Atwasat

علاقة الأخوان المسلمين بنظام القذافي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 15 يوليو 2018, 01:18 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

تمثل السير الذاتية* والسير والمذكرات واليوميات، وحتى أدب الرحلات، أهمية كبيرة من حيث احتواؤها على جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية وشهادات حية على الأحداث. ومع كل ما يمكن أن ينسب إلى هذه الأدبيات من نقص وجزئية وعدم دقة، وحتى تحيز وتحامل، إلا أن هذا لا يقلل من أهميتها، ومقارنة بالكتابات التاريخية التي تمارس من قبل باحثين أكاديميين ومؤرخين محترفين فإن هذه الأخيرة لا تخلو، هي الأخرى، من تحيزات وتحاملات وإخفاء للحقائق. في الأنظمة الاستبدادية تظل مثل هذه الكتابات محل تجريم ومطاردة إذا لم توافق مزاج النظام القائم، ولا تتاح لها فرصة الظهور إلا في المنافي أو بعد زوال النظام الاستبدادي حيث يتمكن الصامتون من الكلام.

في ليبيا أتيحت، إلى حد كبير، مثل هذه الفرصة بعد سنة 2011، فكتب البعض سيرهم الذاتية ومذكراتهم وشهادتهم. من هذه الشهادات ما ينشره محمد المهدي الفرجاني على حلقات بـموقع "بوابة الوسط" الإلكتروني والعدد الورقي الأسبوعي من صحيفة "الوسط" بخصوص واقعة اختفاء منصور الكيخيا المعارض الليبي، التي يضمها عنوان عام هو "منصور رشيد الكيخيا شيخ قضايا الاختفاء القسري".

هل كان القذافي محقا بالزج بمن كانوا حينها في السجون والمعتقلات؟

بالطبع، قد لا تخلو شهادته هذه من بعض جوانب الاعتوار المذكورة أعلاه، وهذه يقع عبء تحديدها وتصحيحها، إن وجدت، على ضمير أشخاص آخرين لهم اطلاع موثوق على ملابسات القضية. لكن ما أريد أنا التوقف عنده هنا معلومان جزئيتان جدا وردتا في الحلقة (6) من السلسلة أرى أنه عليَّ واجب تصحيحهما، لأن لديَّ علما موثوقا بها.

في وقفة مفاجئة في هذه الحلقة يسأل الكاتب:
"هل كان القذافي محقا بالزج بمن كانوا حينها في السجون والمعتقلات؟ ولقد استعرضت بروية أسماء وانتماءات السجناء واكتشفت أنهم لم يكونوا جميعا ذوي انتماءات حزبية سواء كانت محلية أم قومية. كان هناك سجناء من حزب البعث، وماركسيون، وآخرون من القوميين العرب، وهم من كانوا يعرفون بـ 106 وهو عدد أعضاء الحركة التي تم الحكم عليهم سنة 1967** في زمن النظام الملكي [...] وكان بالسجن، أيضا، جماعة الإخوان المسلمين، وعدد من حزب التحرير الإسلامي" هنا أحب أن أصحح معلومتين. تتعلق الأولى بالقوميين العرب الليبيين في الفترة التي أشار إليها صاحب المقال. فأنا كنت في السجن من الأسبوع الأخير بسنة 1978 وحتى 3 مارس 1988، وعشت حوالي سبع سنوات في زنزانة واحدة مع اثنيين كانا منتميين إلى تنظيم القوميين العرب ومن الذين ألقي القبض عليهم وحوكموا وصدرت ضدهم أحكام بالسجن. كما كان يوجد أيضا أفراد آخرون كانوا أعضاء في نفس التنظيم، لكنهم لم يعتقلوا، لكن وجود هذين الشخصين وغيرهم من أعضاء الحركة في سجن القذافي لم يكن بسبب اتهامهم بانتمائهم إلى حركة القوميين العرب، وإنما بسبب تهمة سياسية أخرى.

أما بالنسبة إلى الأخوان المسلمين فلم يكن موجودا معنا بالسجن اي شخص منهم***. إذ من المعروف أن القذافي أفرج عنهم عقب اعتقالهم في سياق ما يعرف بـ "الثورة الثقافية" بدايات سنة 1973، بفترة وجيزة، وقد شاهدت شخصيا اعترافات ثلاثة أو أربعة من قياداتهم مبثوثة على المرئية الليبية أذكر منهم: حواس وهويسة ود. عمر النامي. وكان معروفا أن القذافي "يعطف" على الأخوان المسلمين، إذ منذ البداية التحق بعض قادة الأخوان في ليبيا بنظام القذافي وتقلد بعضهم مناصب عليا، يكفي أن نشير هنا إلى د. إبراهيم الغويل ود. محمد المقريف ود. محمد أحمد الشريف. وفي ندوة الحوار الإسلامي المسيحي بطرابلس (1 إلى 6 فبراير 1976)، أعلن القذافي صراحة أنه لا خلاف بينه وبين الأخوان المسلمين سوى أنهم يريدون حزبا وهو لا يريد حزبا.

التنظيم السياسي الليبي الوحيد الذي اتصل به "مجلس قيادة الثورة" بعد 1969 بشكل رسمي هو "تنظيم الأخوان المسلمين"

وأن موقفه منهم يمثل موقف جمال عبد الناصر منهم، فالأخوان هم، مثلما قال، من بادر عبد الناصر بالعداء وليس هو. وبعد أحداث مايو 1984 التي كانت وراءها "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" كتب القذافي مقالا (ليس موقعا باسمه طبعا) في صحيفة "الزحف الأخضر" الصادرة عن "حركة اللجان الثورية" وأذيع في المرئية الليبية، ذكر فيه أن التنظيم السياسي الليبي الوحيد الذي اتصل به "مجلس قيادة الثورة" بعد 1969 بشكل رسمي هو "تنظيم الأخوان المسلمين".

* يقصد بالسيرة الذاتية تلك التي يكتبها "سائرها" بنفسه. أما السيرة فهي تلك التي يكتبها شحص عن شخص آخر.
** الحقيقة أن الحكم صدر في 15/ 1/ 1968
** يمثل د. عمر النامي الذي يقال أنه أعيد اعتقاله في الثمانينيات ومات، أو صفيَّ، في السجن حالة خاصة.