Atwasat

الاستفتاء على الدستور أولا، ثم انتخاب السلطات وتوحيد المؤسسات وفقاً لنصوصه

إبراهيم البابا الأربعاء 09 مايو 2018, 11:21 صباحا
إبراهيم البابا

في البداية أود أن أشكر د. الشيباني أبوهمود على ما كتبه في مقاله المنشور في بوابة الوسط بعنوان "الإشكالية الدستورية في ليبيا". إن إثراء النقاش بمثل هذه الكتابات والنقد من شأنه توضيح العديد من المفاهيم وشرح بعض المسائل، لا سيما ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية وهي إقرار مشروع الدستور من الشعب الليبي عبر الاستفتاء ومن ثم انتخاب المؤسسات التشريعية والتنفيذية وتوحيد المؤسسات السيادية وفقا لهذا الدستور. لقد اشتمل النقد على عديد النقاط بعضها يخص المسار وأخرى تخص بعض النصوص وكذلك تم التطرق إلى المسار السياسي وعلاقة الهيئة والدستور به عموما. لقد اعتمد النقد المقدم من د. أبوهمود على عدم الدقة في بعض الأحيان وعدم فهم خلفيات نصوص مشروع الدستور ونصوص الإعلان الدستوري أحياناً أخرى فكان ردنا على بعض ما ذكر كالاتي:

1. ذكر د. الشيباني أبوهمود أن "الدساتير لا تكتب إلا لسلطة موجودة يراد تأطيرها" وهذا غير دقيق إذ إن الدساتير التي كتبت في إطار سلطة موجودة هي دول قليلة مثل كندا وفنلندا وسويسرا، وغيرها كتب فقط لتعزيز منصب السلطة وستكون فقاً لتوجيه ورؤية هذه السلطة كما في فرنسا عام 1958 وسيريلانكا 2010 وهناك غيرها الكثير خصوصاً في بلدان العالم الثالث. أما في الحالة الليبية فلا وجود لسلطة أصلاً لكي يتم تأطيرها ولهذا بعد أحداث فبراير 2011 كان هناك الإعلان الدستوري المؤقت الذي ينص على انتخاب الهيئة التأسيسية ومهمتها اعتماد مشروع دستور يستفتى عليه الشعب بأغلبية الثلثين وبناء على الدستور ستنشأ السلطة. والاتفاق السياسي ما هو إلا مثال على البحث عن إطار دستوري لتكوين سلطة واحدة وتقييدها.

2. ذكر د. أبوهمود "أن من سيصل إلى السلطة بالأغلبية سيملك مشروعا للدولة خاصا به ستكون غاية في الخطورة!!" وهو كلام مستغرب، إذ إن كل الدساتير والنظم السياسية الديموقراطية مبنية على أساس من يملك الأغلبية يحكم وهذا ما يسمى بالديموقراطية التنافسية. فعلى سبيل المثال رئيس فرنسا الحالي ماكرون تحصل على حوالي 24% فقط من أصوات الناخبين في الجولة الأولى وهو الآن رئيس فرنسا. مع ذلك ولضمان التداول السلمي على السلطة فقد نصت المادة (184) من مشروع الدستور على حظر التجديد للرئيس في أول دورتين انتخابيتين.

3. ذكر د. أبوهمود "أننا سنكون أمام نظام سياسي مشلول وأن عملية تعيين الحكومة غير واضحة في المسودة الحالية، مما يوحي أن الرئيس ينفرد بتعيينها ولا يملك البرلمان إلا حق إقالتها بأغلبية الثلثين، وهو أمر شبه مستحيل ولا مثيل له في دساتير العالم" وهنا وجب التوضيح أن رئيس الدولة منتخب من الشعب مباشرة بما يضمن توزيع الأصوات على الدوائر جغرافيا (المادة 100) ورئيس الدولة هو من يعين رئيس الحكومة ويعتمد الحكومة (المادة 104) ورئيس الحكومة هو من يختار حكومته (المادة 112) ومجلس النواب يحق له التصويت بعدم الثقة على أي وزير في الحكومة بالأغلبية المطلقة وفي الحكومة بأغلبية الثلثين (المادة 115). لا أعلم اين الشلل او عدم الوضوح الذي ذكره د. أبوهمود!!؟؟

4. ذكر د. بوهمود "فهل من المتصور عملياً أن يوافق سنويا أغلبية الثلثين في البرلمان على ميزانية حكومة غير مرتبطين بها سياسيا" وهنا وجب التوضيح أنه من غير المتصور أصلا أن يشكل رئيس الوزراء حكومته ويعتمدها رئيس الدولة المنتخب ولا تنال ثقة الأغلبية في مجلس النواب، حتى وإن لم يكن منح الثقة مدستراً على غرار بعض التجارب الدستورية المقارنة مثل لبنان وإيطاليا. فكيف تستطيع أي حكومة تمرير ليس قانون الميزانية فحسب بل باقي مشاريع قوانينها من غير وجود أغلبية داعمة لها في المجلس. أيضا من التجربة الليبية الحالية يتأكد أن إعطاء سلطة منح الثقة للحكومة لمجلس النواب كان السبب الرئيسي وراء الفساد السياسي الذي تعيشه ليبيا الآن. أما ما يخص آلية إقرار قانون الموازنة فكان من أهم النقاط الجدلية داخل الهيئة. في البداية وضع هذا القانون من ضمن القوانين التي يجب إقرارها من مجلسي النواب والشيوخ وهذا ما تم النص عليه في مشروع الدستور السابق. بعد ذلك وردت عدة ملاحظات بشأن هذه الآلية ومخاوف عرقلة إقرار هذا القانون فتم التوافق على أن يتم إقراره فقط من مجلس النواب، ولكن بأغلبية الثلثين كما نصت المادة (71). بالإضافة إلى ذلك فقد تم النص على عرض حل السلطة التشريعية على الاستفتاء الشعبي من قبل رئيس الدولة وباستشارة المحكمة الدستورية لعدة أسباب منها عرقلة الموازنة كما نصت المادة (109) من مشروع الدستور. بشكل عام مسألة إقرار الموازنة تثير إشكاليات في كثير من الدول ولعل الولايات المتحدة مثال لذلك عندما عجزت السلطة التشريعية على إقرارها هذا العام، وأيضاً في دستور 1951 وهو أحد المراجع للهيئة التأسيسية في إعداد دستورها، كانت آلية إقرار الموازنة أكثر تعقيداً بحيث تناقش وتقر الموازنة من مجلس النواب أولاً كما نصت المادة (160) ثم تحال إلى مجلس الأمة لإقرارها كما نصت المادة (161).

5. ذكر د. الشيباني أبوهمود "وإذا كان المعيار والفيصل في الحكم على المسودة هو الشعب، إذا فليسمح للمعترضين عليها بتقديم مسودة تحمل رؤيتهم ولتذهب المسودتان للشعب للاختيار بينهما" وفي هذا مخالفة صريحة للإعلان الدستوري الذي تستمد منه الهيئة شرعيتها وكذلك باقي مؤسسات الدولة. بالإضافة إلى ذلك، هذا المشروع بني بالتوافق سواء كان مناطقيا (برقة وطرابلس وفزان) أو مع الأقليات التي شاركت أو حتى بين التوجهات.

ختاماً، إن المسار التأسيسي في ليبيا شارك فيه الشعب في كافة مراحله وهي تجربة فريدة من نوعها، فالهيئة منذ بدايتها هي تمثل الشعب فهو من انتخبها. بالإضافة إلى ذلك فقد قامت الهيئة بزيارة عديد المناطق وعلى رأسها فزان فزارت سبها والشاطئ وتراغن ووادي الآجال وأوباري وغات وغدامس، وقامت بالاستماع إلى آرائهم بالإضافة إلى جل مناطق ليبيا وتم تدوين ملاحظاتهم. بالإضافة إلى ذلك فقد قامت الهيئة بلقاءات عديدة حتى مع المهجرين والجالية الليبية في الخارج في تونس ومصر. وقد وصل إلى الهيئة أيضاً آلاف المقترحات وقامت الهيئة التأسيسية في مقر الهيئة بمدينة البيضاء بالالتقاء بعديد النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والمكونات والمدن والبلديات من كافة ربوع ليبيا، وكل شيء موثق. والمرحلة الثالثة والأخيرة من مشاركة الشعب في اعتماد دستور هي عبر الاستفتاء وبأغلبية الثلثين. إن الاستمرار في المراحل المؤقتة سيساهم في استمرار الفوضى والفساد لذلك فإن الذهاب إلى اعتماد مشروع الدستور عبر الاستفتاء ومن ثم انتخاب سلطات تنفيذية وتشريعية وتوحيد كافة مؤسسات الدولة وخاصة السيادية وفقاً لهذا الدستور وهو الخيار الوحيد لضمان الأمن والاستقرار والتنمية للدولة الليبية ولإنقاذها من الانزلاق نحو مزيد من التأزم.

*عضو هيئة صياغة الدستور عن دائرة بنغازي، الدائرة الفرعية توكره.