Atwasat

حي على كرواتيا!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 10 يوليو 2018, 11:10 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
كنت المتفرج الوحيد المشدوه في مقهى بالقاهرة لأسباب غير جمال اللعب الكرواتي، وغير جمال رئيسة البلاد التي تسلط عليها الكاميرا وهي بالملعب تشجع الفريق ثم ترقص عند فوزه، المتفرج الوحيد من تتداخل الصور في مخيلته بين جمال ما يحدث في الملعب وقبح الصور التي تناقلتها نشرات الأخبار في التسعينيات عن الحرب الأهلية الغاصة فيها كرواتيا والذبح على الهوية، لقطة من الملعب ترادفها لقطة من الذاكرة، الرئيسة الجميلة التي تشد مخرج المباراة فيبهرنا بالصور المتتالية لانبهاره تتداخل في ذهني مع صور نساء من كرواتيا والبوسنة والصرب في هلع يلاحقهن الفجع، ما يمحو هذه الصور التي تلاحقني جمال ما يحدث في الملعب وما أعرف أنه يحدث في كرواتيا الساعة.

حين انتهاء المباراة بين الروس والكروات كتبت على صفحتي بالفيس بوك: عشرون سنة تقريبا عمرها، أربعة ملايين عدد سكانها، خاضت حربا أهلية في التسعينات، لعبها جميل كما رئيستها الجميلة. ساعتها أمسيت مقاطعا للأخبار منشغلا بمشاهدة ومتابعة ملاعب روسيا 2018، بينما الأخبار جاءت تسعى بأخبار مماثلة بما تدفق على الذاكرة أثناء المباراة، حروب كرواتيا الأهلية حروب عربية أهلية، وفي بلدي ليبيا احتدام العراك في مثلث برمودا المثلث النفطي، الكاشف أن العراك يدور حول: الثروة والسلطة والسلاح أيقونة القذافي وحكمته ما غصت بها البلاد لعقود.

في الملعب عبر الشاشة الصغيرة الكرة تتدحرج بين الأرجل وفي الذاكرة الرؤوس تتدحرج في كرواتيا

في الملعب عبر الشاشة الصغيرة الكرة تتدحرج بين الأرجل وفي الذاكرة الرؤوس تتدحرج في كرواتيا، عصف أصابني الناقدة اللبنانية يمنى العيد في مقال لها تستعيد ثقتها بنفسها بعد أن هدمتها الحرب الأهلية اللبنانية بما يحدث حينها في اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية ما من ضمنه كرواتيا، لخصت المعنى بأن الإنسان واحد في لبنان أو كرواتيا. لحظة الفرجة تذكرت قولة المفكر شيلر: الإنسان لا يكون إنسانا إلا حين يلعب، ولا يلعب إلا حين يكون إنسانا. أو كما قال وما رددتُ كثيرا.

2-
ما حدث لكرواتيا قبل حدث في اليابان التي أيضا لعبت في مونديال روسيا كما لم يلعب أحد، حتى أنستنا أنها البلاد التي جاءت ما بعد حرب نووية أصابتها دون العالمين في التاريخ، أما ما حدث في كرواتيا فلخصهُ انشداه المتفرجين في مونديال روسيا بالرئيسة الجميلة التي تجلس مع المشجعين من بلادها وغيرهم، وما تابعه هؤلاء المشدوهون من أخبار رئيسة كرواتيا التي تنازلت عن طائرة الرئاسة، وركبت في طائرة مثل كل راكب لتأتي إلى روسيا، وهذا ما تفعل عادة وكذا يفعل رئيس وزراء أثيوبيا الحالي، الرئيسة التي تعيد طلاء بيتها بيديها هذا مما جعل انشداه المتفرج يسرّ باللعب الجميل المستحق.

لا أتصور أن أحدا لم يكن عارفا بأن ما يحدث فيه الآن تحصيل حاصل

3-
حينها تتناقل بعض الصحف والإذاعات المرئية والمسموعة ووكالات الأنباء أخبار اللعبة الدموية الليبية في مثلث برمودا وما يتم من حشد عسكري، والتدخل الإيطالي السافر في الشأن الليبي ودعوتها لتسليح الجيش؟. وفيما يخص هذا المثلث لا أتصور أن أحدا لم يكن عارفا بأن ما يحدث فيه الآن تحصيل حاصل، لأن ما يحدث في ليبيا يخص ثالوث القذافي (الثروة والسلطة والسلاح) ما يعني وضع اليد، وليس وضع اليد على البنك الوطني منذ نهاية 2011 وحتى الساعة إلا مبرزة لذلك وأن الوطن هو البنك، وفي عقيدة أولئك أن من يضع يده على ضلع الثروة يكسب الضلعين الآخرين، وهذا بين منذ بدء الحرب الأهلية الثانية التي أعقبت هزيمة القذافي ودحره، ووطده الخروج عن الانتخابات الشرعية والاستيلاء على العاصمة، وما جعله قاصرا وغير تام الفشل الذي واجهه (فجر ليبيا) ما أفصح عنه بالمواجهة مع (عملية الكرامة). بهذا تحصيل حاصل اللعبة الدموية الليبية في مثلث برمودا ليبيا.

4-
ما نكتب ونعيد تدركهُ الأطراف المتحاربة كما كانت تدرك ذلكم الأطراف المتحاربة في كرواتيا تسعينيات القرن العشرين، بل ويدرك الليبيون ما حصل في كرواتيا جيدا، فالقذافي أدخل أصابعه في تلك الحرب بدعم الطرف الفاشي الصربي وفي هذا عاكس الأمم المتحدة.
ومسار كرواتيا ومن مثلها هو مسار الضرورة فالسلم لابد أن يعقب الحرب التي لا تفرز رجال السلام لأنها تحرق رجالها وحتى نساءها. هذا ما يفعله مثلث برمودا الليبي ما يرى بعض المحليين أنه خطوة تكتيكية وليس استراتيجية، لأن حرب برمودا التي يدق البعض أبوابها ستكون الحرب الحارقة الخارقة المارقة وستدخلها أطراف دولية وإقليمية بشكل سافر، مثل اليمين المتطرف في إيطاليا ما يظن أنه يسترد أمجاد موسوليني، الذي يقابله حتى الساعة الوسط الفرنسي من يظن أنه يسترد روح ديغول من انتصر في حربه رغم الهزائم، في حين هزم وعلق موسوليني - رغم الظن بالانتصارات- من أرجله بأيدي الإيطاليين من انقلبوا عليه كما فعل الليبيون مع مقلده السيء معمر القذافي.