Atwasat

من كاتب لا شأنَ له إلى عظيم الجزيرة

عبد الكافي المغربي الأربعاء 27 يونيو 2018, 12:27 مساء
عبد الكافي المغربي

من أخاطب؟ أخاطب الحاكم المنحدر من الأسرة التي تبلغت من الدين زادًا لتهتدي في طريقها الطويل، أريد الأسرة التي تفخر بثلاثة قرون من النضال لامتلاك الجزيرة، كفاح شعوب أوروبا المستنيرة الفترةَ نفسها ضد الطغيان، أعني الأمير والملك والسلطان والزعيم والكاهن وخادم الأماكن المقدسة الذي يغرم من عيشة أمراء الليالي العربية بقدر ما يغنم. أقصد الملك المستبد في بلاده، العبدَ الذليل في حضرة زعماء الغرب.

نظن أن مولانا يحث الخطى إلى دمار مملكته ويبدو للمراقب المتفحص أن ذلك يكاد يكون وشيكًا. ها هو ذا وقد أخمد نيرانًا اضطرمت في أقطار عربية متفرقة بافتعال الأزمات الطائفية ودعم الحركات الرجعية وتشجيع المشاعر الانتكاسية في مجتمعات الثورة، إذ به يسمع لوقدة الاستياء حسيسا في جواره. ولعل جلالة الملك المعظم وإن أنهكته مطاردة أحلام الشعوب وقتلها يطرب للحقيقة المرثية أن سليل الشريف يلوذ به أملًا أن يجد عنده ما يسكن آلام شعبه، وإنه لمشهدٌ لو اطلع عليه الشريف المنكود لمات مرتين.

أعني الأمير والملك والسلطان والزعيم والكاهن وخادم الأماكن المقدسة الذي يغرم من عيشة أمراء الليالي العربية بقدر ما يغنم

نعلم جلالتك أن هذه الشعوب المغلوبة حشود من البلهاء والحمقى تطلب سعادة البطن، ولعل مشير السوء على سيدنا هون من خطرهم عليكم وأقركم على عرينكم. لكن الحمقى والمغفلين هم غزاة روما وجنود الأمويين الذين ضربوا في الأرض فاتحين بأمر طغاة لم يؤمنوا بالنبي الهاشمي، والوحوش الشقراء التي أطلقتها كنيسة روما على أرستقراطية الشرق، والبرابرة المغول والترك الذين حطوا من كرامة العرب، وأنصار الشيع المسيحية التي أترعت تراب القارة العجوز دمًا مؤمنًا، والثوريون الفرنسيون الإرهابيون وأنصار نابليون، وشبَيبة هتلر الذين كاد يقوم على أكتافهم استعمار وحشي همجي برغم أنف التراث الحضاري والفكري الأوروبي الرائع، وأولياء القضية العربية الذين خسر بفعل حماقتهم العراقُ حكمًا عصريًا نزيهًا والأردن ابن عم كان حريا أن يعطي بغير حساب. بلى قد يندم الحمقى على أفعالهم، لكن هذا يحدث بعد أن تورط العالم في أولى حروبه الكونية وأودى كونتات العسكر بحكومة الاستقلال الجزائرية وأطيح بإدريس الأول وسقط القذافي.

والأحمق قد يكون نصيرًا للرجعية والطرح غير الموضوعي، لكنه بأي شكل لن يكون مناصرًا لأسرة معينة أو مقتصرًا على حكم معين أبدًا بالولاء. ولَعمري إن للتعاسة المزرية في هذه الأيام لشأن أعظم من قضايا القرن الماضي ومطالب الحرية والعدل والمساواة التي لم تمثل قط للرجل الشرقي مطلبًا عزيزا.

ولستُ أقدم على نقد نهجكم في السياسة في شكل أطروحة سطحية إنشائية يعمر بها العقل العربي. أنى لي أن أتحدث عن الضمير الميت الذي لا يصحو عند رجال السياسة إلا مرة في كل ألف سنة، أو عن الشعوب الخائرة التي يأتمر بها جهلها أولا وآخرا، كلا. فإن هذا الحديث كان يصلح قبل أن يكتشف الإنسان في النفس الجمعية الاتفاق المثير، ويستدل على عمل القوانين الرياضية في النفس، وفي الجماعات، على تجلياتها السطحية بالقياس إلى القوانين المتجلية بقوة في العلوم الطبيعية. ولكن أسأل، هل ستغني عنكم أموالكم وبترولكم من شيء؟ إن كانت قد جاءت بالعمران والسعة والتأثير الإقليمي إلى الجنوب على عكس ما كانت الحضارة تمتد من الجنوب إلى الشمال في أوروبا خلال القرون الخمسة الماضية، فإنها لن ترفعكم فوق العالمين. وليس من الظلم، بالمقارنة، ألا يعدو الحاكم العربي المتصرف في أرضه ومن يعيش عليها مثل مستأجر عقار يملكه العالم ويحق للعالم المستهلك، والنظام المحتكر على السواء، إذا أساء التصرف، أن يُلزِمه بالإخلاء.

كما أن الطغاة لا يتعظون بغيرهم، فإن الشعوب لا تتعظ إلا بنفسها، وسوف يجرب كل شعب وكل جيل حظه حين يطمو نهر البؤس

أعلم، أعلم، يلتمس الحكام دروسًا في تاريخ الدول وسير الملوك، وربما يحول استيعاب هذه الدروس وانتهاج ما تمليه بالنتيجة دون بوار دولهم وضياع أسراتهم، ولكن كم توبة صدقت وما هو قدر التوبات الكاذبة، وهل تفادى رجل من سيرة الطغاة إذ ادعى قبل أن يمكن له أن ما حدث لفلان عظة لكل طاغية، وكما أن الطغاة لا يتعظون بغيرهم، فإن الشعوب لا تتعظ إلا بنفسها، وسوف يجرب كل شعب وكل جيل حظه حين يطمو نهر البؤس، إذ ذاك وأنتَ بين مكذب ومصدق، لا تسمع إلا صوت الثورة.