Atwasat

ميرسي.. مـسيو ساركوزي

نورالدين خليفة النمر الأحد 08 أبريل 2018, 09:15 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تعالت أصوات الليبين بتحية الرئيس الفرنسي في ساحة الحرية (محكمة بنغازي)، "ميرسي.. مـسيو ساركوزي" يوم 15 .9 .2011 تهتف بحياته بينما كان الدكتاتور الليبي السابق يختفي مذعوراً في مسقط رأسه سرت يدلف، حتيثاً نحو موته المحتوم.

المصلحة الوطنية اقتراب من ثلاثة اقترابات تشكل البحث الرئيسي في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، وهو تجلٍ واضحٍ للمدرسة الواقعية التي سيطرت على تحليل ودراسة هذه العلاقات والسياسات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، داحضة الاتجاه المثالي في دراسة العلاقات الدولية الذي سيطر في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقيام عصبة الأمم التي اعتبرها البعض إرهاصات الحكومة العالمية التي طالما دعا إليها المثاليون

السؤال: ما هي المصلحة الوطنية الملموسة في الخيار السياسي والعسكري الفرنسي الحاسم؟ الذي تبناه ونفذّه الرئيس ساركوزي بالوقوف بجانب الثورة الليبية عام 2011 ، وتجاوب معه المنتفضون في ليبيا شرقاً وغرباً بالامتنان لرغبتهم في الانتهاء من دكتاتورية ليبية مقيتة.نتوخى الإجابة فيما يخص الشاهد الفرنسي بالبحث والتحليل في اقتراب المصلحة الوطنية، في تساؤلين هامين يتعلقان به أولهما: ما هي محددات المصلحة الوطنية؟ والعوامل التي قد تؤدي إلى إعادة تعريف وترتيب أولوياتها؟ نتجاوز مُدعىّ التخطيط المسبق الذي لايخدم المصلحتين في تصريحات ساركوزي لقناة "فرانس 2" بتاريخ 11 يونيو 2017 بأن الاستخبارات الفرنسية هي من وضعت تاريخ 17 فبراير 2011 كتاريخ للانطلاق لتسهيل التدخل في ليبيا عسكريا. ونلتزم بالمحددات أي الملموسيات الحاسمة في المسرودات وهو ما تابعنا تفاصيله عبر وسائل الإعلام المتعددة فيما يخص العملية العسكرية التي قادتها بلاده بإيقاف الطيران الفرنسي رتل كتائب النظام الليبي المتجهة لقمع المتمردين عليه في بنغازي، وحمايته لمصراتة جوياً 8 أشهر بأن مكنها من إدارة مواجهة حربية ولوجستية فعالة ضد قوات النظام الليبي وقتها.

وأن الطائرات الفرنسية دمرت 90% من القوة العسكرية للنظام السابق، بل قصفت رتل إخراج الدكتاتور القذافي من سرت، وألقت القبض عليه عندما اختفى عن كتائب مصراتة، وبعد تخديره سُلّم لهم ليقتلوه. وفي المقابل لايمس مصداقية الجانب الليبي ماورد بخصوص محدّد دور الثوار في تصريحات الرئيس ساركوزي في الجانب اللوجيستي، واقتصار عملهم على التقدم بعد عمليات المسح التي أجراها الطيران الفرنسي.

سنستبعد المقترب الليبي حيث لاتبدو منفعة بل شبهات فقط ينبغي على الليبيين اليوم ألا يتداولوها لأنها لاتفيد مصلحة حياتهم البائسة، بل تعتمّها بمصلحة الفوضيات والعدميات التي تمثلها الادعاءات المبنية على تصريحات أطراف ليبية مسؤولة في العهد الدكتاتوري عن خروقات تطالها أحكام الجنائية الدولية ورجل أعمال فرنسي أصله اللبناني تهمته الأكيدة، وشراذم المواليين للنظام الليبي القابعين ببلدان الجوار والمستثمرين أمولاً ليبية منهوبة في بث دعايات وترّهات بأن الثورة الشعبية الليبية ماهي إلا فبركة افتعلها ساسة الغرب كساركوزي وسيلةً لإخفاء حقائق مثيرة عن تعاملاته المشبوهة مع دكتاتور ليبيا السابق. وهو ما يثار هذه الأيام لحسابات سياسية فرنسية محضة بخصوص رشوة تقدّر بحوالي خمسين مليون أورو لتمويل حملة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الانتخابية الرئاسية عام 2007 التي فاز فيها موصلته إلى قصر الإليزيه

في مقالته ـ بالشرق الأوسط ـ وزير الخارجية الليبية السابق المنشق عن رئيسه ممثلاً له عام 2011 في الأمم المتحدة يؤكد بان تواصلات الرئيس الفرنسي مع النظام الليبي بدأت منذ منتصف 2005 وزيراً للداخلية في حقبة الرئيس السابق جاك شيراك مفيداً بأن الاجتماعات لم تتطرق إلى مواضيع سياسية تتعلق بالانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في منتصف 2007، وفاز فيها ساركوزي. وفيما سرده بناءً عن المداولات التي تمت بين دكتاتور ليبيا ورئيس فرنسا في زيارة الأوّل لها أواخر عام 2007 يتشكّك حول شبهة دعم مالي تم تقديمه لحملة ساركوزي الانتخابية سنة 2007. بل يطرح من باب اقتراب المصلحة،ودرايته الواسعة بذهنية الدكتاتور لطول خدمته له السؤال: مقابل ماذا قدّم دكتاتور ليبيا السابق دعمه المالي السخي؟.

يتعين على ساركوزي السياسي النابه الذي قام بما يخدم المصالح الوطنية الفرنسية في ليبيا ورمزياتها ومادياتها في أفريقيا بعمل فعال وحاسم لإنجاح الثورة الليبية دون كل ماسمّى تجاوزاً بثورات الربيع العربي الفاشل أن لايأبه بمن وصفهم بعصابة القذافي .. زُمرة القتلة الذين اتهموه بل هو ليس بحاجة أن يتعهّد بـ "سحقهم" فهم داستهم حركة التاريخ التي لا تمشي إلى الوراء. بل عليه ترتيب العوامل التي قد تؤدي إلى إعادة تعريف وترتيب أولوياته في حدود مصلحته السياسية ومصلحة الوطنية الفرنسية ممثلة في:

ـ الجسم القضائي الفرنسي الذي يشتغل بعفوية موازية تصّب دون درايته في توجيه مصالح الشبكة الدولية لتدوير المال الفاسد للدكتاتورية الليبية بغرض إخفاء المعالم الموصلة إليه والتي بدأت بحادثة غرق وزير النفط السابق بطريقة مشبوهة في نهر الدانوب في النمسا، وفي جوهانسبورغ محاولة اغتيال وإسكات بعد إزاحة التغطية السياسية الجنوب أفريقية الحاكمة عن حمايته حامل مفاتيح حقيبة أسرار الدكتاتور وكيفية تحريك أمواله في أفريقيا مدير محفظة استثمار ليبيا أفريقيا التي يقدر رأسمالها بخمسة مليارات دولار.

ـ المؤسسة الحزبية الفرنسية المتنافسة التي أربك مصالحها الفراغ السياسي الذي يتربص به اليمين وهو ما لم يملأه المشروع اللاحزبي للرئيس ماكرون والذي تواقت صعوده مع السقوط المتزامن للحزبين الكبيرين المهيمنين على الحياة السياسية الفرنسية "الجمهوريون" و"الاشتراكى" فى الانتخابات الرئاسية والنيابية على التوالى فقد خسر السباق إلى الإليزيه المرشح الرئاسى الأوفر حظا للـ "الجمهوريين" فرنسوا فيون جراء فضيحة الفساد التي طالته بسبب زوجته وولديه فيما عرف بقضية "الوظائف الوهمية". وهذا الضرب من السقوط يؤذن بإعادة فتح ملف الفساد المستشري فى النخبة السياسة الفرنسية الحاكمة. وساركوزي لن يكون وحده في مهب عاصفة التشويه السياسي، إذ نذكر وقائع نشرت عن سوء استخدام السلطة طالت رئيسين خادمي المصلحة الفرنسية العليا هما فاليرى جيسكار ديستان بتقاضيه أموالا دفعت ومجوهرات أهديت له من دولة إفريقيا الوسطى مقابل الصمت على تجاوزات زعيمها الملك بوكاسا المريعة بالحقوق الإنسانية لمواطنيها و "جاك شيراك“ الذي لاحقته مع رئيس وزرائه دومينيك دوفيلبان اتهامات بتلقي رشاوى من زعماء أفارقة، قدرت بنحو عشرين مليون دولار، خلال الفترة بين 1995 و2005، نصفها كان لتمويل حملته الانتخابية عام 2000.

محض أكاذيب وافتراءات منذ 11 مارس 2011 حوَّلت حياة نيكولا ساركوزي إلى ـ جحيم لا يطاق كأنه قارة جهنم مسقط رأس القذافي في تخوم سرت الليبية ـ هكذا تكلم حسب "لو فيغارو" في شهادته أمام قضاة وجهوا له قائمة اتهامات، بالرشوة والتمويل غير المشروع لحملته الانتخابية بأموال ليبية. الجحيم مصير كابٍ لسياسي شجاع تحرّى مصلحة بلاده فتوافقت أسبابها ومصلحة الآخرين. مؤسف أن يؤخذ لمماحكات حزبية وسياسية سيئة الطوية في بلده، بجريرة دكتاتور مأفون استمرأ العبث بأموال بلاده طوال أربعة عقود، وبعبث الليبيين الذي حسم معركتهم من أجل الحرية التي لم يفقهوا معناها فيما عبر عنه الفيلسوف سارتر في كتابه دروب الحرية بأن "الجحيم هم الآخرون".