Atwasat

فيلم باريس: سيناريو وإخراج ماكرون – الجزء الثاني!

أحمد الفيتوري الأربعاء 06 يونيو 2018, 02:28 مساء
أحمد الفيتوري

القدرة على الوفاق تحتاج القدرة على التنازل.
لكن فقدان القدرة نفسها يحتاج قوى عظمى لتوفيرها.

لقطة كبيرة
ماكرون شخصيةٌ رئيسة في المشهد الدولي مليئةٌ بالتناقضات بالأحرى هو التناقض: شابٌ زوج عجوز، وسطيٌ من خارج الوسط، واقعيٌ ما جاء به غير المتوقع، يفعلُ كساركوزي ويحلمُ كديجول، يعمل كوزير خارجية ويُنتجُ كوزير داخلية، المهمةُ الرئيسة التي خطها في برنامجه الانتخابي التغيير الشامل للشأن الداخلي الفرنسي فالاقتصاد قلب برنامجه، غير أن برنامجه العملي الذي تنطع له مهمة ديجولية دولية بأسلوب هوليودي.

تلميذ "ريكور" فيلسوف السرديات سردياته مقتضبة تمس السطح، كقط على صفيح ساخن يتمظهر ماكرون الرئيس الشاب الفرنسي، ما جاء بمتغير في التاريخ الحزبي الفرنسي فحزبه يحبو كتلميذ روضة. ورث عن ساركوزي أن يكون في ليبيا ولكن باعتبارها بوابة أفريقيا؟، لحظة تنصيبه التي خرجت عن المألوف الفرنسي الطبخة، عقد لقاءً مفارقاً بين قطبين ليبيين مُتناقضين: الرجل المُعترف به دوليا والرجل غير المعترف به، المهندس فائز السراج والجنرال خليفة حفتر.

شابٌ زوج عجوز، وسطيٌ من خارج الوسط، واقعيٌ ما جاء به غير المتوقع، يفعلُ كساركوزي ويحلمُ كديجول، يعمل كوزير خارجية ويُنتجُ كوزير داخلية

وقد أخرج ماكرون هذه المهمة من قبعة الساحر فبدت مباغتة، أمام الكاميرات مارس الإخراج دون مقدمات وقفز للنهاية، أن الرجلين الليبيين أتفقا وتلا بيان حسن الختام، وفي الخلفية وضع فرانكفوني هو المبعوث الأممي السامي الدكتور غسان سلامة! كما هو في ساعة استلام منصبه. لم يجفْ ريقُ المخرج والمندوب السامي والممثليين اللذين جاء بهما ليمشهد ظهوره الدولي، حتى كان المهندس فائز السراج أحد بطلي فلم باريس الجزء الأول في روما العاصمة اللاتينية المتوسطية! المنافسة للسيناريو الفرنسي.

تعليق
ثبت في الحال بطلان هكذا محاولة...
كما غارة ساركوزي من غص بلعنة ليبيا، غارة ماكرون منتوجها انتهى مع لحظة قفل الكاميرات.
ابتلع الفرنسي الشاب الصنارة الإيطالية في المسألة الليبية، منذها أعطى المخرج ظهره لهكذا محاولة.
بدلا من البوابة ذهب في العمق الأفريقي، ثم حَولَ البوابة إلى بلاد نخاسة، كانت محطته التلفزيونية فرنسا 24 التي نقلت على الهواء إخراجه لفلم باريس – الجزء الأول، كانت المحطة زاعقة توكد أن ليبيا تعيد في العصر تجارة العبيد...

لقطة صغيرة
نفس الكادر ونفس الأسلوب وفي عجالة نفس المخرج يخرج الجزء الثاني من فيلم باريس، ومن غير ليه!.
لقطة مفارقة: المكنة ضخمة والناتج هزيل!
عشرون من الكبار وحشد من الصغار وربكة وسيناريو مرتجل بذا بان فيلم باريس- الجزء الثاني قبل أن يبدأ. دهشة الاستغراب ولوثة الاستشراق – كما عند أدوارد سعيد- لاحقت ماكرون المخرج، من محاولته الأولى التي شهد الجمع أنها فيلم قصير انتهى عند صرخة أكشن!.
لكن المخرج المُصرّ اللحوح على التكرارللقطات قصيرة وخاطفة، مازال متوكدا أن الجزء الأول أنتج حقائق على الأرض. وضحها ماكرون في المؤتمر الصحفي ما أعقب ختام مؤتمر باريس الثاني ما بحشده الضخم تم في غضون ساعات: الهجرة سِفرٌ حُرق، داعش كذبةٌ في النفس الأخير، الجيش الليبي الذي أول من اعترف بقائده بات بيضة القبان، إيطاليا زوبعة في فنجان، فرنسا قادرة -على الأقل- على ما لا يقدر الآخرون.

فيلم باريس الثاني لماكرون بدأ "السكريبت" بأن العملَ الذي لا خطأ فيه هو العمل الذي لم يُنجز

قبل البدء بهذا زار موسكو وقبلها كان عند صديقه! ترامب.
وفي الختام رُسمَ سيناريو الانتخابات الليبية، باعتبار أن المستحيل يكمن في عقول العاجزين، تحت عنوان رئيس 2018م سنة الانتخابات، وعنوانين تفصيليين 16 سبتمبر يوم الاحتفال بالشهيد عمر المختار كيوم الانتهاء من حيثية الانتخاب، و10 ديسمبر يوم حقوق الإنسان العالمي كيوم للانتخابات الليبية القادمة.
ولكن ثم لكن فلكن علق الجمع بكل البديهيات والمعقولات على البيان الختامي اللا معقول، ما لم يُوقع عليه أصحاب الشأن، وما صَدقَ عليه بأنه ما لا يُصدق؟، ما عدا المندوب السامي من خرج "بما لديهم فرحون".
بدأ ماكرون المثقف وكأن لسان حاله قولة الروائي الفرنسي التشيكي الأصل ميلان كونديرا: لا شيء أسخف من أن يسعى المرء إلى إثبات شيء للأغبياء.

لقطة الختام: صدق أو لا تصدق
مُصابٌ وله بالسينما الفرنسية الجديدة التي ظهرت في الستينيات مثل المخرج كلود ليلوش ومعبودة الجماهير ب . ب*، كما مُصابُ البشرية بالفرنسية الثورة ، والموضة، ومدينة الأنوار ولافاش كيري، كما مُصابُ فرنسا بديجول الذي لا يظهر إلا ساعة الانحسار ليلعب عند الهزيمة، وكما السينما الفرنسية تلكم ولع بالتكرار والتمهل.
فيلم باريس الثاني لماكرون بدأ "السكريبت" بأن العملَ الذي لا خطأ فيه هو العمل الذي لم يُنجز.
أما ما تقدم به ماكرون في باريس حتى اللحظة الراهنة فظاهر أنه لمة رمضانية إسلامية قبل الإفطار، حيث الصائم كما الفاطر في لغط، والجمع في غيهم يعمهون هذا مشهد، لكن المشهد الأول ما أنتج اللغط غطى على المشهد التالي ما بعد اللقاء وما مساراته، وقد جاءت محطة فرنسا 24 لتوكيد ذلك بلقائيين مع خالد المشري الإخواني – كما أحب أن يقدم نفسه- ومع عقيلة صالح من رفع الراية الحمراء.
رغم كل هذا وذاك ماكرون مخرج واثق الخطى يكرر المكرر ويعيد المعاد بمثابرة يحسد عليها، بذا هو سيد التناقض في رشاقة راقص فرنسي على ركح الاليزيه العريق، أو كما رامبو* يدوس على سجادة الاتيكيت ويقص شريط البرتوكول بألا متوقع.

لقطة لم تُكتب
قالها غاندي فعلا فإنه لا يهوى الكتابة: ليس هناك طريق إلى السلام، فالسلام هو الطريق. أو كما قال...

هوامش:
• طبعا ب . ب هي الممثلة الفرنسية الأشهر بريجيت باردو، والعجوز المدافعة الساعة عن حقوق الحيوان.
• آرثر رامبو شاعر فرنسا من قلب الأعراف والموازين في مطلع العقد الثالث من عمره، ثم عزل الشعر وبات تاجرا فتاجر سلاح بين شرق أفريقيا وعدن، ثم مات شابا مغمورا مفلسا من أثر مرض عضال.
- المقال سيناريو لماهية ماكرون فيما يخص مؤتمر باريس الليبي الثاني ليس إلا.