Atwasat

ركن العامرية… الوضع الديني في ليبيا: الفتاوى أنموذجًا… (2)

فدوى بن عامر الأربعاء 23 مايو 2018, 12:21 مساء
فدوى بن عامر

ولنفترض أننا بالفعل شعب "وسطي" أعني أننا بعيدون عن الغلو والشطط في كل شيء. ولنفترض أننا شعب "محافظ" على كل القيم الدينية العليا والإنسانية الخالدة ولنلقِ نظرة متأنية على مواضيع الأسئلة التي تقدم بها 2930 إنسان من الشعب الليبي طلبًا للفتوى عبر موقع دار الإفتاء وذلك منذ تأسيسها عام 2011م وحتى صيف 2017م والتي تمت من خلاله زيارة الفتاوى الصادرة أكثر من 1.3 مليون مرة.

ولأن للفتوى تأثيرا في الواقع لايمكن تجاهله فهي تسيّر الوعي العام على المستوى الجمعي والفردي على السواء ويزداد تأثيرها لسهولة الحصول عليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة. ولذا فربما كنا بحاجة لفتاوى تسهم في عقلنة المجتمع وتسهّل حياة أفراده لاسيما في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها الساحة الليبية.

في المقابل وكما أشار ابن خلدون فإن "الفتوى مثل غيرها من العلوم والأشكال التعبيرية والأنساق الثقافية ترتبط بحركية المجتمع والمستوى الحضاري الذي سلفه". أي أن الفتاوى تتغير لارتباطها بالمستوى الثقافي والحضاري للمجتمع. وأظن أنه لايمكن النظر في طبيعة الفتاوى الصادرة في بلاد ما بمعزل عن البنية الاجتماعية والثقافية القائمة في المجتمع. فكأننا هنا نجري داخل دائرة، فكما للفتوى سطوة قوية على الإدراك الذهني بصورة فردية وجمعية فإن لحركة المجتمع تطورًا أو انحدارًا أكبر الأثرعلى طبيعة الفتوى الصادرة.
وقد بحثتُ في موقع دار الإفتاء ناظرة في أنواع الفتاوى وعددها وعدد زيارات القرّاء لها كذلك عقدت مقارنة إحصائية بين عدد الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء وعدد زيارات القرّاء.

بحسب الموقع فقد صُنفت الفتاوى إلى سبعة عشر صنفًا رئيسيًّا تفرعت عنها خمسة أصناف أخرى فكان المجموع اثنين وعشرين صنفًا من بينها العقيدة، علوم القرآن، العبادات بفروعها كالصلاة، الصيام، الأضحية، الطهارة والزكاة، الإيمان والنذور، اللباس والزينة، الآداب والأخلاق، الأسرة، المعاملات، المواريث وغيرها.

ولأننا شعب "وسطي محافظ" لا أخفيكم أنني في بداية البحث انتابني ما يشبه اليقين بأن أكثر المواضيع شعبية بين الناس من حيث عدد الفتاوى ومرات زيارة القرّاء ستكون من نصيب اللباس والزينة بحكم أن كل ما يخص المرأة كلباسها وزينتها وصبغتها وطلاء أظافرها دائمًا من المواضيع المقلقة التي تشغل الرأي العام في بلادنا حد أنه قد يُتخذ الإخلال بأي منها ذريعة لإنزالها من المنصات العامة. وكذلك خمنّتُ أن موضوع الطهارة وأحكام الصلاة والصيام ستكون من المواضيع الرائجة جدًا. ولكن ما تم رصده أثبت لي بلغة الأرقام أن كل تكهناتي تقريبًا قد جانبت الصواب.

فقد حظيت عدد الفتاوى المتعلقة بالمال وأعداد القرّاء لها بحصة الأسد من إجمالي العدد الكلي للفتاوى (2939)، وذلك بما يقرب من الثلثين فكانت على الترتيب، المعاملات بالنسبة الأعلى 21.7% تتبعها المواريث (18.5%) ثم 9.6% للوقف و8.1% للطلاق وقضايا معاصرة خاصة بالأموال بنسبة 6.6%. واحتلت النذور المرتبة الأخيرة بنسبة 0.1% وفِي المرتبة التي تسبقها مباشرة أي المرتبة قبل الأخيرة كانت الأسئلة المتعلقة بفهم القرآن الكريم وعلومه بنسبة 0.2% وكأن لا اهتماما جديا لنا بتدبّر آيات القرآن العظيم. أما فتاوى الآداب والأخلاق فقد حازت على المرتبة الثانية عشرة من حيث عدد الأسئلة والحادية عشرة من حيث عدد القرّاء بنسبة 1.2% و2% على التوالي.

وبحسب الدراسة قد نستطيع القول أن الاهتمام بمسائل التدين الجوهري كمسائل الأخلاق ليست من أوليات الليبيين. وربما كان سبب اهتمام الليبيين بالأسئلة التي تخص المال لخوفهم من أكله بالحرام ولكن معدلات الفساد تؤكد العكس. ولا أخالني بحاجة للبحث عن إحصائيات لأقول جازمة باستشراء الفساد في بلادنا بشكل غير مسبوق. ويبقى السؤال بانتظار إجابة.. لم يبحث الليبيون عن فتاوى المال بالذات؟ أظن أن الإجابة ستدعم خصائص الشخصية المزدوجة التي نعاني منها بشكل مترف!. وهكذا نرى أن الأرقام قد كشفت ما لم يجرؤ قلمي على خطه قبلًا ولا يمكن النسيان بأن موضوع هذا البحث ربما كان الأول من نوعه، لذا فلا يخلو من قصور ومن هنا فنحن بحاجة إلى المزيد من الدراسات.

وأخيرًا فإن أسباب بحث الليبيين عن فتاوى المال على وجه الخصوص وعزوفهم عن طرح الأسئلة الجوهرية الأساسية التي تختص بالعدالة والمساواة والإنصاف، كذلك تجاهلهم مسائل الأخلاق والآداب كلها تساؤلات بحاجة لإجابات واضحة وصريحة وجرئية.