Atwasat

قطط وكلاب على طول الطريق

محمد عقيلة العمامي الإثنين 02 يوليو 2018, 09:32 صباحا
محمد عقيلة العمامي

يقول اليابانيون عن القط: "أنه الحيوان الذي يأكل من أيدينا"، ولكن (كارل فان فيختن) الكاتب الأمريكي الذي يصفه النقاد بالذكاء وأنه يحمل خزانة من الحكايات المسلية الشائقة، والذي له عدد من الكتب العلمية المفيدة؛ منها كتاب (نمر في بيتنا) - الترجمة الحرفية (النمر في المنزل) – قالت عنه المجلات والصحف النقدية الأكثر شهرة: "إنه كَتب أفضل كتاب عن القطط، يؤكد فيه أن القط حيوان ملكي، فخم للغاية، مستقل بذاته.. وإنه مخلوق لا يمكن استعباده؛ يزدري أسياده البشر ويرفض أن يدللـه أحد إلاّ إن رغب هو في ذلك". أنا لست من المغرمين بالقطط، لأنني أرى أنه حيوان أناني، لا يؤتمن على أشيائك ولا على صداقتك، وقد يغرس مخالبة الحادة في ذراعك بغتة وأنت تمسّده، لأنه لا يرغب في ذلك.

إننا جدد في المنطقة، ولعل الجيران والمارة يعتقدون أن مسعودة المتشردة أختكم!

في السبعينيات حاولت أن أقترب من الكلاب، خصوصا من بعد أن قرر شقيقي الأصغر اقتناء كلب على عادة من ينتقلون إلى بيت تحوط به مساحة مناسبة لربطه. غير أن أخي يؤمن بحرية الكلاب فلم يقيده بسلاسل. ولأنها كلبة، فقد أسماها مسعودة. وبسبب حريتها أصبح الجيران والمارة يسمعون جملا غريبة : "أين مسعودة؟ ابحثوا عنها؟ أين تتسكع حتى الآن؟ لم أرها من البارحة؟ إلى أن نبهتنا الوالدة : "إننا جدد في المنطقة، ولعل الجيران والمارة يعتقدون أن مسعودة المتشردة أختكم!" وبالفعل قرر شقيقاي أن يستبدلوا اسمها بـ (ويسكي) على اسم كلبة في المسلسلات الكرتونية في ذلك الوقت. ولم تمض أيام حتى أمسى الجيران يسمعون عند المغرب أدخلوا (ويسكي)! لقد تأخر (الويسكي)، عندها لم أستشر أحدا! ونقلت الكلبة إلى مزرعة صديقي، على الرغم من أن الكلب وخصوصا الكلبة، مثلما يقولون، صديقة للإنسان، ويقال عنها أيضا، أنها انفصلت عن بني جنسها من الذئاب وفضلت التخلي عن حريتها مقابل رغد العيش.

لم يكن هدفي من البداية الحديث عن الكلاب، وإنما عن هذه (المخلوقات) التي لم يتمكن البشر، حتى الآن، من الوقوف في طريق تحقيق رغابتها؛ تتمسح متى تشاء وتبتعد متى تريد؛ راحتها وحاجتها هما فقط دوافعها. فالقط لا يلبث طال الزمن أم قصر أن يزدري أسياده من بعد أن يبذل جهدا خارقا ليستحوذ عليهم، ثم يرفض أن يدللـه أحد إلاّ بموافقته، وأحيانا يثابر على تحقيقها حتى وإن رفضه سيده. أحيانا تمسد ظهره، فيسحب نفسه تماما مثلما ينسحب ملك احتك صدفة بمواطن بائس تعب من عناء البحث عن قوته.

يقول كاتب (النمر في البيت) أن جاره أراد أن يؤدب قطا ويدربه على مواقيت الدخول والخروج من البيت، من بعد أن خرج من دون إذنه في ليلة باردة، ولما عاد القط وأخذ يموء عند الباب تجاهله ومن بعد أن صمت القط خرج فوجده مستلقيا نائما في ركن بجوار البيت. ويقول صديق الكاتب: "لقد شاهدني أمام باب البيت المفتوح، ولكنه انقلب على الجهة الأخرى، واستمر في خريره، وكأنما يقول لي: "إلى الجحيم أنت وبيتك". لقد فضل القط أن يضحي بدفء البيت حتى لا يذل نفسه. ولو حدث مثل هذا الموقف لكلب لتمسح وتأوه وأسبل عينيه حتى يسمح له سيده بالدخول.

منذ أن استأنس الفراعنة القطط قبل 3000 سنة فرضت عليهم هذه الحيوانات أن تفعل ما تريد

من البداية منذ أن استأنس الفراعنة القطط قبل 3000 سنة فرضت عليهم هذه الحيوانات أن تفعل ما تريد، ولا تفعل شيئا لا يرضيها مهما كانت حاجتها. لدرجة أن هذه الحيوانات فندت نظرية العلماء التي تحكم على ذكاء الحيوان بمدى قابليته للتدريب، فالقط لا يغريه شيء إلاّ وفق شروطه. والقط ليس عاجزا عن محاكاة الكلب ولكنه لا يفعل ذلك مقابل أجر تافه، غير أنه يأخذ حقه كاملا، فقطط السرك تتقاضى أعلى الأجور، فلا تفعل ما يريد المدرب أن تفعله إلاّ مقابل اللحوم والأسماك، وفي قول آخر (الستاكوزا) والجمبري والسلمون النرويجي!

والقط ينظف نفسه وبيئته من فضلاته واكتشف العلماء أنه يفعل ذلك حتى لا يهتدي أعداؤه إلى مكانه، وكذلك حتى لا تشمه الفئران وتبتعد عنه. بعكس الكلب لو لم يقم صاحبه بتنظيفه لاستحال عليه أن يعيش معه في بيت واحد. والكلب يخجل إن تجاوز حدوده كأن ينام على وسادة صاحبه، أو يأكل دون إذن صاحبه، أو إن خرج باحثا عن نزواته الطبيعية، التي يعود منها مطأطئا رأسه حافظا ذيله بين قائمتيه، فيما يعود القط بزهو بل ينظر إلى صاحبه بتعال وازدراء. والقطط تسعى وراء الفئران للرياضة واللهو ولا تعجز عن إيجاد غذائها وتستمتع بتسكعها كأن تسمع ما يبهجها وتراقب ما يدخل البهجة عليها بل القطط تستمتع بروائح الزهور، وتعيش حياتها كما تريد، مستمتعة بسرور مثير، دائمة الرشاقة والفخامة. ولكنها أكثر الحيوانات أنانية.

من بعد أن استمتعت بكتاب (كارل فان فيختن) تساءلت في سري؛ كيف لم يوظف (جورج أورويل) القط في روايته (مزرعة الحيوانات)، أما النيهوم لم يوظف غير(القرود) في روايته الشهيرة، لأنه لا يحب الحيوانات التي تتخلى عن حريتها مقابل الفتات والقشور. رحم الله عبد الوهاب البياتي الذي قال:
"الساسة المحترفون ورجال المال والملوك
سادة هذا العالم المنهوك
وأنت سيد بلا مملوك
عليك مكتوب بأن تحوم حول السور
تلتقط الفتات والقشور
تجوب هذا العالم الماخور منسحقًا مغرور".