Atwasat

منصور رشيد الكيخيا شيخ قضايا الاختفاء القسري (5) الارتهان للمخابرات الأجنبية

محمد المهدي الفرجاني الأربعاء 27 يونيو 2018, 12:34 مساء
محمد المهدي الفرجاني

لقد ذكرت في حلقة سابقة أن الظروف قد توقع، أحيانا، بالمعارضين في أحضان الاستخبارات الأجنبية طلبا للحماية أو التمويل مع ضمان حرية الحركة للنشاط المعارض. وغالبا ما تسبق هذه الخطوة عدّة خطوات أخرى منها:

- الحصول على إذن الدولة المضيفة بمزاولة النشاط المعارض لنظام دولة الفصيل المعارض، وهذا أيضا يتوقف على درجة العلاقة بين الدولة المضيفة والدولة التي يستهدفها المعارضون.
- جلوس الفصيل المعارض على طاولة الاجتماعات صحبة ملفاته الكاملة التي توضح أسباب معارضته وكوادره ونظامه ورؤيته لمستقبل بلاده، والأهم ماذا بعد القضاء على نظام بلده؟. وماذا ستستفيد الدولة المضيفة في المستقبل من مزايا ومصالح؟. وكيفيه التمويل والأهم أجندته!.
- الدولة المضيفة هنا مخيفة فهي بصراحتها، إلى حد التغول للهيمنة على كل شيء، تفرض قيودها ليس على الحركة فقط بل أيضا على علاقة هذا الفصيل مع غيره من الفصائل!. وهذا، في النهاية، هو الارتهان للأجنبي، وهو اختصار الطريق إلى العمالة الكاملة وتكون مصلحة الوطن في المرتبة الثانية.

الدولة المضيفة هنا مخيفة فهي بصراحتها، إلى حد التغول للهيمنة على كل شيء، تفرض قيودها ليس على الحركة فقط بل أيضا على علاقة هذا الفصيل مع غيره من الفصائل!

في أمريكا، قبل وبعد مؤتمر دلاس بولاية تكساس كان جميع المعارضين متواجدين في هذا الاجتماع الذي بحث مستقبل ليبيا بعد القذافي. هذا التواجد لم يكن عاديا، فلقد سبقته عدّة اجتماعات مع المخابرات المركزية الأمريكية، وهي التي حددت الطريق وما يجب أن تقوم به المعارضة!؟. لقد كان للمعارضة في أمريكا أشخاص منسقين، وهم همزة الوصل بين المخابرات الأمريكية وفصائل المعارضة. إن مهام (همزة الوصل) هذه ليس تنسيق المواقف، بل استلام الأوامر والتعليمات، وهذا هو الارتماء في حضن المخابرات.

كان هناك اجتماعان: الأول يفترض فيه أن يكون لجميع فصائل المعارضة لنظام القذافي في واشنطن غايته بحث موضوع (ليبيا بعد القذافي) برعاية المخابرات الأمريكية، أما الاجتماع الثاني في القاهرة فيخص المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي يرأسها السيد أحمد فائق وزير الإعلام المصري السابق، في حكومة على صبري، ورفيق عبد الناصر في تنظيم الضباط الأحرار. السيد الدكتور منصور الكيخيا كان عضوا مؤسسا في هذه المنظمة، التي تتكون من 18 شخصية. وجه السيد محمد فائق الدعوة لمنصور لحضور وقائع جلسات المنظمة في القاهرة، وهنا كان لمنصور الخيار، إما أن يذهب إلى واشنطن وإما إلى القاهرة. اختار منصور القاهرة!. على الرغم من أن اجتماع واشنطن كان مفصليا بالنسبة لقضية الوطن، وماذا سيكون عليه الحال بعد نظام القذافي؟.

في هذه الفترة كان منصور ينتظر حصوله على جواز سفر أمريكي ليستعمله بدلا من جواز سفره الجزائري، الذي كان يستعمله في تلك المرحلة؛ لأن علاقته بالجزائر كانت جيدة. تقدم منصور إلى السفارة المصرية في باريس بغية الحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر إلاّ أن السفارة المصرية رفضت منحة هذه التأشيرة إلاّ بعد الرجوع إلى القاهرة على الرغم من كونه قدم برقية الدعوة لحضور اجتماعات المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهنا تدخل السيد محمد فائق والسيد أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس حسنى مبارك، وبالفعل منح منصور التأشيرة لدخول مصر بجواز سفره الجزائري.

وصل منصور بمفرده إلى مطار القاهرة، وكان في استقباله أحد تلاميذه المدعو ابراهيم فتحي عميش، الهارب من سجن الكويفية عام 1978. في هذا الوقت كان منصور يرأس ما يعرف بـ (التحالف الوطني الليبي) وكان نائبه السيد عاشور بن خيال. كان منصور أيضا، عضوا في المجلس التنفيذي في (المنظمة الدولية لمناهضة جميع أنواع التمييز العنصري) - (إيفورد) – التي كان يرأسها عبدالله مصطفى شرف الدين. وبالإضافة إلى ذلك كان منصور عضوا في (منظمة الحقوقيين العرب) ومقرها القاهرة. هفوة المعارضة أنها لم تعِ أبدا أنها كانت مرصودة تماما من قبل القذافي منذ مؤتمر دالاس 1992. لقد كان النظام على علم كامل بكل ما دار فيه، بما في ذلك دموع غيث سيف النصر.

بالإضافة إلى جهد وخطورة منصور كان يتمتع بمحبة كبيرة في ليبيا من قبل الشعب، ليس لأنه معارض، وإنما لأنه إنسان وطني يتمتع بأخلاق راقية

كان المجلس الوطني للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وكذلك جبهة التحالف الوطني، التي يرأسها الدكتور منصور يعتقدان أنهما بعيدان عن مراقبة النظام، وأنهما غير مرصودين! بينما كان نظام القذافي يعرف كل الخطوات التي تمت بما فيها التوقيع على الاتفاق بين المجلس الوطني للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وبين جبهة التحالف لتنسيق وتوحيد المواقف بينهما. هنا، وهنا فقط انتبه القذافي لخطورة حركة منصور الكيخيا وجهودها في توحيد وتنسيق الفصائل كافة ضده. هذا الرصد الدقيق جعل النظام يطارد منصور ويصرّ على تحييده والرجوع به إلى ليبيا. فبالإضافة إلى جهد وخطورة منصور كان يتمتع بمحبة كبيرة في ليبيا من قبل الشعب، ليس لأنه معارض، وإنما لأنه إنسان وطني يتمتع بأخلاق راقية، ناهيك أنه رجل دولة من الطراز الأول، مقارنة بالكثيرين ممن كانوا يدعون أنهم معارضة.

كان القذافي دائم الاستهزاء والتندر بالدكتور محمد يوسف المقريف، والرائد إبراهيم صهد أول الدفعة الخامسة في الكلية العسكرية، وكان يطلق على جبهة الإنقاذ دمية من صنع أمريكا، وأنها مثل سمكة تموت إن منعت المخابرات المركزية عنها الدعم.
جبهة الإنقاذ لم تنتبه إلى أن بعض أعضائها كانوا على علاقة مباشرة بنظام القذافي إلا مؤخرا، ولعل قيام الدكتور محمد يوسف المقريف بإبعاد كل من الدكتور يوسف أمين شاكير المسئول الأمني بالقاهرة، وعبدالسلام بالتمر من القاهرة ونقلهما إلى السودان، ومنعهما من استعمال الهاتف من هناك إلى أي جهة كان يؤكد تلك العلاقة، وانتباه الدكتور محمد المقريف لهما. لقد اخترق نظام القذافي كامل جبهة الإنقاذ في القاهرة والخرطوم وأمريكا.

لقد كانت دراسة وتقييم فصائل المعارضة كافة، كمسميات وكأفراد في أي مكان قائمة، وأثبتت الدراسة الجادة أنه ليس لها أي تواجد في الداخل، ولقد أكد هذا الأمر حركة أحمد حواس في طرابلس حيث انتهت حركته قبل أن تبدأ بسبب توفر المعلومات عن توقيت قدومه، ورفاقه وهدفهم، وأثبتت الدراسات اللاحقة أنه لا حقيقة ولا جذور للمعارضة في المدن الليبية كافة، وأنها ضعيفة، كما انتبه النظام إلى أن المخابرات المركزية الأمريكية قد رفعت أيديها عنها بسبب قناعتها بضعف المعارضة وعدم قدرتها على تغيير نظام القذافي مهما تكون قوة دعمها لها، لأنها غير مؤهلة لأحداث التغيير المطلوب!.