Atwasat

ماوراء الحدود!!

سالم الكبتي الأربعاء 25 يوليو 2018, 12:31 مساء
سالم الكبتي

على مدى أعوام ماضيه وإلى هذه الفترة.. بات يلاحظ بين حين وآخر ظهور الآراء والتصريحات من بعض الساسة ورجال الفكر والصحافة فى مصر حول الحدود الغربية لمصر مع ليبيا. ذلك اْمر توالى بلا توقف.. وينبغى أن يتوقف بصراحة. لأنه لا مجال هنا للعاطفة أو الاجتهاد أو الفتاوى، فثمة اتفاقات ومعاهدات دولية ملزمة للطرفين منذ زمن يتعين احترامها والتزام بها. إن ذلك أمر واجب ولازم. صوت العقل والحكمة يظلان أقوى من صوت العاطفة والدغدغه في كل الأحوال وعبر جميع الظروف.

ودائما يظل النزاع على الحدود بين دولتين أو مجموعة دول جاهزا لمزيد من الاشتعال والانفجار، نتيجة لشحن النفوس المتوترة فى الأصل إذا لم ينهض التعقل والتروى. لابد أن أمثلة كثيرة تظل شاهدة على اآثار وتداعيات المواقف المتعجلة، وأقربها ما يحصل وحصل بين دول افريقيا، إضافة إلى المزيد من (الحدود العالقة) التي لم يحسمها بعد اْي ميثاق أو اتفاق. والاجتهاد اْحيانا مشكلة.. والتغير فى المواقف يظل على الدوام من أكبر المشاكل ويعقد الأزمات ولايساعد على حلها.

في الواقع وبالرغم من اْشياء كثيرة.. بقت مصر هى الأقرب إلى ليبيا فى كثير من العصور، خاصة في ظروف الشدة. المصالح والسكان والتشابه وصلات القربى والمصاهرة. ولا توجد اْية مشاكل في الغالب تستدعي الاستفزاز او التباغض.

كانت ليبيا تبحث عن الاستقلال وتمضي في الطريق إليه

ومنذ اتفاقية 1925 بين الجانبين المصري والإيطالي بشاْن الحدود التي وقعها أحمد زيور باشا رئيس الوزراء المصري وسفير إيطاليا فى القاهرة، والكلام عن تلك الحدود يرتفع ثم يخفت. يجف حبره ثم يسيل. وفي فترة الأربعينيات الماضية وحتى بداية الخمسينيات، حين كان مخاض الاستقلال الليبي عسيرا، تتالت التصريحات والكتابات والنقاشات في مصر. كانت ليبيا تبحث عن الاستقلال وتمضي فىيالطريق إليه، وكانت مصر هواها في الجغبوب ومناطق أخرى تعتبرها مصرية، وكانت ليبيا تضغط على الجراح وتود مناقشة الموضوع عقب الاستقرار وتاْسيس الدولة، لكن المسؤولين المصريين لم يتوانوا عن المطالبة بما اعتبروه جزء من الاراضي المصرية، وثمة مواجهات شهيرة حدثت خلال اجتماعات الأمم المتحدة عام 1949 المتعلقة ببحث مصير ليبيا. كان عمر شنيب هناك مع رفاقه، وكان في الفترة من عام 1910 الى 1912 مديرا للسلوم. سلمته تركيا إلى مصر للحد من التوسع الإيطالي، وناقش الوفد المصري الذي كان يؤيده من وراء الستار الوفد الباكستاني بالكثير من الحجج والأسانيد في مقدمتها شخصه المدير في تلك الفترة. وخمدت الفكرة ولكن إلى حين.

وتواصل الحديث فى هذه الفترة خارج الأمم المتحدة.. الملك فاروق (ملك مصر والسودان) وعبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية، الذي (لم يهداْ عن الحركة في كل الاتجاهات والمجالات لغاية فى نفسه !، لقد قام عزام في أبريل 1949 بالاتصال بالمكتب البريطاني للشرق الأوسط في القاهرة، سعيا لإجراء بعض التعديلات في الحدود مع ليبيا لصالح مصر. ورجال الوفد.. علي ماهر. وباختصار كانت مصر ترى في بحث مساْلة ليبيا على المستوى الدولي فرصة مواتية لاإعادة ترسيم الحدود، ولم تكتف بالمطالبة في واقع الأمر بالجغبوب فقط بل البردية ومساعد والسارة واركنو والعوينات. بل ومصوع الميناء الارتري على البحر الأحمر المقابل للسودان التابع لمصر آنذاك. ملوك وساسة. طرابيش وقبعات. وتحركات في الكواليس بلا توقف. فرصة لا تعوض. كان الوقت غير ملائم. انتشرت أخبار باْن الأمير إدريس وسط الملك آل سعود بينه وبين فاروق لحل المشكل، ومراعاة الظرف والاتفاقيات التي انجزت واعترف بها في فترة الاحتلال من قبل إيطاليا ومصر.. ثم أكدت المصادر باْن المساْلة ستسوى بعد الاستقلال.. إذا ماتحقق.

• هل يجدى التاريخ؟
كان ثمة اتصالات حضارية وتجارية بين الليبيين وسكان مصر في العهد الفرعوني. وتشير المصادر التاريخية باْن اسم ليبيا نقش فى الاثار المصرية القديمة. كان فى الحقيقة يدل دلالة واضحة على كل القبائل الليبية المتاخمة لمصر.. المشواش والجرامنت والتحنو والليبو والماساى.. وغيرهم وهناك تاْثيرات جلية للحضارة الليبية القديمة فى مصر وبلاد النوبة. وليبيا بلد السباع كما سماها هيردوت ظل اسمها معروفا لدى الاغريق الذين وصلوا الى برقة واْسسوا قورينا (شحات) التى ظلت تعرف باْسم ليبيا العليا وتمتد من غرب درنة الى شرق سرت فيما عرفت المنطقة الممتدة من درنة الى حدود الدلتا الغربية ووادى النيل باْسم ليبيا السفلى. ويذكر التاريخ ان كثيرا من الاسر الليبية حكمت مصر فترة طويلة ونقلت معها نشاطاتها وحضارتها كما يذكر التاريخ القديم القائد الليبى (شيشنق) الذى حكم مصر بالذات. هكذا يقول التاريخ والمؤرخون. ويعرفه الجميع على حين يتعمد اخوتنا فى مصر تعمد القفز عليه!!

حين تم الفتح الاسلامى لليبيا كان اسم (لوبيا ومراقيا) وفقا للمؤرخين ايضا اسم لكورتين من كور مصر الغربية. والكورة فى اللغة الحزمة او المجموعة او الصقع (اصقاع الارض) والبقعة التى يجتمع فيها قرى ومحال. اكد ذلك ابن عبدالحكم فى تاريخه الشهير. فى 13 فبراير 1841 اصدر السلطان عبدالمجيد فرمانه الهميونى بتولية محمد على باشا الكبير ولاية مصر. وردت فى هذا الفرمان المرفق بخريطة تبين حدود مصر ونطاق ولايته.. (وبمناسبة ذلك صممنا على تثبيتكم فى الحكومة المصرية المبينة حدودها فى الخريطة المرسلة اليكم من لدن صدرنا الاعظم). تردد لاحقا ان الخريطة اصابها الحريق الذى دمر الاسكندرية عام 1852. وبقت نسخة فى اسطنبول.. حصلت مصر على صورة منها اثناء عقد اتفاق الحدود مع ايطاليا فى ديسمبر 1925 والذى صدق عليه الملك فؤاد عام 1926.. وصار سارى المفعول. الخريطة قد تكون الان فى ظلمات الارشيفات العتيقة!!

.. وراس الكنايس فى الخريطة العثمانية عام 1841 هو معطن الحدود او (الضبعه) الان. وفى فترة اخرى من التاريخ ارسل المهدى السنوسى احد تلاميذه وهو البرانى الساعدى الزوى ليؤسس زاوية تقع بعد السلوم. كبرت المنطقة وامتدت واقامت بها قبائل وعائلات وصار اسمها سيدى برانى. كان الليبيون يتحركون فى منطقة يعتبرونها وطنهم. ونشاْت زوايا اخرى بالكيفية نفسها.. ام الرخم واسملا التى اضحت (سملا) عمل بها الضابط انور السادات ايام الاربعينيات. والنجيلة والحمام. مثلما نشاْت الزوايا والتجارة مع افريقيا. يتداخل التاريخ مع بعضه. يتراكم ومن يتحدث هناك على ضفاف النيل يثير موضوعات انتهى زمنها ووقتها... ورجالها ايضا. يتحدث ويهمل التاريخ متعمدا اْو لاْنه لايعرف التاريخ. موضوعات لا داعى لاْعادتها. مساْلة الحدود عند اخوتنا كانت على الدوام تثار بلا مبرر وتهداْ لتعود. وتركت اغلب الوقت للعاطفة ونسيان التاريخ والاتفاقات الدولية الملزمة والصريحة. وفى كل هذا وغيره تصمت ليبيا ولاتتكلم. لايرد مسؤول ليبى. لاترد جهة شرعية او غير شرعية!. لايناقش الامر مثقف او سياسى. لايتم التعرض للامر بموضوعية والتوكيد على الجيره والجوار والوعى بالعلاقات والمنطق. وتظل المساْلة تدار بلا توقف هناك. فى مرات سابقة حدث العكس.. لم يصمت من يهمه امر بلاده.

• صحيفتا برقة الجديدة والتاج
فى ردود متتابعة عن المساْلة وجذورها حين نهضت خلال 1949 و1950 ونحن نتلمس الطريق نحو الاستقلال نشرت صحيفة برقة الجديدة فى عددها الصادر يوم 1 اكتوبر 1950 مقالا لعمر فائق شنيب الذى كان مديرا للسلوم حتى عام 1912 كما سلف القول بعنوان حدودنا فى التاريخ اشار فيه الى ان.. (ومشكلة الحدود بين برقة ومصر ليست بالمشكلة المعقدة اذا حسنت النوايا وروجع التاريخ دليلا ونبراسا ووقفا عند الواقع الملموس وقوفا اكيدا. فالواقع الذى نحن فيه لايبرر هذا الطلب مطلقا خصوصا فى الوقت الذى مازلنا نسعى فيه لاستكمال استقلالنا وبناء انفسنا فكاْن جارتنا واختنا مصر تعاون الاستعماريين علينا بعرقلة تقدمنا فى هذه الفرصة التى قد لاتتاح لنا مرة اخرى. ان اْحد كبار المؤرخين المصريين يدعى اكثر من ذلك فيقول ان اْصل المصريين لوبيون وسليم حسن بك صاحب هذا الراْى او مثبته على الاقل فى الكتب العربية حجة لا على مصر وحدها بل على العالم العربى كله لمكانته العلمية كعالم مؤرخ مدقق وكثيرا من علماء التاريخ قبله وبعده يقولون ان مصر لم يكن لها وجود قبل عشرات الالوف من السنين حين كان النيل يجرى فى ليبيا ويصب فى خليج سرت ولما تحول مجراه الى وضعه الحالى بعد الزلازل العظمى التى غارت على اثرها قارة كاملة فى البحر وغرق معها نحو ستين مليونا من الناس انسحب الليبيون مع النيل الى مصر فتوطنوها)!!

ويتساءل شنيب فى مقاله.. (فاْين اذن ماتدعيه جارتنا وشقيقتنا مصر من ان هضبة السلوم وواحة الجغبوب مصرية اصلية. هذه الدعوى باطلة من اساسها بحكم التاريخ وبحكم الواقع الا اذا ارادت مصر ان تقر باْن اصولها ليبية محضة او ان تدعى انهما باْنهما موقع استراتيجى. انها تنسى الناحية الاهم وهى ان السلوم سلمت اليها تسليما تنازليا من تركيا بعد انسحابها من برقة لكى تحمى هذا الجزء من الاستعمار على طريقة من قال مالم يمكن كله فلا تضيع جله ولايزال الذين حضروا تسلم السلوم اْحياء) وهو هنا يقصد نفسه.. عمر شنيب وزميله الاخر عمر منصور الكيخيا النائب تلك الفترة عن بنغازى فى المبعوثان.. على ضفاف البسفور.

• فماذا قال الكيخيا؟
نشر مقالة بعد مقالة شنيب باْسبوع فى برقة الجديدة يوم 8 اكتوبر 1950. كان رئيسا لديوان الامير ادريس. لكنه كتب بصفة شخصية وكان قبلها بقليل رئيسا لحكومة برقة المحلية عنونه باْسم (على حد مانعلم) اكد فيه ليبية السلوم واْن حدود برقة على اصح الاقوال كانت بعد السلوم عند نقطة بير بقبق وانه عقب الاحتلال الايطالى.. تحديدا فى شهر ديسمبر 1911 ذهب مع بعض زملائه النواب الى الصدر الاعظم سعيد باشا وطلبوا منه الحاق مقاطعة بنغازى بمصر حرصا عليها من الضياع بين ايدى الغاصبين وهكذا اخترنا اخف الضررين. ويقول الكيخيا فى مقاله انه التقى الخديوى عباس واللورد كيتشنر واخبراه باْستحالة تنفيذ هذا الطلب الا اذا قامت انجلترا بحرب ضد الطليان وهذا غير ممكن فى ذلك الوقت.

ويقول الكيخيا.. (فى مرتفع ميناء السلوم ثكنتان تقابل احداهما الميناء والثانية تقابل الصحراء والخارج من عقبة السلوم تاْتى احدى الثكنتين على يمينه والاخرى على يساره وهاتان الثكنتان اْنشاْهما ضابط برقاوى كان عام 1908-1909 قومندان السلوم المرحوم على افندى الغناى) قبل عمر فائق شنيب.

ويستمر رد الكيخيا فى المقال.. (استقر السيد احمد الشريف فى بقايا هاتين الثكنتين واحاطهما بخيام نزل فيها من معه من عرب واتراك وكان بينهم نورى باشا اخ المرحوم انور باشا وبعض رفقائه وبعد ذلك توسع الايطاليون فى احتلال السواحل واتفقوا مع المصريين على ان يجعلوا منطقة حراما مقدارها يبلغ نحو 5 كيلو مترات تقريبا ثم وضعوا مانعا لهم هناك ليراقبوا الداخل الى برقة والخارج منها وطوقوا الجهات التى وصلوا اليها بالشريط الشائك ولكن فى انتهاء الحرب العالمية الثانية ورحيل الطليان من تلك الاماكن تقدم المصريون من الثكنات التى كانوا يحتلونها فى مرتفع عقبة السلوم واجتازوا المنطق الحرام ووصلوا المكان الذى كان الطليان فيه واتخذوه مانعا وتوغلوا فى الاراضى 15 كيلو مترا ومع ذلك قبلت برقة وسكتت ارضاء لشقيقتها مصر من غير تذمر او احتجاج)!!

وعن الجغبوب تكلم.. قال فى المقال (لم نسمع فى المدة التى اقام فيها الاستاذ ابن السنوسى ومابعدها ان الحكومة المصرية ادعت باْن لها ملكية ارض الجغبوب. كان الخديوى اسماعيل يرسل للسيد السنوسى رسلا امثال الشيخ على الليثى ويزودهم بالهدايا للاستاذ السنوسى ونجله السيد المهدى ودامت هذه الحال لايدعيها احد من الحكومة المصرية ولا الحكومة العثمانية الى احتلال ايطاليا وعند ذاك فقط نجم الخلاف بين مصر والايطاليين باْعتراف مصر باْن الجغبوب تابعة لبرقة معلوم والجرائد المصرية وسواها التى كتب فيه لم يجف حبرها بعد).

وفى عددها الثالث الصادر فى 4 ديسمبر 1950 نشرت صحيفة التاج مقالة بعنوان (حدودنا الشرقية) لفرج مبروك بن سعود اشار فيه الى المحادثات التى عقدت بين الفريقين الاطالى والمصرى فى شهر نوفمبر 1925 واستمرت الى 6 ديسمبر من نفس السنه واكد اتفاق الطرفين على اثرها لانتداب لجنة مختلطة لتقوم بتعيين الحدود نهائيا ووضع علامات واضحة على طولها وقد اجرى ذلك فعلا وثبتت علامات من 178 عمودا صنعت من الاسمنت المسلح طول الواحد منها مترا وثمانين سنتمترا.

لقد استعمل هؤلاء التاريخ. المنطق والنقاش الهادى. فمصر جارة مهما كانت الظروف واضافة الى ذلك ناقش مجلس النواب فى برقة المساْلة فى عدة جلسات له عقدت فى بنغازى مع ارسال برقيات التعجب والاستنكار لاستغلال الظروف من الطرف المصرى من الكثير من المواطنين وكان كل ذلك متلازما مع النقاشات والمواجهات فى ردهات الامم المتحدة. لم يسكت احد. تداعى من يعرف للتوضيح فى وقت ندر فيه المحللون السياسيون والناشطون.

بعد الاستقلال لم يكن ثمة شيئ من هذا القبيل. هداْت الضجة. زار الملك ادريس مصر فى ديسمبر 1952. سافر فى القطار من طبرق الى مطروح. ثم الى القاهرة. استقبله محمد نجيب. علاقات ود ومصالح واحترام وفى السنة الموالية 1953 بحث محمود المنتصر رئيس الحكومة الليبية فى مصر امر مساعدة ليبيا المحتاجة جدا الى العون.. لكن الحكومة المصرية اشترطت عدة شروط لكى تقدم المساعدة من بينها بحث مساْلة الجغبوب واعادتها الى مصر. توقف الامر وبرزت هنا المعاهدة الليبية البريطانية. القوات موجودة فى برقة وطرابلس. اذن بريطانيا لاتبقى هكذا.. تدفع لنا الايجار!!

.. وماذا حدث بعد ذلك؟ تحديدا عام 1963.. ثم عام 1967 من مصر والجزائر!
.. والذى حدث - ويظل يحدث - له مقدمات اْو جذور سابقة وربما يتصل باْثارة مساْلة الحدود اْو تحقيق تبديل حتى فى نظام الحكم نفسه. فى عام 1954 بداْت فى المنطقة العربية سياسة الاحتواء اْو (الحزام الواقى) وتبنته الولايات المتحدة وبريطانيا ووصل الى الغموض الخلاق (دلاس وزير خارجية امريكا) وسد الفراغ (مشروع ايزنهاور) عام 1957 الذى انتهى الى (الفوضى الخلاقة) وقد يترتب عنه تقسيم او تفتيت.. او كل شىْ فى المنطقة!! ففى كتاب (الملك فيصل الثانى) لمؤلفه احمد فوزى (دار الحرية للطباعة. بغداد. 1988) ورد الاتى وفقا لرواية احمد شفيق النائب احد المرافقين العسكريين الشخصيين للملك فيصل (اْرادت الولايات المتحدة ان تبدل الملك ادريس بشخص يميل اليها فاْقترح الدكتور محمد فاضل الجمالى رئيس وزراء العراق على اصدقائه الامريكان ان يكون الامير عبدالاله ملكا على ليبيا. لكن بريطانيا عارضت الترشيح)! استراتيجية (امبريالية - بريطانية امريكية) تتفق وتختلف. وتخلق المشاكل فى اْية دولة وما حولها. فى عام 1957 تردد باْن انتونى ناتنج وزير الدولة البريطانى للشؤون الخارجية اْعد تقريرا احتوى على فكرة مفادها ضم طرابلس الى الجزائر وبعد عشر سنوات (1967) تاْكد لدى ليبيا باْن الرئيس الجزائرى هوارى بومدين زار الاتحاد السوفييتى فى تلك الايام للقيام بدفع اموال لمساعدة مصر فى امدادها بالسلاح بعد النكسة وعقد اجتماعا مع اليكسى كوسيجين واستمزج راْيه فى امكانية مساندة الاتحاد السوفييتى للجزائر لو تدخلت عسكريا فى ليبيا.. لكن كوسيجين استبعد ذلك لاْن بلاده لاتريد مواجهة خطيرة مع الولايات المتحدة (الاطلسى ووارسو.. مناطق النفوذ) والروس تهمهم مصالحهم بالدرجة الاولى. وعندما تولى السيد عبدالحميد البكوش رئاسة الوزارة فى اكتوبر 1967 - وكانت المعلومات مؤكدة - اْراد ان يعلن ذلك فى خطاب علنى لكن الملك ادريس نصحه بالتريث وعدم اعلان ذلك واْشار باْن على الدولة ان تتخذ اْجراءتها بعد ان فهمت الموقف جيدا. هنا ظهرت فكرة اعادة تنظيم الجيش والشروع فى صفقة الدفاع الجوى لحماية الاراضى الليبية (مقابلة شخصية مع الاستاذ عبدالمولى دغمان مدير الجامعة الليبية. 20 ديسمبر 1999).

• تهداْ (متلازمة الحدود) ثم تعود فى فترات ساخنة.. فماذا وراء الحدود؟
يحصل هذا بالطبع فى ظروف لاتستقر فيها ليبيا اْو المنطقة برمتها.. اْو هى تعانى من ماْزق اْو اْزمة. بقايا حرب او جوع. وقع ذلك قبل الاستقلال واْيام الاعداد له كما قلت وفى ظروف مشابهة لغزو الكويت على سبيل المثال. عندما اقتحم صدام الكويت فى اغسطس 1990. تحركت مساْلة الحدود. كتب اْنيس منصور مقالة فى مجلة اكتوبر تلك الايام عن اْحقية مصر فى الجغبوب. ثم اصدر الكاتب والصحفى محسن محمد فى ديسمبر 1990 كتاب (سرقة واحة مصرية). وقبل ذلك كتب سامى حكيم عن الجغبوب المغتصبة. سامى الذى اْغلب اْصدقائه من الليبيين وكانوا يزودونه بما يعتقد ويعتقدون اْنه اْسرار خطيرة ودفعوه لنشر كتبه.. حقيقة ليبيا واستقلال ليبيا وهذه ليبيا ومعاهدات ليبيا وثورة ليبيا. تاْرجح فيها فوق حبال كثيرة ثم لم يخجل رغم هذه الصداقات والصفقات من القول والادعاء بمصرية الجغبوب واْنها مغتصبة. وفى الظروف المعروفة الان للجميع التى يتحرك فيها داعش فى المنطقة.. فى ليبيا قريبا من مصر. يكون اْحيانا التلميح من اْى جاهل باْمور التاريخ القريب والبعيد باْنه كان بالمقدور الغزو والاحتلال. طالما ان ليبيا ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه فى هذا الوقت. اْراضيها مفتوحة. حدودها البرية والجوية والبحرية (على الهواء مباشرة او خارج نطاق التغطية).. وليبيا مشغولة بما ليس فى ليبيا. كل مسؤول لاتعنيه ليبيا.. وربما كل مواطن ليبى يفقد للاْسف الانتماء والولاء لليبيا. حدث هذا قريبا وقد يستمر. حدث بعد (صنافير وتيران)! كل شىْ مغر فى ليبيا بهذا الشكل. ولا يستبعد بدلا من الغزو او الاحتلال الزحف الديموغرافى من كل الجهات فى تقادم الاعوام.. فانتظروا!!

• عام 1963
استقلت الجزائر عام 1962. الحكومة الليبية قبل الاستقلال فى الجزائر فاتحت الحكومة المؤقتة وكان رئيسها بن يوسف بن خده فى مايتعلق بالحدود وضم فرنسا لاراض ليبية دون وجه حق. وعد بتسوية الموضوع بعد استقلال الجزائر. طار الوعد فى الهواء. كانت المعاملة فظه من قبل الحكومات المتعاقبة فى الجزائر. تم التنكر للوعود ولوقفة الشعب الليبى اْيام النضال الجزائرى. فى مايو 1963 قام الرئيس جمال عبدالناصر بزيارة الى الجزائر. وصل بحرا من الاسكندرية الى ميناء الجزائر صحبة وفد رسمى كبير. على هامش الزيارة عقد اجتماع سرى بين عبدالناصر واحمد بن بلة وشخصية ليبية معارضة (؟!) -اتحفظ هنا عن ذكر اسمها- تقيم فى القاهرة وصلت مع عبدالناصر. طرح فى الاجتماع.. ضم فزان للجزائر وبرقة الى مصر. وصلت المعلومات الى ليبيا (تحديدا اجهزة الامن من اصدقاء جزائريين فى الدولة الجزائرية.) تكتمت ليبيا عن الرد باْية طريقة وصدرت التعليمات للحكومة بوضع ذلك فى الحسبان. ومنعت الاشارة الى ذلك فى الاعلام والصحف.(مقابلات شخصية مع الزعيم حسن التومى مدير عام امن الدولة ومدير عام ادارة الحدود فى العهد الملكى. بنغازى 1991). هل كانت الجزائر ومصر تبحثان عن شى ما؟ هل لحرب اليمن وماينشاْ عنها داخل مصر سبب للفت انظار الداخل ؟ هل هى اشارة من قوى دولية؟ هل ذلك مجرد جس نبض.. ودراسة واعداد لشىْ؟ اسئلة ستفصح عنها الوثائق المجهولة ذات يوم.. وقد اشار بعضها الى ذلك. والواقع ان موقف ليبيا رسميا مما حدث كان ترددا او مجاملة او احجاما عن عدم اْثارة للمشاكل مع الجيران.. مشاكل تعتقد ليبيا انها ليبيا ليست فى بابها.

• صحيفة الزمان
فى يوم السبت الموافق 12 اكتوبر 1963 فى العدد (361) من صحيفة الزمان التى تصدر فى بنغازى كتب رئيس تحريرها عمر الاشهب فى الصفحة الاولى مقالا بعنوان (مطامع بعض الدول فى ليبيا) اْشار فيه الى ماحدث وتسرب عن اجتماع مايو.. منذ خمسة اشهر.. ذكر فيه باْن عدد من الصحف الاستعمارية كانت تثير حسب زعمها فى تعليقاتها الصحفية التشكك عن عدم قدرتنا الى معرفة اْهمية البترول فى بلادنا وقد بداْت تعلن على حد المعلومات السياسية التى وصلتها من مختلف المحافل عن مطامع بعض الدول العربية فى ليبيا.. و(اْقول هذا وبين يدى قصاصة مترجمة عن صحيفتى الكوريرى ودى انفورما تسيونى الصادرتين بتاريخ 24.8.1963 جاء فيها نقلا عن احدى المصادر المطلعة فى احدى العواصم الكبرى ان اجتماعا حصل فى المدة الاخيرة بين قطبين كبيرين فى احدى البلاد العربية تناولا فيه وضع خطة محكمة لاحتلال ليبيا وتقسيم مناطقها البترولية الى مناطق نفوذ بين تلك الدولتين المشتركتين متى حان الوقت المحدد لذلك والمصادر المعنية التى تسرب منها هذا الخبر الى الصحف المشار اليها هى مصادر دبلوماسية بالطبع ومادمنا قد ذكرنا هذه المصادر بالذات فعلينا ان نذكر جميع الافتراضات التى نحاول من ورائها ان نستنتج صورا متعددة عن نشر هذه الاشاعة ومدى اثرها والغاية من اشاعتها او القصد منها..)... ثم يمضى قائلا.. (عالجنا هذه الاشاعة معالجة نفسية وواقعية وذلك على ضوء سلوك ليبيا مع جميع الدول العربية والدول الاجنبية سلوكا يكاذ يكون فى السياسة الخارجية امرا مثاليا لامثيل له فى سياسة الدول الاخرى. وليبيا المعتزة بكيانها ونظامها وتاريخها العريق وعقائدها الصافية النقية الروحية البناءة ستحترم كل من يحترمها وستقف فى وجه كل طامع يتربص بها ولن تتخلى عن اْى شبر من اْراضيها لاْى طامع مهما كان هذا الطامع عربيا اْو اْجنبيا ونحن لانكترث بالخطط المبيتة حتى من اولئك الذين اْويناهم وقت الشدة وغمرناهم بمختلف صنوف الرعاية والعناية حتى اذا وقفوا على اقدامهم اصبحوا يتاْمرون على كياننا ويريدون نهب ثروتنا مع الغير فى خطة مبيتة تتسم بمعانى الغدر والتنكر فالى هؤلاء جميعا نعلن باْننا شعب قادر على الاطاحة باْى خطة غادرة قد وضعت من الغير ضدنا مهما كان الامر..). ويوجه كلامه الى الحكومة (كان رئيسها د. محى الدين فكينى) قائلا.. (وفى الوقت نفسه نطلب من الحكومة ان تتحرى الحقائق التى نشرت فى الصحف المشار اليها فى هذا المقدمة مادامت مصادرها الدبلوماسية مذكورة فى تلك الصحف واذا ثبت للحكومة الليبية صحة ذلك فعليها ادانة تلك الجهات المعنية فى نطاق المفاهيم الدولية. اما ان تبقى الحكومة ساكتة عن مثل هذه الاوضاع المخيفة فهو امر ياْباه الشعب الذى له من القدرة والمقدرة مايجعله قادرا على حفظ كيانه ومقدساته التى لاتداس ابدا)... فماذا حدث للزمان؟ عطلتها الحكومة لمدة ثلاثة اسابيع عن الصدور بدعوى اثارة البلبلة. (مقابلات شخصية مع الاستاذ احمد يونس نجم. بنغازى. مارس 2009). وقام رئيس الحكومة مع وفد رسمى بزيارة الجزائر وتونس. ثم وصل فريق نادى الهلال الرياضى ببنغازى لاْجراء مباريات ودية فى الجزائر العاصمة وعنابه. كان اول فريق رياضى عربى يصل الجزائر عقب استقلالها ثم اول بعثة كشفية ليبية ايضا.

اخرها... قال المثل
(اللى يعضك وقضك لسنونك). يقول الليبيون. والامثال دائما يرددونها. ولا موقف رسمى او شعبى مما يقال حولنا. والمطلوب باْستمرار بين كل الشعوب.. بين كل الجيران. استيعاب التاريخ والوعى به وفهمه واحترام الاتفاقات والمواثيق التى رسمت الحدود حتى لو تمت فى عهود الاستعمار والحماية. يتحمل الطرفان بعضهما. يكملان بعضهم. يظلون اخوة وجيران.. وايضا للقمر.. بدلا من فرقعة الكلمات.. او رفع الدعاوى المضحكه امام المحاكم العادية والعض من وراء الحدود!!