Atwasat

كتب.. يكتب.. (لماذا تكتب )؟

صالح الحاراتي الثلاثاء 26 يونيو 2018, 12:13 مساء
صالح الحاراتي

هذا سؤال بديهى ومتكرر على أهل الكتابة، وتبدو الإجابة الوافية عليه تحتاج شيئا من التأمل، فالكتابة تبدو عملا متعبا للذهن، وفي "معظم الأحيان" لا يحصل الكاتب منها على أي عائد مادي مجزٍ مثل عائد سماسرة الاعتمادات مثلا.. فلماذا يستمرون في الكتابة رغم كل الصعوبات والعقبات التي يتعرضون لها؟

ليس لدى إجابة وافية. ولكن لنقل إنها الوسيلة التى يعتقد صاحبها أنه يريد نقل معرِفِته وتجربتهِ الحياتية وأفكارِه للآخرين. وربما قلنا اختصارا، هي تعبير عن الذات.

رغم تلك الإجابة يبقى السؤال.. لمَ الكتابة ونحن نعلم أن ثقافتنا ثقافة شفاهية أو شفوية، حتى أننا نجد أصحاب الضجيج على الفضائيات أكثر شهرة وتأثيرا من أى كاتب مرموق... مما يستدعي السؤال.. كيف يمكن للكتابة أن يكون لها جدوى وكيف يمكن أن نجعلها تكتسب القابلية للتأثير؟.

لمَ الكتابة ونحن نعلم أن ثقافتنا ثقافة شفاهية أو شفوية، حتى أننا نجد أصحاب الضجيج على الفضائيات أكثر شهرة وتأثيرا من أى كاتب مرموق

هل العلة تتعلق بأنها كتابة على هامش الحياة، إذ في أغلب الأحيان تتغاضى عن، وتتجاهل تناول جزء هام من الحياة وتستأصل جانبا منه خوفا وتحاشيا للخوض في المحظور والممنوع والعيب والحرام؟ ونحن نعلم أننا إذا فعلنا ذلك، أن ما تجاهلناه غير موجود!! وإذا غضضنا الطرف عن التعامل مع الموروث مثلا، فهل يعني أنه غير قائم فى حياتنا؟.

الحقيقة أن الواقع يؤكد أنه مستشريا ومستفحلا وغائرا بل ويشكل الأرضية الصلبة التي تملاء العقول، وكذلك إذا تجاهلنا الحديث عن واقع الاستبداد فإنه لا يعني أننا نرفل فى نعيم الحرية!؟.

على كل حال، أشهر ما قيل تبريرا بالخصوص وإلقاء المسؤولية بعيدا هو أن.. أمة اقرأ لا تقرأ.. وكان ذلك هو التبرير اللائق حتى يتجنب أهل الكتابة عبء المسؤولية عن اللاجدوى السائرين فى ركابها.

إننا نرى هذا الكم من الكتابات روايات قصص مقالات شعر نثر وأبحاث وما إلى ذلك، ولكنها تجتر التاريخ، وتقول كلاما متكلَّفاً، له زينة شكلية ولكنه بلا قيمة ومعنى، ودون ان يُحدث تأثيرا فعالا وتغييرا في العقول.

هل العيب فى الكتابة شكلا ومضمونا، أم في عقول متحجرة تأبى الانفكاك من اسر الموروث الذي كان الأسبق إلى العقول من خلال التنشئة؟.. هل المهم هو عدد القراء أم فاعلية ونوعية من يُقرأ؟.

والسؤال الأهم.. هل هناك أمل في تغير ما هو راسخ في العقول دونما حدوث تغيير فى الأوضاع السياسية والاقتصادية؟.

يقول لي صديق أن رغيف الخبز له أولوية؛ ولا شك أن الأوضاع المعيشية الضاغطة بيئة طاردة وليست مشجعة للاهتمام بالقراءة والمعرفة.. قلت نعم لقمة العيش أولى بالاهتمام ورغيف الخبز من اولويات الغرائز؛ والتجويع والتجهيل منهج دأب عليه من حكمونا طيلة قرون حتى يستتب لهم الأمر.

الملاحظ وبالرغم من أن الكتابات تتنوع بين الساخرة والسياسية والعلمية والفلسفية ولكن المؤكد أن عدد القراء لا زال محدودا وقليلا؛ رغم استخدام معظم وسائل الترغيب والمحسنات البلاغية اللفظية والكتابة الصحفية الميسرة البعيدة عن المفردات الصعبة ولكن لم يتغير شيء.. لماذا؟.

قلت ربما لأن الثقافة المسيطرة على العقول والفهوم المتداولة عن الدين والحياة مستقرة بشكل عميق فى العقول ولا زال اجترار فهوم السلف هو السائد والمريح؛ وأظن هنا لا مفر إلا بإقرار صدق من يقول- أنه بدون التوجه إلى نقد المسلمات لن تؤتي الكلمة المكتوبة أثرها ولو كانت من رسم فحول أهل البلاغة.

ولا مفر من أن تتوقف حملات إعلام ومنصات البترودولار عن حملات تفسيق وتكفير كل من يحاول أن يقترب من المنظومة الفقهية أو يقدم رأيا مخالفا، فسلاح التكفير والتحريض لا شك سينشر الخوف الوجودي ويكمم الأفواه إلى أجل غير مسمى.

لن يكون للكتابة أثر وجدوى إذا لم يترافق ناتج الكتابة مع الإصلاح السياسي والاقتصادىي وإصلاح منظومة التعليم التلقينية

لقد حاول رواد التنوير منذ أكثر من قرن ونيف ملامسة بعض المسلمات الخاطئة ولكن لا زال التغيير المنشود فى حده الأدنى.. بل ساهم البعض- في زمن أفول وانحدار المجتمعات الذي نعيشه- في عدم الاهتمام بآلية إنتاج المعنى المتجاوز لحدود الممكن والتقليدي والسائد، وكان همهم الشاغل هو سرعة النشر، واكتساب الشهرة ضمن منظومة العلاقات والمجاملات ومحاباة أهل السلطة من ناحية والتماهي مع الرأى العام تحت شعار "الجمهور عايز كده"!! دون الاقتراب من علاتنا الحقيقية.

يأخذني الظن في بعض الأحيان - وبعض الظن إثم - أن أكثر ما يسلب القارىء قدرته على استيعاب ما يقرأ هو أنه يعيش فى بيئة يتسيدها أدعياء امتلاك الحقيقة الذين يضخون في المجتمع مفاهيم إقصائية مغلفة بغلاف مقدس تستهدف قمع الآخر وإسكاته.. وفي وسط مثل هذا المناخ يأتي السؤال الذي مفاده أي فكر يرجى له أن ينير شيئاً من ظلامات تتراكم بعضها فوق بعض خاصة وهي تدعي القداسة، ولذلك تكثر لدينا الكتابات وتقل فعالية الكتابة.... ويكثر الخطباء وتضمحل آثار الخطابة، تقام الطقوس والشعائر ولا أثر لذلك على مستوى الأخلاق.. نرى كثرة المصلين والحجاج والحفاظ والقراء ولا نكاد نجد للإنسانية أثرا في مجتمعنا؟. يكثر القول في كل مجلس ويتنادى الناس لملتقيات وندوات ولكثير من مجالس النقاش بينما لا نجد أثراً يذكر لفعل تلك المثاقفة أو قل بدقة أكثر لا توجد معايير يقاس بها أثر التحول المأمول إلى قضايا حقيقية وجادة.

هناك أسئلة جوهرية مفقودة ولابد للكتابة أن تقتحمها وتتناولها.

ماذا نريد؟ ما الذي نطمح إليه؟ ما هي آليات التفكير في قضايانا وشؤوننا؟ كيف ننظر إلى المشكلات من حولنا؟ ما هي أولوياتنا؟ ماذا عن مستقبلنا؟

أختم بتكرار القول أنه.. لن يكون للكتابة أثر وجدوى إذا لم يترافق ناتج الكتابة مع الإصلاح السياسي والاقتصادىي وإصلاح منظومة التعليم التلقينية، وذلك ما يستدعي للحديث بقية.