Atwasat

حدس الصفقة

نورالدين خليفة النمر الإثنين 04 يونيو 2018, 12:21 مساء
نورالدين خليفة النمر

تُبدي الترتيبات الدبلوماسية الجارية على قدم وساق رغم الاستفزازات التي تعتورها والابتزازات التي تُبهظها أن الصفقة الأميريكية ـ الشمال كورية صارت في حكم المُبرمة. فحدس الصفقة اشتغل ببراعة في سياقه التجاري الذي حتمته إكراهات العولمة، بأنه خيار بديل عن الغريزة الأيديولوجية، بالعكس من ذلك يكون حدس الصفقة ذاته الخيار القابل للمحاكمة في شرق أوسط مازال مُثقلاً بالأدلجة.

النجاح في السياق الآسيوي دفع إدارة السياسة الخارجية الأميركية أن تعيد موضعة نفسها، في المشروع الشرق أوسطي للرئيس ترُمب المحكوم بمنطق المصلحة. فتنحِّي جانباً كل تعقيدات الماضي وتبعات أفعاله وتقفز بكل يسر وسهولة إلى إبرام صفقتين: صفقة القرن لتسوية الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والتي مازالت يلفها الضباب وإن جلب بوارق كاذبة كنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وصفقة التنصل من الاتفاق النووي مع إيران لحساب إسرائيل والبلدان الخليجية وهي سياسة تحدس ذاتها بالقفز فوق مصائد النيران.
في مقالي "ديمقراطية فن الصفقة"الوسط 27 نوفمبر 2016 وصفتُ تعمُدّ استبعاد شخصية مؤلف الكتب من البيوغرافيا المقدمة عن الرئيس الأميركي دونالد ترُمب، بالصورة المُسقطة نخبوياً على النوع الكتابي الذي انعكس في عناوين تآليفه وإضمارها لحكم مسبق لانعدام القبول به منتخبا سياسيا. الدرس المستخلص من آلية إسقاط الصورة هو تفاقم التشكّك في التوقعات المتعلقة بترُمب رئيسا، كما تعلّقت به مترشّحاً للرئاسة الأميركية، حسب مجرىات التعاطي التوصيفي لنتائج الانتخابات، التي أوصلته لسدّة الرئاسة. أول ماينبغي استبعاده النبوءات التي تُلقى جُزافاً والمشككة دون معطيات معزّزة بقرائن بعدم إكماله الفترة الدستورية لرئاسته. ماينبغي تناوله في النقاش اليقين أوانعدامه في إمكانية تحول الرئيس ترُمب من "رجل أعمال" يديرشركة إلى رجل سياسة يدير دولة عظمى أو الأبعاد التي سيتشكل فيها صراعه الدائر منذ تبوئه الرئاسة مع "الدولة العميقة" في واشنطن، أو انجراره إلى استعمال الإعلام التواصلي الشخصي بديلاً عن قنوات المؤسسة في إبلاغه المواطن الأميركي مباشرة سياساته وما سيقدم عليه من خطوات وإجراءات متمثلاً في استرضاء الجمهوريين من الطبقة العاملة المُسمّين بـ "بطبقة الولايات الصدئة" الذين منحوه أصواتهم الانتخابية. بل استعمال التويتر آداة للضغط السياسي ومعبراً عن رّدات فعله إزاء ضغوطات السياسة عليه.أما مايهمنا كغير أميريكيين تندرج أزمات بلداننا بشكل ما في بؤرة الاهتمام الأميركي كيفية إدارته علاقات أمريكا الخارجية مع أي طرف دولي آخر. وإزاء ذلك يكون الأسلم أن يتم التعامل مع كل ما يتعلق بأدائه بمنطق "السيناريوهات"، حتى لا يفاجأ الجميع ، بعام 2021 بالتجديد لدورة رئاسية ثانية له.

النجاح في السياق الآسيوي دفع إدارة السياسة الخارجية الأميركية أن تعيد موضعة نفسها

أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال بجامعة نيويورك "نورييل روبيني"حدّد شخصية ترُمب فائزاً في الانتخابات بتوصيف واقعي مستنده: خبرة ترُمب كقطب ثري من أقطاب العقارات، وداهية من دهاة التسويق. مضيفاً إليه وصفه له بالبرغماتي الواقعي المهووس بفن عقد الصفقات. فنّا التسويق، وعقد الصفقات يبرزان من عنوانين من عناوين مكتبته الغزيرة، والمؤلفة في مسار حياته المثابرة في مجال النجاحات والصفقات؛والتي كما أسلفنا لايأبه أحد بمحتواها "فن الصفقة التجارية ـ وفن العودة بعد إفلاس". العمل بمنطق "السيناريوهات" يُلجئنا إلى اعتماد مبدأ التسويق عنصراً دامجاَ للفنين الصفقة واستعادة الحضور في السوق بعد الإفلاس. وهنا يبزغ السؤال هل اعتماد حدس السوق مبدأً وحيداً كفيل بإنجاز المهمات في السياسة الدولية؟.
لوقصرنا المسألة على الشرق الأوسط ، نرى أن إدارتي السياسة الخارجية اللتين أعقبتا حدث الهجوم الإرهابي على مركزي التجارة في نيويورك سبتمبر 2001 اتبعتا سلسلة من الحسابات أدت إلى نتائج خاطئة يمكننا تحديدها في مبدئين. فاعتماد جورج بوش لمبدأ "الإعمال"،في سياق تبنيه، لأيديولوجية المحافظين الجدد ومخططاتهم المستجدة بتعلّة حدث 11 سبتمبر في الشرق الأوسط الجديد إلى تدهور العراق إلى الإرهاب الإسلاموي السنّي، وخضوعه للأطماع الإيرانية المتخفية وراء الأيديولوجية الشيعية. بينما أدى اعتماد مبدأ "الإهمال" للشرق الأوسط والانسحاب من أزماته الباعثة للملل، حسب تعبير الرئيس أوباما، إلى التوسع الإيراني غربا حتى حدود إسرائيل، وبزوغ نجم تنظيم داعش، وتحويل سوريا إلى مجمرة لهب، ورماد.

ترُمب كقطب ثري من أقطاب العقارات، وداهية من دهاة التسويق، ومهووس بفن عقد الصفقات


يفترض التعامل بمنطق"السيناريوهات المتغيرة" رؤيتين لإدارة الرئيس ترُمب في إدارة العلاقات الدولية: رؤية تبرمج العلاقات برسمها في عدّة مشروعات،تحكمها فترات كل فترة تتحدد فيها العلاقات مع المناطق والبلدان المستهدفة بسياسات الصفقة بما يحقّق نموا داخليا بنسبة 4% لصالح اقتصاد الولايات المتحدة. وهنا ينبغي النظر إلى مساهمة الأطراف المعنية في كل مشروع، والأهداف والشعارات المرفوعة. وفي المرحلة الانتقالية الراهنة تتمثل في أولويات حماية المصالح الأمريكية من هجمات "داعش"، واستعادة العلاقة النموذجية مع إسرائيل، وإعادة التفكير كُليّاً في سياسة إدارة أوباما المتوافقة مع مصالح الشريك الأوروبي تجاه إيران، وهو ما توّجه التنصل من الاتفاق النووي، بغرض جرّ إيران إلى التفاوض على اتفاق جديد يكرس تخلّيها إلى الأبد عن السلاح النووي، وتقييد برنامجها الصاروخي الباليستي وقهقرة نفوذها الإقليمي. وبالتوازي مع ذلك ترتيب العلاقات الأمريكية مع دول الخليج العربية بما يخدم الصفقة الأميركية بمبدأ المال مقابل الاستقرار.
الرؤية الثانية تتمثل في أن فن الصفقة هو المحدّد الأساسي للمدة الزمنية للعلاقة مع الشركاء في المشروع بأن يكون استقرارها قصير المدى. قد تتبعها أو لا تتبعها فترة مماثلة أو غير مماثلة، حسب الرؤية المفترضة مسبقاً. فعلاقة الرئيس الأميركي بنظيره في البلد المستهدف بإبرام الصفقة تكون جيدة "إلى أن يطلب منه أول طلب"، أو أنه قد يحَيِّد مشاكله مع دولة ما مؤقتاً إلى حين "انتهاء مشروع التعاون القائم". لكن ستوجد علاقات غير مستقرة طويلة المدى في عدة حالات، لذا فستكون هناك دائماً مراجعة للسياسات القائمة، وتحديد لمستويات التعاون التالية، وهو ماسوف تحاول وزارة الدفاع ومؤسسات الأمن الأمريكية التي ينعاد بناؤها حسب رؤية الرئيس القيام بتحييد التقلبات وردود الأفعال التي تبدو في ظاهرها غير منضبطة في نسق عام.
إن المتابعين لإدارة العلاقات الدولية لاينفون عن الرئيس ترُمب امتلاكه رؤية سياسية، ولكنهم يؤكدون أن جعبته خاوية من رؤية استراتيجية. فهو كداهية تسويق لايعدم الحيل الكفيلة بإرباك الخصوم والأصدقاء أيضاً وخداعهم. هل يمكن تسمية سياسته! بميكيافيلية الخداع حيث الغاية المحدودة الغرائز، تبرّر الوسائل المتعدّدة الأشكال.