الإثنين 30 يوليو 2018, 11:43 صباحا
حمدي الحسيني

بثقة يحسد عليها تحدث الشاب الثلاثيني، بلكنة أبناء صعيد مصر، عن لقاءاته المتكررة مع النبي محمد (ص)، وزيارات الرسول الدائمة له في بيته المتواضع، إلى جانب حديثه المستمر مع الله، وأشار في فيديو متداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أريكة كان يتكيء عليها قائلاً: اعتاد أن يجلس هنا بجواري، ونتبادل الحديث حول أحوال البلاد والعباد كل ليلة، وها هي صورة سيلفي تجمعني مع النبي المصطفى لمَن يشكك فيما أقول!.

وببجاحة عرض الشاب صورة له مع شخص ذي لحية بيضاء، قريب الشبه إلى الممثل العالمي أنتوني كوين في فيلم عمر المختار، وزعم أنه النبي محمد خلال إحدى زيارته له في منزله المتواضع بصعيد مصر. ولمزيد من الإثارة والتشويق، ادعى «كليم» الله الجديد نبوءات، وتبادل الأحاديث مع الخالق مباشرة، بعضها يتعلق بمصير زعامات سياسية، وبعضها الآخر يرتبط بمستقبل المنطقة والصراع بين دولها، تشاور فيها مع الله وأدلى فيها بدلوه!.

الرئيس الفليبيني، رودريغو دوتيرتي، على استعداد لتقديم استقالته إذا أثبت أحد «وجود الله»!

ليس هذا وحسب، بل يفاجئنا الرئيس الفليبيني، رودريغو دوتيرتي، بأنه على استعداد لتقديم استقالته إذا أثبت أحد «وجود الله» خالق الكون!. دوتيرتي تطرق خلال كلمته في مدينة دافاو وسط البلاد، إلى الخطيئة الأصلية في المسيحية، متسائلاً: أين هو منطق وجود الإله؟!.
بل تحدى قائلاً: «إذا كان هناك شخص واحد يستطيع إثبات أنه قادر على التحدث مع الرب ورؤيته من خلال صورة أو التقاط سيلفي معه، فإنني سأستقيل فوراً».

الغريب أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الفليبيني، بهذه الطريقة، بل سبق أن تجاوز حدوده، مما عرَّضه لحملة انتقادات لاذعة حتى من أقرب حلفائه السياسيين، ووصفه أحد الأساقفة الكاثوليك بـ «المريض نفسياً». ومن الفليبين في أقصى آسيا، إلى كينيا في شرق أفريقيا، نجد القسيسة لوسي ناتاشا، شابة ذات ملامح أفريقية جذابة، تنحدر من أسرة متواضعة، لكنها متحدثة لبقة، رغم اعترافها بأنها ظلت تتلعثم في الكلام حتى سن العاشرة!، والآن تعد مواعظها الأكثر تأثيراً في العديد من الدول الأفريقية، ولها أتباع بالملايين في أغلب أنحاء القارة السمراء.

اعتادت ناتاشا في خطبها وفيديوهاتها، التي تملأ «يوتيوب»، الدعوة لحياة الزهد والتقشف، لكن ناتاشا المهووسة بالصور أثارت جدلاً واسعاً بين أتباعها بعد أن اخترق حسابها بعض القراصنة وسرب صوراً تكشف جوانب خفية لحياة البذخ التي تعيشها، والسيارات الفارهة التي تقتنيها، والقصور الفخمة التي تمتلكها في أوروبا والولايات المتحدة.

أهرامات مصر لم تسلم من بعض الخرافات، إذ لا تزال بعض المجموعات السياحية تفد إليها ليس للسياحة، لكن لـ«الحج والتقرب إلى الله»

حتى أهرامات مصر لم تسلم من بعض الخرافات، إذ لا تزال بعض المجموعات السياحية من أوروبا وروسيا والولايات المتحدة تفد إليها ليس للسياحة، لكن لـ«الحج والتقرب إلى الله»!، حيث يعتقد هؤلاء بأن «مركز الكون موجود في منطقة أهرامات الجيزة، حيث يوجد الإله الأعظم». كما يظنون أن لهم حياة سابقة، وأن أرواحهم انطلقت من تحت أقدام «أبو الهول»، لهذا يأتون، حيث كانوا قبل ميلادهم!.

ولا تتوقف وسائل التواصل الاجتماعي عن ضخ سيلٍ من الأحاديث والقصص ذات البعد الديني، أغلبها تختلط فيه الحقيقة بالأسطورة، والكثير منها أقرب إلى الخزعبلات. أدى هذا إلى تنامي ظاهرة التدين الشكلي، كما واكبها انتشار سريع للجهل والخرافة والثقافة المزيقة، مع أن أغلب مجتمعاتنا العربية في أمس الحاجة إلى العلم والعمل والاجتهاد والابتكارات الهادفة، حتى تتمكن من بناء واقع متوازن، بعيداً عن هوس الشاب الصعيدي «كليم الله»، وجنوح الرئيس الفليبيني، وازدواجية القسيسة الكينية، وخرافة الباحثين عن الخلود تحت سفح الأهرامات.

كل هذا يوفر من حيث لا ندري بيئة حاضنة للتطرف والتخلف، كما يساهم في ظهور دعاة الفتاوى الساذجة التي تعود بنا إلى الوراء، بينما أمم العالم ماضية إلى الأمام بسرعة الصاروخ!.