Atwasat

ضلع الحبوني!

أحمد الفيتوري الأربعاء 27 يونيو 2018, 02:11 مساء
أحمد الفيتوري

كتاب وصحفيون وآخرون من الليبيين طالبوا في عقدي الستينيات والسبعينيات بإحراق آبار البترول، منهم (على شعيب) الصحفي المعروف من يزاول المهنة حتى اللحظة. وقد كُتبتْ سلسلة من المقالات والتحقيقات الصحفية تعلل هذه المطالبة: أن البترول الليبي نتاجه سلبي على المجتمع الذي تحول إلى الاستهلاك والعطالة دون فوائد أخرى، أما الكاتب الصادق النيهوم فكتب مقالات نثرية رفيعة ساخرة وتهكمية من حال الليبيين بعد ظهور البترول. وانتشر التذمر من ظهور البترول وآثاره السلبية منذ أول الستينيات وحتى بدء العقد التالي، حيث عرفَ الليبيون الفساد في الإدارة والحياة السياسية، ولهذا تحول شعراء شعبيون لكتابة الشعر الناقد لمثل هذه المتغيرات حتى أن شاعرا منهم اشتهر بقصيدة (وين ثروة البترول يا سمسارة) وهو جعفر الحبوني.

لقد تبين للكثير من الليبيين أن ثروة البترول لم يطلهم منها الكثير، وأن الشركات الأجنبية وشخصيات مسئولة في الدولة استحوذت على جلّ الناتج، وعلى ذلك في العمق كان البترول عند كثير من الليبيين محنة ولم يساهم في تغييرات إيجابية مفترضة من توفر هكذا ثروة، حتى أن بعض السياسيين وخاصة اليساريين منهم رأوا أن الانقلاب العسكري سبتمبر 1969م وإسقاط النظام الملكي من ألآثار السلبية لظهور النفط.

الكاتب الصادق النيهوم كتب مقالات نثرية رفيعة ساخرة وتهكمية من حال الليبيين بعد ظهور البترول

عقب الانقلاب تفاقمت هذه الوضعية وباتت الآثار السلبية للنفط الليبي تنعكس على الإقليم أيضا وأحيانا إلى أبعد من ذلك، فقد تجسدت طموحات قائد الانقلاب في توسيع نفوذه ومُنح من جهات دولية مهام غير معلنة، فوجد الليبيون أنفسهم في فاقة داخلية مضطردة وتفاقم وضع البلاد. ليبيا التي أدخلها قائد الانقلاب في حروب مع الجيران وتدخلات في بقاع الدنيا، وننوه لنموذج صدام العروبي وبومدين العالم ثالثي في نفس هذه اللحظة المفارقة، ليبيا هذه حُولتْ إلى ترسانة عسكرية وقاعدة لنزاع دولي وحروب بالوكالة كحرب أوغندا وتشاد وصراعات ايرلندا ونيكاراجوا.

بات البترول الليبي يؤدي مهام دولية وفي عراك مع البترول السعودي على النفوذ في الظاهر على الأقل، وعلى أثر ذلك صدرت قرارات دولية بمحاصرة ليبيا/ القذافي، وتراجع البترول الليبي وواجهت عمليات تصديره الصعاب. يُذكر ذلكم بما حصل ليوسف القره مانلي باشا والي طرابلس الغرب في مطلع القرن التاسع عشر حيث حوصر من بحرية عدة دول غربية آنذاك، على أثر هزائمه البحرية في حرب الإتاوات على حركة السفن في البحر الأبيض.

بعد ثورة فبراير طمح الليبيون للمرة الأولى في استعادة ثروتهم، لكن الخيبة ما جنوا فعمّ التذمر مرة ثانية وساد السخط، لقد انبثقت ثروة البترول كشعلة للحرب الأهلية التي كانت نتاج ثورة فبراير، سؤال الشاعر بوحويش (وين ثروة البترول يا سمسارة) أجاب عليه السماسرة في حروب داخلية متعددة حول هذه الثروة بدعم إقليمي دولي لهكذا تحارب من أجل النفوذ والمصالح.

الزميل والصديق سالم العوكلي كتب مقالة (قرصان الرمال ولعبة الدول) ببوابة الوسط* بيّن فيها الدور الشخصي للمغامر الجضران من عمل عقب ثورة فبراير 2011م من أجل وضع اليد على المثلث الجغرافي للبترول الليبي، وبينت المقالة البعد الثاني للبترول أي العلاقة بين البترول والتهريب، التهريب الذي عادة أسهم في تهريب الممنوعات كالمخدرات والسلاح طبعا، والمستجد تهريب البشر ما هو التجارة الحديثة للعبيد تحت مسمى (الهجرة اللا قانونية).

ليبيا محطة المتاجرة بالبشر قديما نتيجة توسطها بين تجار أوروبا وأفريقيا حيث هي قلب الشمال الأفريقي ووسط المتوسط

وتبين المقالة أن شخصية كهذه شخصية دولية لأنه أيضا تجارة كهذه تجارة دولية، وأن جبل ثلج الصراع الليبي الليبي يدس العراك الدولي والإقليمي على ثروة البترول، التي ليست مجرد كميات هائلة من البترودولار بل ما تحت هذا من نفوذ ومصالح أخر، فمن لديه أكثر يساوي أكثر، وفي مقالة (ليبيا أوزو ايطالي فرنسي)* وضحت التنافس الإيطالي الفرنسي في المنطقة ما قاعدته ليبيا ما بعد متغيرات الربيع العربي!.

ضلع زرائب العبيد!
(ألف داحس وليلة غبراء) روايتي التي رصدت أثر البترول في التحول الاجتماعي السياسي ما طرأ على ليبيا، أما رواية (سريب) فبطلها طفل ليبي جدته مهاجرة التي هي محور رئيس في الرواية: من آثار الحرب الكبرى الثانية جعلت ليبيا (المستعمرة الإيطالية) ساحة للتطاحن الإمبريالي الغربي والأمريكي الياباني من أجل السيطرة على الكرة الأرضية، من آثار الحرب تلك تضطر امرأة ليبية من لها أطفال عدة ومات زوجها للهجرة من غرب ليبيا إلى شرقها، وأحدث هذا الاضطرار - ما واكبه مَحْلٌ بغياب الأمطار- أي الهجرة من غرب البلاد تغييرا ديموغرافيا، حيث باتت أغلبية سكان شرق البلاد أُصولهم من غربها، وزادت ثروة البترول هذا خاصة في جنوب ليبيا. ورواية (سريب) كما أن زمنها عقد الستينيات أي عقب ظهور النفط، مكانها حي الصابري بمدينة بنغازي حيث المكان عرف بزرائب العبيد، الزميلة نجوى بن شتوان ترصد في رواية لها بنفس الاسم كيف أن هذا المكان هو مقر لبقايا العبيد عقب إلغاء التجارة بالبشر آواخر القرن الثامن عشر.

هذا الضلع/ الهجرة قديم في العالم وبالتالي في ليبيا، فالهجرة ضرورة في العمران البشري، وكانت تحدث بإرادة البشر وحتى غصبا عن دولهم. هذا القديم الحديث مع نهايات القرن العشرين سيتجدد بمعطيات، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد ثقب الأوزون، ما بعد الانترنت، ما بعد أزمة الرأسمالية في الثمانينات، الأهم ما بعد أن أمست أوروبا القارة العجوز، في هذا الحال الكوني المتغير ظهرت التجارة بالبشر خاصة عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان وإعادة الحروب الدينية في صيغة محاربة الإلحاد السوفيتي. ليبيا محطة المتاجرة بالبشر قديما نتيجة توسطها بين تجار أوروبا وأفريقيا حيث هي قلب الشمال الأفريقي ووسط المتوسط عادة مرة ثانية كمكان ممكن لمثل هذه المتاجرة.

أثناء ذلكم أي في عقد التسعينيات بقرارات دولية أمريكية صدرت قرارات دولية لمحاصرة ليبيا/ القذافي جويا لاتهامه بالإرهاب الدولي الجوي عقب لوكربي، القذافي المغامر من دعته أمريكا/ ريغان بأخطر رجل في العالم ذهب في الحرب إلى نهايتها، لذا فتح ليبيا كقاعدة آنذاك لما دعي (الهجرة غير الشرعية) بمشاركة المهربين الأوربيين، وكانت تونس/ زين العابدين محطة أيضا، وقد مارس العقيد القذافي هذه الحرب لابتزاز أوروبا ولفك حصاره، ونجح باضطرار إيطاليا المتضرر المباشر بالدخول معه في مفاوضات، تَوجَ هذا بزيارة استعراضية لروما وشراكة مع برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا رجل الأعمال وقتذاك، وعقد اتفاقية حول الهجرة غير الشرعية ودخلت القوات البحرية الإيطالية في بنودها التي لم تنشر علانية حتى الساعة.

مارس العقيد القذافي هذه الحرب لابتزاز أوروبا ولفك حصاره، ونجح باضطرار إيطاليا المتضرر المباشر بالدخول معه في مفاوضات

وفي الساعة وحول ذات المسألة الحقوقي الليبي صلاح المرغني كتب مقالة (إياكم والخطيئة الثالثة)* ببوابة الوسط*:( تولى نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الطلياني الجديد السيد ماتيو سلفيني مهامه مؤخرا، وهو يميني ينتمي "إلى رابطة الشمال" التي تتبنى فلسفة عنصرية متشددة معادية للأجانب وفي تعاملها مع اللاجئين والمهاجرين. وأكد الوزير الجديد أنه سيقوم بعمليات إبعاد جماعية للاجئين والمهاجرين إلى دول المصدر وليس بالضرورة إلى دول الانتماء). وقد حذر في مقالته من مغبة تمكين اليمين الإيطالي من تحقيق أهدافه بإخضاع فائز السراج الذي اجتمع بطرابلس مع سلفيني يوم الاثنين 25 يونيو 2018م، وقد جاء الاجتماع عقب محاولة فاشلة من المغامر إبراهيم الجضران لإعادة السيطرة على ثروة البترول. وهكذا فإن هذا الضلع حيوي ومازال في إطار المتغيرات الدولية والتنافس والعراك الأوروبي.

ضلع موسوليني!
الصراع على السلطة في ليبيا وسم بالحدة وتشكل ضمن أطر الاستحواذ والانفراد، فالتراث الاستعماري الإيطالي بعد العثماني تمثل في موسوليني الدولة الفاشية وبهذا تفردت ليبيا في المنطقة. منذ تأسيس الدولة الليبية وإعلان استقلالها في 24 ديسمبر 1952م لم تحز البلاد نظاما ديمقراطيا، ومثلا فإنها البلاد التي منعت فيها الأحزاب منذ القرن التاسع عشر وحتى ثورة 17 فبراير 2011م التي قبلها وعقب انقلاب أول سبتمبر 1969م استحوذ على السلطة فيها الملازم أول معمر القذافي من استعاد موسوليني حتى في تغيير أسماء الشهور والسنة. وخلال العقود الأربعة التي سيطر فيها العقيد القذافي على السلطة تفاقمت مسألة ثروة البترول وبدأت مسألة الهجرة اللا شرعية، وعقب ثورة فبراير تفاقمت مسألة الصراع على السلطة كضلع ثالث لمثلث الأزمة الليبية وحتى الساعة، ما ساهم في جعل ليبيا دولة فاشلة معترفا بها دوليا.

مسألة ماهية السلطة في ليبيا ظلت موسومة بالصراع الحاد، حتى في فترة الاستقرار أثناء النظام الملكي حيث تمت محاولات انقلابية عسكرية، نجح منها انقلاب شاب في العشرينات من عمره وملازم ثانٍ وسيطر لقرابة نصف قرن على البلاد.
عقب ثورة فبراير عادت مسألة الصراع على السلطة في ليبيا موسومة بالحدة والتشكل ضمن أطر الاستحواذ والانفراد، ويمكن القول أنها الضلع القاعدة في مثلث برمودا المسألة الليبية التي حلها أسه حلّ مسألة السلطة،هذه المسألة التي كما يظهر على السطح مستبعدة فكل الأطراف المتصارعة تقر بصندوق الاقتراع كوسيلة، لكن الصراع على السلاح والثروة يجعل مسألة السلطة مرة أخرى لمن يمتلكهما وليس للصندوق المرفوع على أسنة الرماح، وإلا فإن الانتخابات المؤيدة من الإقليم والمطلوبة دوليا تحتاج لتحققها لإجراءت مغيبة عند كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، بهذا مسألة السلطة في ليبيا مسألة على الطاولة أو أنها الضلع الأعوج بل ضلع آدم المفقود.

الآن
أضلاع المثلث كما تبين لم يتم أي إنجاز نهائي وشامل في أي ضلع منها، بل إن أي خطوة تقدم يعقبها خطوة إلى الوراء، ولعل عدم الجدية في الاتجاه نحو الحل الموهوم المتمثل في الانتخابات يسلط الضوء على الضلعين الآخرين كاستحقاقين لم ينجزا.

*سالم العوكلي:قرصان الرمال ولعبة الدول
*أحمد الفيتوري: ليبيا أوزو ايطالي فرنسي!
*صلاح المرغني: إياكم والخطيئة الثالثة