Atwasat

البارونة الأديبة

د. مها المطردي الإثنين 14 مايو 2018, 10:27 صباحا
د. مها المطردي

"عندما دخل الحجرة.. سرى الدفء فيها.. وشاعت الأضواء" هكذا كتبت البارونة الأديبة عن رجل أحبته ثم تزوجته.
نزحا من النمسا إلى قرية قوقازية تركية صغيرة استولى عليها الروس اسمها (منجريليا) وعاشا في فقر كافر.. يتعيشان من دروس تُعطيها لمن يرغب في تعلم العزف على البيانو.. ويعمل هو كاتبا في مصنع لورق الحائط.
في منفاهما الاختياري كتبت ست روايات وعددا من المقالات. وعندما قامت الحرب بين روسيا وتركيا.. وأصبحت القوقاز ساحة قتال شاهدت الكاتبة كيف تأخذ القطارات الجنود إلى جبهات القتال وهم يغنون بحماس.. ثم تعود بهم إلى المستشفيات جرحي يئنون ويصرخون.. فكتبت روايتها: "ألقوا سلاحكم" فنالت نجاحا واسعا لدرجة أن الروائي الشهير تولستوي جعلها تُضاهي رواية "كوخ العم توم" الشهيرة.
أعترف أنني لم اقرأ شيئا كتبته "البارونه برثا فون شوتنر" ولذلك بحثت عنها في "الويكيبيديا الحرة " وعرفت أنها سيدة نمساوية وأنها أول امرأة تنال بمفردها جائزة نوبل للسلام سنة 1905.. وتعد الثانية بعد السيدة (ماري كوري). صُورتها محفورة على عملة 2 يورو المعدنية.. وهي كاتبة وروائية وصحافية ومُترجمة وداعية للسلام من الطراز الأول.
وبعيدا عن الموسوعة.. عرفت عن هذه الروائية الداعية (Bertha von Suttner) أنها إنسانة مخلصة في عشقها وصداقتها ومبادئها وأدبها وفنها.. فهي في الأساس كونتيسة عاندتها الأيام.. فتخلت عن التباهي والعلو المادي الزائف.. وكل ما لم يُكتسب بعقلها وقدراتها. تضلعت في اللغات.. وكتبت بها بعض إنتاجها.. ولكنه لم يكن كافيا لمعيشتها.. فعملت كمربية لأربع بنات في منزل بارون ذائع الصيت.. وهناك "سرى الدفء وشاعت الأضواء". كان حب (أرثر) شقيق البنات قد ملكها.. ولكن فارق السن بينهما وحالة التباهي المتسلطة على تلك الطبقات جعلت عقلها يطوي ضلوعها على عاطفتها.
كتبت إلى إعلان من كهل ثري.. يعيش في باريس يبحت عن سكرتيرة متقدمة في السن تجيد اللغات.. وقابلته. لم تكن متقدمة في السن ولم يكن هو كهلا.. كان ثريا تحف به جميع وسائل الراحة.. يعشق الأدب.. مهتما بالشعر والمسرح والفلسفة.. ولكنه لا يستطع تناول أبسط الأطعمة إلاّ ما يبقيه حيا. كانت أبخرة (النيروجليسرين) قد أفسدت جهازه الهضمي.. إنه العالم الذي اكتشف الديناميت (الفرد نوبل).
صارت (بيرثا) سكرتيرته وصديقته وانتبهت كيف أن إدارة أعماله جعلته على اتصال بالاتجاهات السياسية في العالم كافة.. وأنه يبيع مفرقعاته إلى الجميع بدون استثناء. وتقول إنه حرص على تحسين أحوال العالم وكان من المحسنين الكبار.. ولكنه كان يسخر في أعماقه من التناقض الذي يمارسه ما بين أنه عالم.. وأن ما وصل إليه هو في الحقيقة جزء من كارثة إنسانية.. وكتبت ذات مرة أنه قال لها: "إن الأمل الوحيد للعالم هو أن يولد الناس بعقول أفضل مما لديهم الآن".
وفيما كان نوبل يبني مصنعا جديدا في السويد.. وصلتها رسالة من (آرثر) قال فيها إنه لا يستطيع الحياة بدونها.. تماما مثلما كانت هي تخنق هذه الحقيقة في أعماقها. اعتذرت (بيرثا) إلى رئيسها من بعد أن شكرته.. وتزوج العاشقان في القوقاز.
لم تنقطع علاقة السيدة (بيرثا) بالعالم (نوبل) الذي فرح كثيرا بنجاحها الأدبي.. ودعاها وزوجها إلى باريس وأكرمهما.. وهناك عرفت ما يقال عن "بسمارك" وأن احتمال قيام الحرب وارد.. وانزعجت من دمار محتمل وانظمت كعضو فعال في جمعية السلام الدولي بلندن ومنها لم يتوقف نشاطها في هذا المجال مطلقا.
أنا لم أسمع من قبل عن الكاتبة (مارثا) داعية السلام هذه ولا عن رواياتها ولكنني مُعجبة ببسمارك.. والجميل أني أعرف في بلادي قصة مشابهة لقصة هذه البارونة الرائعة.