Atwasat

أطفال الشرشاري ليسوا أول الأدلة!

آمنة القلفاط الخميس 12 أبريل 2018, 01:43 مساء
آمنة القلفاط

عثر يوم السبت الماضي بتاريخ السابع من أبريل على رفات أطفال عائلة الشرشاري الثلاثة، مدفونين في أحد الغابات الواقعة غرب العاصمة طرابلس. جريمة خطف الأطفال التي وقعت في الثاني من شهر ديسمبر 2015 هزت الشارع الليبي وانتشرت لتأخذ ابعادا دولية.
لم تكن الجريمة في شكلها ومعطياتها تختلف عن باقي جرائم الخطف والأبتزاز والقتل التي انتشرت بشكل كبير في تلك الفترة تحديداً. لكن ما يميزها عن البقية هو اصرار عائلة الشرشاري وسعيها الحثيث للكشف عن الحقيقة بطرق سلمية وتشبثها بالأمل حتى لحظة كشف الحقيقة.

بدأت الحقيقة قاسية وصادمة ومروعة وقابلة للتمدد، لكنها تحتاج مجهود عصابات متمكنة لتقبل الطي وبالتالي الإنكماش . تداخلت اطراف عديدة بشكل غير مباشر في ارتكاب الجريمة وإن كان بالتخفي عنها ومداراتها، أو بتسهيل مهمة المجرم بأية وسيلة كانت.
لازالت كلمات الأم المكلومة ترن في الذاكرة، وهي هنا تأخذنا لنتذكر احداث القصة الواقعية للشريط السينمائي الذي يحمل عنوان استبدال"Changeling". قصة الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقية جرت في عشرينات القرن الماضي حول أم مكلومة أٌختطف ابنها، فظلت على مدار احداث القصة تجذبك بكمية الحزن التي تزداد تراكماً مع الكشف عن كل جزئية، لتكشف بالتالي عن كم التجاوزات وكمية الفساد السياسي التي تزامنت مع أحداث القصة.

ينتهي الفيلم ولم تكتشف البطلة مصير أبنها وما إذا كان الإبن قد قتل أم لا يزال على قيد الحياة. لكنها كشفت عن قصص للفساد والإضطهاد ومحاولات الشرطة لطمس الحقائق والإستعجال بقفل الملفات دون الوصول للحقائق. وكما كان الفساد السياسي في زمن القصة الذي تزامن مع الخطف وفساد الشرطة وتزوير الحقائق، يظل الفساد السياسي في كل زمن عنوان لنفس التجاوزات التي لا ترحم الأبرياء. كانت البطلة الأم بائسة ومكلومة، لكن جهودها الحثيثة لإنقاذ طفلها كانت ملهمة وساعدت في الكشف عن عديد التجاوزات وفك غموض طال عدة قضايا. تماما كما كانت والدة اطفال الشرشاري حريصة ومتشبثة بالأمل في سعيها لإيجاد أطفالها، هذا الجهد الذي اثمر عن الكشف عن مدى تغول حملة السلاح واستقوائهم بمجموعات سياسية قدمت لهم الدعم.

كمية من الحقائق كٌشفت مع الكشف عن المجرمين، منها ما هو معروف ضمناً ولكنه تأكد ليصبح كحقيقة دامغة توجه اصبعها بقسوة نحو المشاركين في الجريمة والمتسترين عن أفعال المجموعات المسلحة وما أكثرها في بلادنا. الخاتمة كانت صادمة ومروعة، لكنها أنهت انتظار مرير وجعلت للحزن نهاية.

تعازينا القلبية والحارة لعائلة الشرشاري، وأملنا تكون هذه النهاية والجهد الذي بذله والديهم وأهلهم قد نجح في توجيه اصبع الإتهام لمن كان السبب وراء استقواء المجموعات المسلحة وتغولها. لا يفوتنا أن نحي رجال البحث الجنائي الذين بذلوا الجهد حتى تكللت مساعيهم بالنجاح.
الضحية ليست ابناء الشرشاري فقط، كلنا ضحايا انعدام الأمن، كلنا ضحايا لفقدان ذراع الدولة، كلنا ضحايا تسليم مقدراتنا لجماعات متناحرة فيما بينها، كلنا مهددون في بيوتنا وممتلكاتنا، مهددون بخطف أطفالنا. يمكننا اعتبار حملة السلاح أيضاً ضحايا لمن شجعهم وتبنى وجودهم لتثبيت مكاسب سياسية. مالم تعد يد الدولة وتبنى مؤسساتها الأمنية من جديد لتأخذ دورها وتضرب على يد المجرم، فسنظل جميعنا نعاني .