Atwasat

غذاء الروح

د. مها المطردي الأحد 25 فبراير 2018, 03:05 مساء
د. مها المطردي

علماء الحيوان ربطوا مواسم تزاوج معظم العصافير بتنوع ما تصدره من أصوات، وكيف أنها تتفنن في التودد إلى إناثها بالتغريد الشجي، وانتبهوا إلى الفرق ما بين غناء التودد وغناء التحذير من الاقتراب لأعشاشها أو لهجراتها. ذلك يعني أن "الأصوات" التي تبدعها مخلوقات الله كلها لها وظائفها المتنوعة.

وتميز الإنسان بالمحادثة لتحقيق احتياجاته الخاصة وجعلها الحكماء غذاء الروح، وأبدع الشاعر محمد إقبال عندما قال: «حديث الروح للأرواح يسرى فتدركه القلوب بلا عناء» فما بالك بقلبين ربطهما زواج قدّسته الديانات كافة.

الزوجان روحان تحتاجان إلى غذاء، والغذاء هو المحادثة اليومية القادرة على تواصل حياة أسرية سعيدة. فالحديث اللين الهين في المواضيع كافة يكون صداه مُثمرا، فلا شيء يقتل التواصل مثل الصمت. عندما يعود الزوج مثقلا بتصاريف الحياة، ويجد الزوجة مثقلة بمتاعب البيت والحياة، لا شيء يبدد هذا التعب مثل حديث رقيق بينهما أيا كان. فلا ينبغي أن تغلق قلبك عن رفيق حياتك الذي يفرح بالتأكيد ويسعد إن شاركته ما يعتمل في قلبك وتأكد أن الفرح والحزن يستويان عند من تفضي له بسرك فلا تدع قلبك يضيق به.


حدثني زوج محب قال لي: «ذات ليلة عدت إلى بيتي حزينا بسبب إساءة جرحتني كثيرا من والدة زوجتي.. وانتبهت زوجتي لحزني وحاولت أن تهون عليَّ وأن تعرف سبب حزني»، فقلت لها: «دعيك من هذا فإن كان قلبي يضيق بسري، فما بالك بقلوب الآخرين ..» تبسمت زوجتي وقالت: «إن كنت تراني من الآخرين.. اعلم أنني أرى العالم كله، باستثنائك أنت هم الآخرون، فأنت هو أنا وما يحزنك يحزنني وما يفرحك يفرحني..».

فقلت لها: «وهل ترين أن أباك وأمك هم مجرد آخرين؟ » أجابتني: «نعم الطبيعي أن يصبحا آخرين، لأننا أنا وأنت أصحبنا كيانا آخر.. سواك أنت الجميع بالنسبة لي آخر.. أطفالنا هم مشروع آخرين».

وعلى الرغم من أنني لم أستسغ فكرة أن والدي، وأيضا ابنائي يعدون آخر، إلا أن هذا هو واقع الأمر. صحيح أنني مرتبطة بهم عاطفيا وصحيح أن رعايتي لهم مسئولية رئيسية في حياتي. صحيح أن ما أفضى به لزوجي لا أفضي به لهم ولكن لم أستطيع تجاوز واقع الأمر.


وعندما سألته إن كان قد اعترف لزوجته بسبب حزنه، فأجابني: «نعم.. ولقد خففت على وطأة الإساءة، وأكدت لي أن ذلك ما سوف تفعله يوما ما لصهرك.. هذه سنة الحياة».

الرائع أن تلك المحادثة بددت حزني وفوق ذلك قربتني أكثر لزوجي. الذي كثيرا ما نبهني إلى أن الحب لا يزهو بالزهور ولا ينمو بالغرور والخشونة ولا يتسم بالأنانية.. إن أهم واجبات الحب هو الإصغاء.. وهو أهم عناصر المحادثة. فتحدثوا مع بعضكم البعض.. وتدربوا على الإنصات. وسترون النتائج الرائعة.