Atwasat

ضجيج بلا طحين

عطية عيسوي الأربعاء 02 مايو 2018, 11:19 صباحا
عطية عيسوي

كلما لاح بالأفق بصيص أمل فى أن يتفق الفرقاء الليبيون على حل لانتشال الشعب من محنته المستمرة منذ الإطاحة بنظام القذافي قبل أكثر من سبع سنوات، كلما أجهض فشلهم في الاتفاق ذلك الأمل رغم كل الأخطار التى تهدد بتفكك الدولة إلى ثلاث دويلات أو بتحويلها إلى قاعدة للجماعات المتطرفة والإرهابية الساعية إلى إقامة إمارة على أرضها، وتدهور الأمن وأحوال المعيشة. كل طرف له مطالب وشروط يرفضها الطرف الآخر، وانفلت الزمام من أيدى السياسيين بل والعسكريين أيضا وتكاثرت الميليشيات المسلحة وعاثت فى الأرض فسادا ونهبا وقتلا. لذلك لم يعلق الليبيون أوالمهتمون بأمور ليبيا أملا كبيرا على جولة مباحثات الأسبوع الماضي في الرباط بالمغرب، لا بالاتفاق على تعديل اتفاقية الصخيرات الموقعة قبل 28 شهرا ولا بتنفيذ ما يمكن أن يتفقوا عليه، وكان المبعوث الدولي غسان سلامة مُحِقا عندما قال بعد أسابيع من تكليفه بملف الأزمة، إنه من الغباء الاعتقاد أن جراح ليبيا ستلتئم خلال سنتين.

رئيس البرلمان عقيلة صالح صرح قبل بدء المباحثات في الرباط مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ومع نواب من مدينة مصراته لتحقيق المصالحة بين قبائلها التي ساند بعضها البرلمان المنتهية ولايته «المؤتمر الوطنى»، والحكومة التى يهيمن عليها متشددون إسلاميون وغير المعترف بها دوليا وبين قبائل برقة التي ينتمي إليها قائلا: حل مشكلات ليبيا سيتم قبل نهاية العام الحالي بتشكيل حكومة وحدة وطنية موحدة. أما المشري فقال في لقاء مع سفيرة فرنسا عقب انتخابه رئيسا للمجلس الأعلى، إنه سيعمل على كسر الجمود ويتعامل مع مجلس النواب الشرعي مباشرةً ويلتقي صالح رسميا لمناقشة تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي (هيئة تنفيذية)، وتعديل المادة الخامسة عشرة من اتفاقية الصخيرات المتعلقة بالمناصب السيادية مثل محافظ البنك المركزي ورئيس المخابرات والاستفتاء على الدستور، كما أنها المرة الأولى التى تُجرى فيها مباحثات بين رئيسي البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، حيث كانت تُعقد قبل ذلك بين أعضاء من المجلسين مما يُحيي، بالتزامن مع الضغوط الخارجية، خاصةً الأمريكية، الأمل في التوصل إلى اتفاق إذا صدَق الرجلان وخلصت النوايا. لكن فشل جولات عديدة سابقة في تونس والجزائر ومصر والمغرب وامتناع البعض عن تنفيذ اتفاق الصخيرات نفسه، يُلقى بشكوك قوية حول نجاح جولة المباحثات الأخيرة اتفاقا أو تنفيذا.

أول دواعي الشك أن خالد المشري إخواني وكان الرئيس التنفيذي لحزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، ومن أشد المعارضين لخليفة حفتر قائد الجيش الليبي ولحملة الكرامة التي بدأها عام 2014 للقضاء على الجماعات المتطرفة، ويرى البعض أن رئاسته المجلس الأعلى للدولة ستكرس سعي الجماعة للهيمنة على السلطة وتعزز التيار المتشدد، وتزيد حالة الاستقطاب بين مجلسه وبين البرلمان وتدفع حفتر لرفض التعامل معه أو حتى تنفيذ ما يتفق عليه مع صالح. وثانيها أن صالح اشترط للتوصل إلى اتفاق أن يعترف مجلس الدولة بمحافظ البنك المركزي المُعيَّن من مجلس النواب، ويسمح له بالعمل في مقر البنك بطرابلس كبادرة حُسن نية، ويوافق على تشكيل مجلس الرئاسة من رئيس ونائبين ورئيس حكومة يعيِّنه هذا المجلس من غير أعضائه، ليتولى مع المجلس الرئاسى إدارة شئون البلاد لفترة قصيرة تنتهى بإجراء انتخابات عامة ورئاسية حرة ونزيهة. كما اشترط العمل على إخراج الميليشيات المسلحة من العاصمة، وتنظيم حمل السلاح وسن قانون لمكافحة الإرهاب وتقنين الحكم المحلى وتعزيز اللامركزية فى مناطق الشرق والجنوب بشكل يسمح لها بالاستفادة من ثروات البلاد، وكان صالح قد اشترط من قبل أن يتخذ المجلس الرئاسى قراراته بالإجماع وأن يصدق عليها مجلس النواب ليوافق على نقل صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية إليه كما تنص المادة الثامنة المختَلف عليها من اتفاقية الصخيرات. وثالثها مطالبة المجلس الأعلى للدولة بدور تشريعى فى بعض صلاحيات مجلس النواب الخاصة بسن قوانين تتعلق بالشأنين السياسى والعسكرى خوفاً من أن ينفرد بقرارات لا تخدم مصالح تيار الإسلام السياسى بما فيها اختيار أعضاء المجلس الرئاسى الجديد، ورئيس وأعضاء الحكومة وقيادات الجيش وهو ما رفضه البرلمان من قبل قائلا إن دوره استشارى فقط وفقا لاتفاقية الصخيرات التى تنص على أن يكون له رأى مُلزم للحكومة فى مشروعات إصدار القوانين والقرارات قبل إحالتها إلى البرلمان. والرابع هو رفض حفتر الصارم لإشراك مَن وصفهم بإرهابيين ومتطرفين فى أجهزة الدولة ورفضه عرضا من فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى لاقتسام السلطة بينهما مناصفةً حيث يبقى حفتر على رأس المؤسسة العسكرية، ويحصل على نصيب فى تعيين كبار المسئولين وأعضاء الحكومة والسفراء الليبيين بالخارج مقابل دمج وزارة الدفاع فى الحكومة وأن يتولى السراج منصب القائد الأعلى للجيش. أما خامسها فهو طلب حفتر من ضباطه الاستعداد لنقل خمسة آلاف جندى إلى درنة معقل المتطرفين الوحيد الآن فى الشرق الليبى لتطهيرها منهم، الأمر الذى لابد سيغضب خصومه فى طرابلس وغيرها خاصةً المجلس الأعلى للدولة فيحُول بدوره دون تحقيق المصالحة ويوقف تنفيذ أي اتفاق قد يكون تم التوصل إليه. فهل بعد كل هذا مازال هناك أمل؟.
نشر في صحيفة الأهرام الأحد 4/29/ 2018