Atwasat

الفدرالية الليبية.. قد تتجدّد!

نورالدين خليفة النمر الأحد 22 أبريل 2018, 10:33 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تسري على الفدرالية الليبية صبغة هوس الانشقاق المجاني بلاحجج ولا أسانيد منذ بزوغها العفوي بثلاثة مطالب هشة تمهيداً لاستقلال ليبيا عام 1951، وحتى ظهورها الغامض عام 2012، ومتخفية وراء أنشطة حرابية في الهلال النفطي عام 2013 بدون مطالب معلنة وصريحة على طاولة التفاوض، وهو ما يفتح الباب للانتهازية البدائية، والابتزاز الملّفق، والطمع الكسول الذي يعمى الأنظار عن المخاطر التي ستقذف بها المطامع للدول الإقليمية الضالعة في الانقسامية الليبية اليوم لمآرب اقتصادية وجيوسياسية، يكشفها الغد والتي يؤكدها، وينفخ كيرها بدون وعي الانفصاليون أو، بتعبير مخفف، الفيدراليون الليبيون.

بحث أستاذ التاريخ المرموق صلاح الدين السوري، مبكرّاً في الفيدرالية، وهو الذي عاصر شاباً وتابع باحثاً التوجهات الوطنية نحو الاستقلال وتكوين الدولة الحديثة في ليبيا 1947 ـ 1952. فكتب على صفحته على الفيس بوك أربع حلقات، عن الكيانات الذاتية الثلاثة التي تُكٓوِّنُ مجتمعة البلاد الليبية والتي نالت استقلالها بقرار أممي مُثْبِتًا في نصه كلا منها بالإسم.. ونبه إلى حقيقة تاريخية وهي أن برقة دخلت الاتحاد مترددة، خوفا من أن تتضرر بالأغلبية الطرابلسية، راهنة دخولها إياه بشروط ثلاثة: إمارة السيد إدريس السنوسي و نظام اتحادي فدرالي وأن تكون بنغازي عاصمة الدولة. و قبلت طرابلس الغرب بالشرطين الأولين.. ومع كل ذلك ظل الشعور بالتهميش قائما في برقة، رغم استقرار الملك وهو من كان يعين رؤساء الحكومات نهائياً في طبرق، وتسيير أعمال الحكومة وافتتاح الدورة البرلمانية في البيضاء.

وبعد فبراير 2011 تعالت الأصوات مجدّداً تنادي بإعادة نظام فدرالي ليكون ضامنا لإنصاف برقة وحفظ حقوقها غير المحدّدة والمعلنة.. و هو المسار المطالبي الغامض الذي تمت متابعته من قِبل المراقبين للتأزم الليبي، عن كثب، عبر الصراعات في المؤتمر الوطني وانقلاب القائد العسكري الصوري عليه الذي سيصير فيما بعد قائد عمليات الكرامة العسكرية المواجهة للإرهاب الإسلاموي، وهو مابوأه أن يصبح قائد مُسمّى الجيش الوطني وصراعات البرلمان وظروف نقله إلى طبرق والعمل على ازدواجية المؤسسات السيادية وسك عملة موازية وصراعات المجلس الرئاسي وعرقلة التسوية السلمية وفشل تشكيل الحكومة مرّتين، كل ذلك يؤكد لكل ذي نظر وفهم أن الهدف هو استعادة الكيانات في شكلها الفدرالي.. طرابلس الغرب، في رأي السوري، لم يكن لها هذا الشعور، فلذلك دخلت متاهة حوار الطرشان وستتعرض للمزيد من المطالبات والابتزازات دون أية نتيجة.. ويخلص في النهاية إلى الاعتقاد مبدئيا أن ليبيا بهذا الاتساع و ترامي الأطراف و بُعْدِ المسافات لا يمكن تسهيل أمورها وتقديم الخدمات فيها وتطويرها وتنميتها إلا بنظام لامركزي شبه "فدرالي".

في حوارٍ مع مجلة «ليبيا زينيت» الإلكترونية،14 ديسمبر 2017 تشكّك فولفرام لاخر الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، في نجاح سيناريو إقامة نظام لامركزي في ليبيا دون وجود حكومةٍ مركزية فعالة، موضحًا أنّ "الاقتصاد الليبي مركزي يعتمد على عائدات النفط، ويجب إدارة ذلك بحكومة مركزية. ولهذا لن ينجح النظام اللامركزي“.

هذه التوطئة التوصيفية للإشكالين الفيدرالي، واللامركزي تفيدنا في أي كلام يقال عن الدعوى الانفصالية في ليبيا اليوم. ففي مقالته "عتبة الانفصال" بالوسط 21 يناير 2018 أشار الكاتب عمر الككلي مقارباً المطلب الفدرالي المفارق بأنه "ليس له في ليبيا قاعدة واسعة على المستوى الوطني العام، لذا فإنه ليس مقيضا له النجاح في استفتاء عام حر، إلا أنه ثمة خشية من أن تتوفر ظروف ما تؤدي إلى فرضه بالقوة“. رؤيته صدّقها تقرير نشرته الوسط الليبية 14 أبريل 2018 عن موقع يتبع معهد "أميركان إنتربرايز" أشارت مُعدّته، وهو جزء من مشروع «كريتيكال ثريتس» لعدد من السيناريوات السيئة ستحدث باختفاء قائد مُسمى الجيش الليبي من الساحة السياسية، حاليًا أو مستقبلاً فـ "السيناريو الأسوأ هو اشتعال صراع نشط داخل صفوف مسمّى الجيش الوطني وبينه وبين معارضيه، مما يعرقل جهود التوافق الوطني ويعود بالبلاد إلى خانة الفوضى“. في هذه الإشارة الأميريكية ترد المُفارقة الفيدرالية تلميحاً، وليس تصريحا كما جرى بندوة "التوفيق بين الصمت: إعطاء الكلمة للسلام" في الجزائر وقد حث رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومینیك دوفیلبان، على تشكیل دولة فیدرالیة في ليبيا بضمانات واسعة لحكم ذاتي لبعض الأراضي، وذلك بعد التوصل لاتفاق بين الأطراف السياسية (النزاعية)، برعاية المجتمع الدولي، واصفًا اتفاق الصخیرات وجھود المبعوث الأممي إلى لیبیا غسان سلامة بـ "المسلسلات المعقّدة“، بسبب تعرضها لمزایدات الفاعلین الضالعين في التنازع الليبي ـ الليبي.

فرنسا استغلّت الانكفاء البريطاني عن نفوذه التقليدي في برقة قبل الانقلاب العسكري على الملكية 1969، لتدعم مكتسبها التاريخي بإنقاذ بنغازي من رتل الدمار إبّان اشتعال ثورة عام 2011 بدعم عمليات الكرامة الحربية التي أدارها رسميا بعد تسميته من قبل البرلمان قائد مسمى الجيش الوطني ضد الإرهاب الإسلاموي. الذي أرهق بنغازي وهدد الهلال النفطي. إلا أن الانهمام الفرنسي الاستراتيجي يكمن في إرجاع نفوذها الجيوسياسي في الجنوب الليبي، فيما عرف تاريخياً بإقليم فزان، التي أخرجت منه على مضض بعد إبرام اتفاقية يوليو 1955، قائد مسمى الجيش الذي جيّر نفوذه الشخصي في برقة مسكتاً التوجهات الفدرالية الانفصالية غيابه للسبب الذي ذكرناه آنفاً سيربك المخطط الفرنسي، وبالذات إذا تجدّد التوجه الانفصالي المنكفئ على مصالح برقة بحضوره المتجدد الكئيب.