Atwasat

قوس قزح باللون الأسود فقط

محمد عقيلة العمامي الإثنين 26 فبراير 2018, 12:51 مساء
محمد عقيلة العمامي

في بلاد رائقة انتبهت مُدرسة فصل للصم والبكم أن طفلا يجيد الرسم، يأتي إليها بلوحات لا يستخدم فيها إلاّ اللون الأسود فقط، رسوماته كلها أشجارا كانت، أو سيارات، أو ثلوجا، وحتى قلوب عيد الحب والزهور. اهتمت المدرسة بالحالة. حاولت أن تفهم ولكنها داخت. كلفوا الإخصائيين الاجتماعيين بدراستها، ولكنهم عجزوا عن معرفة السبب. خرج الأمر عن نطاق المدرسة، إلى الوزارة، وما فوقها.

انتبهت الأم لقلق إبنها، فهي لا تعرف تعرضه إلى الكثير من الاجتماعات والجلسات والمؤتمرات التي تعقد بشأنه. ذهبت إلى المدرسة؛ أخبروها برفق، عن حالة ابنها المستعصية. أجابتهم ضاحكة: «لا تقلقوا بشأنه، المشكلة أننا فقراء، وهو لا يملك سوى هذا القلم الأسود». حك مدير المدرسة شعره، وطأطأ بعض الحاضرين من علماء النفس رؤوسهم، فيما أخذ الطفل يرسمهم بقلمه الأسود.

قال إبراهام لنكولن: «كل الناس في الغالب يصمدون للشدائد، ولكن إن أردت أن تختبر شخصية إنسان؛ ما عليك إلاّ أن تمنحه سلطة». وبمقدورنا أن نزيد سلطة من دون مؤهلات لها، سلطة جاءت بالصدفة، عندها سوف تستمر المدرسة كلها تلون حتى قوس القزح باللون الأسود فقط.

ولكن نصيحة أخرى، قالها أيضا، رئيس آخر لأميركا، وهو «إيزنهاور» مفادها: «على المتسابق في الرسم المثابرة حتى لو كان هناك احتمال لخسارته؛ فتلك هي المعركة، وتلك هي السياسة.. بل هي، في الواقع، كل شيء».

ورسم أقواس القزح مستمر في بلادنا والمسابقة مستمرة. هناك من يريد أن يزيد المشهد، بمتفرجين يلون قبعاتهم باللون الأزرق. ولكنه لا يعرف أن القبعات الزرقاء لا تملك في الحالة الليبية إلاّ فك اشتباكات قد تتفاقم ما بين المتسابقين.

أي إنهم لا يملكون حلولا.. لا يستطيعون توفير الألوان المطلوبة لرسم قوس قزح ملون وجميل، الذي في الغالب يبشر بغيث نافع، وغيث ليبيا النافع يبتدئ بحسب علم الجغرافيا من الغرب متجها إلى الشرق.

الشرق دائما ينتظر الأمطار تأتيه من الغرب، وكانت إن غابت زمانا قبل اكتشاف النفط تتسبب في مجاعة، وما كان لهم من عون إلاّ من الشرق، حتى إنه في سنة 1947 استقبلت جمعية عمر المختار باخرة محملة بالغذاء والدواء من مصر، وقال حينها أحمد رفيق المهدوي قصيدته الشهيرة، التي استهلها بالبيت الذي يقول: «عليك يا مصر بعد الله نعتمد ** أنت الغوث والرجاء والأمل».

القبعات الزرقاء سوف تساعد على حفظ الأمن حتى تستقر الأمور، أما إن لم تستقر فسوف تُقسم بلادنا؛ وبعدها لن نتمكن من تلوين قوس قزحنا.

فهل هناك حل آخر يعيننا على ضرورة التلوين، بالألوان كافة، ليكون المشهد زاهيا بالألوان كبلدان خلق الله، التي ذاقت مرارة الفكر الأحادي: دينيا كان أم شيوعيا، أو ليبراليا.. أو أي من هذه القناعات الإنسانية؟ نعم:

في تقديري أن الحل يكمن في قبول الأطراف كلها لمبدأ الحوار الحقيقي الخالي من «الدهقنه» والخبث ومبدأ: «إستحوذ عما تقدر عليه ودع النقاش مستمرا».

وتقديري أيضا أن ذلك لا يتم إلاّ باختيار دقيق لمن يوفد للحوار؛ يقتصر على من يريد أن يرى بلاده زاهية الألوان. أما القناعة بمبدأ «العب قدام حوشك» أو نحن نملك سلاح ليبيا كله، وأن الدول الكبرى معنا. فهذا هراء. فلا ينفع اللعب أساسا من دون بقية أطفال الشارع، ولا خلق (عركة) وتعتمد فيها على البوليس ليفك اشتباكها.

الحل في التوافق بمعناه، وليس بحكومة تتسمى باسمه فقط. ذلك إن كنا نريد الرسم بالألوان كافة.