Atwasat

ليبيا أوزو إيطالي فرنسي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 29 مايو 2018, 11:52 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
غب انقلاب 69 منع الخمر في ليبيا وعرف أوزو كخمر يوناني يهرب عبر البواخر اليونانية، بعدها انتشر الحشيش لأول مرة وعرف أوزو كفندق خمس نجوم بمدينة بنغازي، في الثمانينيات عرف أوزو كمقاطعة ليبية في جنوب الصحراء عند الحدود التشادية، حيث خاض القذافي حربه الكبرى في أفريقيا مع تشاد لسنوات وبتدخل فرنسي مع حليفها حبري الرئيس التشادي حينها من هو حليف سابق للقذافي دعمه للسيطرة على السلطة في تشاد، وتدخل حتى الأمريكان في هذه الحروب ما وقودها شيب وشباب وحتى أطفال ليبيين قتل منهم الكثير. وانتهت مغامرة القذافي بقبوله الاحتكام الدولي حيث حكمت محكمة لاهاي الدولية بأوزو لتشاد!.

أوزو هذا قبل الحرب الكبرى الثانية دخلت في عراك حوله إيطاليا موسوليني مع الإمبريالية الفرنسية، ما كانت تسيطر على تشاد وعلى ما أسمته الشمال الإفريقي الفرنسي (الجزائر وتونس والمغرب). الصراع الإيطالي الفرنسي تاريخي في أوروبا والمتوسط، حتى قبل أن تطلع إيطاليا للوجود كدولة موحدة مع نهايات القرن التاسع عشر، وذلك يوم كانت ممالك ودوقيات متفرقة كالبندقية ودويلة آل ميدتشي ودويلة الفاتيكان الباقية حتى الآن. هكذا بقيت المناوشات بين البلدين اللاتينيين بالرغم أن الإمبريالية الفرنسية والبريطانية اتفقتا على منح إيطاليا استعمار، ما يقدران أنه الصحراء التي تقع بين حدود مستعمراتهما في الشمال الأفريقي أي مصر وتونس، والتي هي ولاية عثمانية عرفت بإيالة طرابلس الغرب.

غب الحرب الكبرى الثانية هزمت الفاشية الإيطالية، واحتلت فرنسا الجنوب الليبي الغربي/ إقليم فزان حتى خروجها منه عام 1956م بعد اتفاق مع الدولة الناشئة: المملكة الليبية المتحدة. هذه اللمحة التاريخية من لزوم ما لا يلزم لخلفية المصارعة الحرة على المصالح والنفوذ لدولتي البحر المتوسط اللاتينيتين، في المتوسط ودول الجوار المتوسطي المستعمرات التاريخية التي تشكل بعدا جيوسياسيا لهما، يحظى بثروات طبيعية ويمثل مشكلا مستحدثا نُعت بعصر الهجرة السوداء بعد انتهاء عصر العبيد!.

2-
البديهة المكشوفة أن الدول الصغرى تحظي بمعضلات داخلية جمة ما بعد الاستعمار، وأن بغير مستطاعها أن تواجه معضلاتها بموازاة التدخل الخارجي للدول الكبرى التي تعمل على دعم وتوطيد نفوذها ومصالحها في هذه الدول الصغرى، قوة هذا النفوذ وكبر تلك المصالح ما يجعلان الدول كبرى. وهذه البديهة المعلومة تخص الأزمنة الحديثة وكل الكوكب خاصة ما بعد الاستعمار، وتأسيسا عليها نهضت حروب من رمادها وأشعلت أخرى ما بعد الاستعمار وفي جلَ الدول الصغرى وتقريبا في كل قارة. ولعل لهذا اختلفت إيطاليا مع فرنسا في شأن التدخل بالمسألة الليبية أثناء ثورة فبراير 2011م، ما بقي تحت الرماد حتى اندلع بشكل فاضح عقب عام 2014م بعد أن تداعت الدول ودبَ الشقاق فالحرب بين الأخوة الأعداء الليبيين، وتحت غطاء محاربة الإرهاب والهجرة استعرت نار الخلافات بين الدولتين.

الساعة جولات ماكرو الرئيس الشاب الفرنسي ودأبه من أجل لمَ الفرقاء الليبيين عده مسئولون وغير مسئولين طليان التفافا على الدور الإيطالي ومصالحه ونفوذه في ليبيا، كشفت ذلك صحف إيطالية التي اعتبرت أن ثمة التفافا فرنسيا وخديعة في زيارة ماكرو لروسيا وإيطاليا لم تنجح بعد في إعلان حكومة عقب انتخابات 2018م، وحسبها أن هذه الزيارة تأتي من ضمن مهام أخر لأجل الحصول على الدعم الروسي لفرنسا في أفريقيا وعلى رأسها ليبيا التي تعدها إيطاليا شأنا داخليا. لقد تمكن رئيس الوزراء السابق باولو جينتيلوني من وضع العصي في دواليب مبادرة ماكرو الأولى، حين جمع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي والقائد العام للجيش خليفة حفتر يوليو 2017م، ولم يألُ جينتيلوني جهدا من أجل دعم النفوذ الإيطالي في المسألة الليبية حتى عطل ما أطلق عليه خارطة الطريق الجديدة التي رسمت في لقاء فرنسا بين المسئولين الليبيين.

وكأنما إيطاليا لديها أيضا مهمة تاريخية لأجل عرقلة الإمبريالية الفرنسية، ما يحاول الرئيس الشاب ماكرو استعادة روحها الديجولية على الأقل بأن تكون فرنسا في المقدمة كقائدة أوربية تجلس على الطاولة في مواجهة حليفها أمريكا وبجانب روسيا.
وهذا ما ينعكس على المسألة الليبية بالسلب في ظرف الحلَ هو اللا حلَ، حيث يحمل المبعوث الأممي جزرة الانتخابات بدعم في الأمم المتحدة ليس له أي مصداقية على الأرض، فكرة الانتخابات التي تفجر الأوضاع الليبية فتُخرجُ من السلة بفضل مزمار الساحر غسان سلامة، الفساد والمشاكل المتراكمة فجاءة توضع كلها على الشاشات، مع فكرة الانتخابات كل المسائل تطرح فاغرة الفاه مكشرة الأنياب تبحث عن حلول عاجلة وجمعا ولا تصح صلاتها مفردة، والمبعوثية الدولية فالأوربية يعمُهما هما أيضا الفوضى والفساد، وهما من يُريدان الحل النهائي في اللحظة الراهنة: الانتخابات.

يأتي هذا وفرنسا لا تكل ولا تمل من أن تكون القائد المفرد للمسألة الليبية وحلها، والرئيس ماكرو الشاب النجم يطمح في أن يكون ديجول المرحلة لكن إيطاليا كذلك بالمرصاد له متوحدة في هذا، وكأن ثمة في الأكمة ما فيها فالدور الأمريكي مغيب أو متغيب، وقد يعلل هذا الغياب عن أفريقيا أنه غاطس في محيط بحر الظلمات الأسيوي الأعظم.
ماكرو تظهر له المسألة الليبية الساخنة كما أيس كريم، وأن مسرحها يوفر حلا مما سيوفر له محطة نحو استعادة فرنسا الديجولية بلبوس القرن الحادي والعشرين، هذه السيكولوجية التي وراء طيرانه ما لا يهدأ في كل القارات ووقوده الهروب من التظاهرات الداخلية ما يقودها العمال وغيرهم لمواجهة مشروعه الإصلاحي الاقتصادي ما بشر به ناخبيه.

إيطاليا الغارقة في مسألة هويتها ما وسمها حكومات متعاقبة لا مثيل لها في العالم، تدرك حال جارتها وسيكولوجية زعيمها الشاب فهي أيضا خبيرة بروح فرنسا النجومية، وتدرك ميول غسان سلامة الفرانكفونية، وميول السراج الرومانية (روما)، من هذا لن تترك الطبخة التي إن لم تنجح في أن تكون سباغيتي فإنها تراعى أن تكون مكرونة، وهي من تعرف محبة الليبيين للـ (المبكبكة) ما في الأخير مكرونة شعبية ليبية.