Atwasat

رسالة إلى السيدة سفيرة فرنسا في ليبيا

أحمد الفيتوري الثلاثاء 24 أبريل 2018, 12:52 مساء
أحمد الفيتوري

السيدة بريجيت كرومي
تحية طيبة وبعد
لقد كتبت قبل عديد الرسائل إلى مسئولين غربيين بما يخص المسألة الليبية، وكعادتهم أذن من طين وأذن من عجين. فاهتمامهم مركز على الكواليس وليس على الركح، لكن الرسالة في العادة، وإن كانت مرسلة لشخص بعينه، تحمل الموضوع ما يهم غيره بالضرورة ولما تنشر تصل المرسل إليه بكذا صيغة.
أيتها السيدة الموقرة،
دعيني أوضح لك أن تدخلكم في المسألة الليبية على جميع الصعد لم يبدأ يوم 19 مارس 2011م ولن ينتهيَ بحل المشكل الليبي، وأن نترك ذلك جانبا لأن ما أبغيه دورك أنت الشخصي ما يحاول أن يرسل مؤشرات على فاعليته وإيجابيته، وسط أجواء دبلوماسية وأجواء عامة سيئة على المحك ما يطوح بالرسائل الطيبة هباء.

فإن كنت حقا تنوين التميز بما يتوفر لك من مساحة للحركة فلا شك أن دعمك للقوى الناعمة سيتيح لك المعرفة البينة بما يفكر ويحب نخبة واسعة من الليبيين، أزيز الرصاص وعجاج المعارك الخاسرة يجعلان دور هذه النخبة خارج التغطية لكنه الفاعل في الصميم، كما في كل التجارب الإنسانية، وكما حصل حين تبددت أضغاث أحلام القذافي وجماعته من هيمن لعقود أربعة، وأنت خير العارفين بذلك من خلال تجربة بلادك ذات الباع في الخصوص، وهذا لا يخرج عن مهمتك السياسية كما أعلم أن فرنسا بهذا تختلف عن بقية الدبلوماسية الغربية طول تاريخها، وفي ليبيا أيضا منذ سفير فرنسا عهد يوسف القرهمانلي في القرن التاسع عشر.

أما القوى الناعمة فهي التي تخلق الحياة وتنهض البلدان وتقوم الأوضاع، أما الجيوش أو ما في حكمها فمنتهاها الثكنات، أما الدبلوماسية الحالية التي تعمي عيونها وعيون الناس بالأشباح واستدعاء التاريخ الغابر فهي لن تغطي الشمس بالغربال. عليه فالساعة الليبية الآن عقاربها مصلوبة على اللحظة الراهنة وهناك تصلب دبلوماسي لأجل هذا الصلب، (وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم) لأن الأزيز والأشباح واستدعاء التاريخ لا توقف الحياة، وإرادة الليبيين من أجل الحياة بينة منذ فبراير 2011م حين هلل العالم وهللتم لإرادته التي لم تسقط من السماء ولا تذهب هباء. فإذا كان الدبلوماسي موسوما بأن يظهر ما لا يبطن فإن الحروب والأهلية منها موسومة بالعكس، ولهذا الفشل قرين الدبلوماسي هذا والسؤدد صراط مستقيم للدبلوماسي من على خلاف مع اللحظة الراهنة وعلى وئام مع اللحظة الاستثنائية.

أيتها السيدة المحترمة
أما اللحظة الاستثنائية الليبية فهي اللحظة التي توقفت عندها عقارب ساعتها واستبدلت بأزيز الرصاص ولغط الساسة، لعل هذا دفع الكثيرين ومنهم بعض الدبلوماسيين إلى القول أن المسألة الليبية الأسهل في المسائل التي أخرجها زلزال الربيع العربي من باطن الأرض إلى سطحها، وأنها الحل في الحالة المرادة دوليا ما شعارها (الحل اللا حل). وتلكم اللحظة الاستثنائية تجلت في 7/ 2012/7/7م لا عبر صناديق الاقتراع ونتائجها ولكن عبر الرسالة المرسلة والمسكوت عنها، ما تجلت في النتائج اللا متوقعة حتى عند أهلها، لقد بوغت وذهل الكل وظهرت حسباتهم مغلوطة كالعادة، فهم يصادرون على المطلوب أو كما لغة الفلاسفة.

أما اللحظة الاستثنائية الليبية فلم تغادرها ليبيا وإن تناساها الجميع، أن ليبيا ليست تونس ولا مصر حيث بيان صناديق الاقتراع لم تأت بالدهشة ولم يصب أحد بزكامها، هذه النقطة الخلافية التي لم تولَ أي اهتمام، ولم ينصت إليها وهي مربط الفرس. وأما الزبد فيذهب جفاء ما أثارته المعارك الناتجة عن عدم إزالة آثار الحرب الدولية أثناء الثورة الليبية ما كان شريكا بارزا فيها: فرنسا.
إذا العود على بدء من لزوم ما يلزم بعد أخذ المتغيرات في الحسبان والبناء بحجر الأساس المهمل:
أولا: المسألة الليبية الأسهل بإجماع، والقوى الناعمة بينت هذا بفاعليتها رغم عقود العسف، ورغم عدم الاهتمام وارتفاع الأزيز واللغط...
ثانيا: أن المسكوت عنه هو الفاعل الأبرز ما بينته الانتخابات ولم تجسده، ومن ذلك أن البشر ليسوا ما يحنط في إضبارت المتاحف والمراكز البحثية المخابراتيه، وأن ليبيا شابة في العقد الثالث وهذا شأن موضوع على الطاولة لكن لم يلتفت إليه في اللعبة إلا العسكريون.
ثالثا: النقطة الفصل الإرادة التي غيابها بين للكافة ومن كل الأطراف، بعد أن كانت منذ البدء ثم باتت المسألة الليبية مسألة دولية بدليل أن (مكرو) رئيسكم غاطس فيها، فإن إرادتكم منوط بها دور كما اللحظة الاستثنائية الثابتة أو المثبتة حتى الساعة.
رابعا: مما أشرت إليه أن ليبيا واقفة عموديا عند يوم 7/ 2012/7/7 م يوم فشل المأمول لأنه خرج عن السياق المطلوب، وكذا فشلت محاولات تخطي ذاك الفشل، وستفشل كل المعطيات التي تقفز عن الواقع. وكما تبين صناديق الاقتراع ليست تميمة سحرية لكن مؤشراتها هي التميمة، وكما تبين أن الحروب لا تنزل المنَ والسلوى لكن تأتي بسلم المغصوب عليهمم ولا الضالين، وعليه لا بد من العود والعود أحمد ولكن بمعطيات سلم بعد حرب وثلاثية انتخابية لم يفسح لها المجال وقيادات لم تنجح بالفوز.
إذا لابد من خلطة ليبية مختلفة عن جيرانها وتستمد بعضا من تاريخ البلاد بأن لا غالب ولا مغلوب، وعلى فرنسا كما كانت سباقة ليلة 19مارس 2011م أن تكون سباقة الليلة وليس غدا.
فهل ترغبون حقا في ذلكم ولكم إرادة
أتمنى لكم التوفيق والسلام...