Atwasat

عــيــدُ الـحـرائـق الليبية

نورالدين خليفة النمر الأحد 24 يونيو 2018, 01:19 مساء
نورالدين خليفة النمر

لفتتني قبل حلول عيد الحرائق الليبية في الهلال النفطي التصريحات الأولى 07 يونيو 2018 لنائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية، الذي مثل رابطة الشمال في التحالف مع حركة خمس نجوم بالحكومة الشعبوية المُنتخبة توّاً في إيطاليا، بأن أكّد التزامه الأول بالاصطفاف على الجبهة الليبية، وأنه يدرس إمكانية رحلته الأولى قريبًا إلى هناك ومحورها يتعلق بالاتجار بالمهاجرين الذي في رأيه يدرُّ أرباحاً بمليارات اليوروات، يتقاضاها إلى جانب مهربي البشر: تجار النفط، والأسلحة، ويذهب جزءٌ منها إلى تمويل الإرهاب الإسلامي. واصفاً انخراط إيطاليا في الجبهة المحاربة بالالتزام الذي يعفيها من وصمة الدولة المتواطئة.

لقي التأييد الإيطالي للرغبة الأميركية في استعادة روسيا مقعدها في تجمّع الدول السبع الكبار أصداءه الإيجابية

المُثير للانتباه أن التصريح ترافق وحفل استقبال في منزل السفير الروسي في روما منوّها بدور روسي مرتقب بالتعاون المستأنف مع إيطاليا في جبهة البحر الأبيض المتوسط . من المفيد ربط هذا التصريح المبدئي بماحدث في قمة الدول السبع الكبار في كندا. إذ دعا الرئيس الأمريكي إلى عودة روسيا إلى المجموعة وهو ما أيده رئيس حكومة أقصى اليمين الشعبوية الإيطالية الجديدة. أُعتبر الموقف خروجا على مبدئية زملائه في الاتحاد الأوروبي بما يُجلي تغيراً في بنية النظام الدولي. يصبّ في تقارب المواقف بين الأنظمة الشعبوية الصاعدة في أوروبا والسلطوية التي يمثلّها شكل نقص الديمقراطية في روسيا.

لقي التأييد الإيطالي للرغبة الأميركية في استعادة روسيا مقعدها في تجمّع الدول السبع الكبار أصداءه الإيجابية فيها. فحسب البحث الصادر عن معهد موسكو للعلاقات الدولية أن شقاقاً في المجموعة الدولية يرسخ سيادة أوروبا، ويقوض النفوذ التقليدي الأميركي في المنطقة بما تعتبره روسيا مُرجحاً لاحتمال تمدد النفوذ الروسي في أوروبا. البيان الختامي للقمة نصّ في أحد بنوده على أن مجموعة السبع ستستمر في ممارسة الضغط على موسكو للتأثير في موقفها من القضية الأوكرانية. وعلى خلاف أميركا، تؤيد برلين وباريس هذه الوثيقة. ولكن التقرير يرى التأييد فاتراً، وأن الأمور تبدو خلاف ماهي عليه. فالاتحاد الأوروبي، إذا ما تفاقمت الخلافات مع واشنطن، سيمّم وجهه بلا شكّ نحو روسيا.

إذا واجهت فرنسا هذا التموضع الإيطالي المستجّد إزاء الشواطئ الليبية، ستلجأ أيطاليا إلى الحليف الروسي

كما بيّنا في مقالنا "انتخابات استعادة الموسيلينية" أن التموضع السياسي للحكومة الشعبوية الإيطالية سيكون استجابةً للمنطلقات الانتخابية، والمشروعيات المستهدفة في جبهة الهجرة غير الشرعية. وإذا واجهت فرنسا هذا التموضع الإيطالي المستجّد إزاء الشواطئ الليبية، ستلجأ أيطاليا إلى الحليف الروسي وموسكو ترى في ليبيا فرصة لتحويل أزمة الهجرة إلى سلاح لزعزعة استقرار أوروبا.

وهو ماتطرق له مقال ج. ستايسي في"ذا ناشيونال إنترست" عن صحيفة الوسط الليبية. فليبيا تقع حسب رأيه في قلب "السلام الحار" بين روسيا والغرب، حيث تسعى روسيا للتدخل في عدد من البلدان حول العالم على حساب الصدوع التي تطرأ في جدار التحالف الأمني الغربي. واحتمال تحرك روسيا لدعم المصالح الإيطالية من جهة، ومن جهة أخرى، تحقيق مطامحها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وأهدافها الاستراتيجية بالتموضع العسكري البحري جنوب المتوسط الأوروبي، يصبُّ في هذا الاتجاه بلعب دور في حل الأزمة الليبية. وهو ماحاولته مع قائد مُسمى الجيش في شرق ليبيا بمشهدية ممسرحة على بارجة روسية في 12. 01 .‏2017

بالعودة إلى المنعطف الإيطالي، الذي يهمنا منه ليبياً تموضعه الشعبوي المستجدّ في المنظومة الاتحادية الأوروبية، وانعكاس ذلك على ضلوعه في الأزمة الليبية التي تمشهدها مجدّداَ المعارك القبائلية الليبية ـ الليبية الدائرة في الهلال النفطي.
عوداً على بدء حرابة النفط ب 600 سيارة عسكرية مُصفّحة، مُرفقة بقدرات إلكترونية للتشويش، واستطاعة جمع فيلق من إرهابيين وفلاّقة بالأجرة من قبائل ومناطق ليبية، ومرتزقة من تشاد والسودان، والزّج بهذه القوات بسرعة لافتة في الهلال النفطي بخليج سرت، هذا العود يجب النظر إليه كخطة موضوعة منذ اتفاق لقاء باريس الأوّل 28 مايو 2018 على الرّف تم إعدادها من الأجهزة الأمنية لداخلية الوزير الإيطالي السابق والإنفاق عليها من اللوبي الاقتصادي الأيطالي الذي تمثل استثماراته البترولية في ليبيا مجموعة "أيني".

- لكن العنصر المربك، الذي سيؤزم الأمور أكثر دخول روسيا على الخط في حالة عدم تفاهم إيطالي فرنسي

سيبقى التنافس على المصالح النفطية والاقتصادية في صالح القضية الليبية. رغم نزفها منذ عام 2014 بتعبير المُفكر مالك بن نبي إنسانا وتُرابا ووقتاً. وإذا ما ظل على حاله الذي بدأ منذ سنة يتمحور حول قطبين رئيسيين هما إيطاليا، ومنافستها فرنسا التي تريد حصتها من كعكة الامتيازات النفطية والاستثمارات الاقتصادية في ليبيا، فإن دور القوى الداخيلة والإقليمية بدأ استبعاده بالتدريج، وصار الاهتمام الأميركي بعد انتخاب ترُمب ينحسر ويسير في طريق تفويض أوروبي، بريطانيا سيضعف دورها الغامض البريكست. ولكن العنصر المربك، الذي سيؤزم الأمور أكثر دخول روسيا على الخط في حالة عدم تفاهم إيطالي فرنسي وتصعيد تتدخل فيه السياسة بمزعجاتها وتخف فيه عقلانية المصلحة الاقتصادية.