Atwasat

عُدنا... والعودُ أفظع!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 13 فبراير 2018, 11:19 صباحا
أحمد الفيتوري

1-

تجلسُ ببلاهة قدام التلفزيون كمتلقٍ في انتظار غودو فالمحطة قد بدأت تبث الفاصل، ثم تُفاجأ كطفل: عدنا، هكذا كأنما يكون ذا العود هو غودو ما يأتي ولا يأتي. عُدنا هاتيك اللازمة التلفزيونية الشهيرة كأنما هي (البوربون) العائلة المالكة الفرنسية التي أسقطتها الثورة الفرنسية وعادت لحكم البلاد، وهنا كأنها من لزوم ما لا يلزم عُدنا هذه. إنها حقيقة صاعقة هذا العود للنظام السابق في دول الربيع العربي إما غصبا أو التفافا، ففي تونس، البلد الذي افتك من النكسة الدامية، وزير داخلية الزين شبح بورقيبة من في بلغ العمر عتيا، قرن من الزمان، هو الرئيس، بل وإن السبسي الإبن زعيم الحزب نداء تونس شبه الحاكم...!

الحالة التونسية تستندُ على تراثٍ بورقيبي -المجاهد الأكبر الرئيس مدى الحياة- وحزبي يخصُ حزب الدستور الذي شارك في العمل السياسي لتحرير البلاد، ثم هيمن على السلطة منذ الاستقلال 1956 وحتى قيام الثورة 2011م، وقد عاد بشكل ما إلى السلطة بصيغة جديدة (نداء تونس) عبر توافق بين الشيخين السبسي والغنوشي، ومن خلال الانتخابات التي أعقبت المرحلة الثورية الأولى.

حالة (عُدنا) تجيء من ناحية لإعادة الاستقرار والتوازن ما تغيبهما الثورة التي تقلق الاجتماع وتخلخله، وتجيء من أن الدولة العميقة التي أساسها أمني تضرب بعمق وتتغلغل في الدولة

هكذا حالة (عُدنا) تجيء من ناحية لإعادة الاستقرار والتوازن ما تغيبهما الثورة التي تقلق الاجتماع وتخلخله، وتجيء من أن الدولة العميقة التي أساسها أمني تضرب بعمق وتتغلغل في الدولة، عليه فإنها الثورة المضادة المنظمة والتي تملك إمكانيات الدولة والخبرة في الهيمنة والمناورة من أجل التسلط، تستخدم كل الوسائل من أجل استعادة الدولة: استغلال الفوضى التي تحدثها الثورة، وتوظف تراثها وأساليبها في المواجهة والمحافظة على السلطة.

وفي هذا ومن أجله تحصل الدولة العميقة/ رجال النظام المخلوع على دعم إقليمي وحتى دولي، وفي الحالة التونسية تم دعم السبسي / الدولة العميقة من قبل الجزائر والسلطة الغاشمة فيها، ومن قبل فرنسا التي ترددت كثيرا في قبول فكرة إسقاط النظام في تونس وخلع زين العابدين بن علي وليلى الطرابلسي!... ولعل بمجمل هذا كانت عُدنا التونسية ناعمة وسلسة إلى حد ما وليس كما عود البوربون الفرنسية الدموية.

لكن كما هو واضح أن عُدنا رغم أنها عودة للدولة العميقة لكنها الدولة التي انهارت بفعل الثورة التي دكت أركان تلكم الدولة، ومن هنا فإن هذا العود شد جماح الثورة ولكن من ناحية أخرى أهم لا يشد الثورة التي فعلها عميق وفي غور الروح، بهذا تبقي عُدنا مظهرا تلفزيونيا. وفي الحالة التونسية تم بتوافق بين قوتين متنافستين وعجوزين في نفس الوقت هما للقبر أقرب منهما للحياة، مما يعني في المحصلة استحالة العود بالمعنى العميق للثورة بمعنى إسقاط النظام وليس خلع الزين، فيكون العود في مثل ذا الحال موجة من موجات الثورة ليس الا...

2-

بشر العقيد معمر القذافي في كتابه الأخضر أنه بعد سقوطه ستعم الفوضى، السؤال على أي حيثيات بنى تنبُّؤه التهديدي هذا، ما واجه به ابنه (سيف) الليبيين ساعة الثورة؟

أي مراجعة سطحية حتى سنجد أنها لم تكن تنبؤات بالمرة، بل مرتكزات يقوم عليها عرش العقيد من حول البلاد إلى فوضى مدقعة، خارطة طريقها النهائية الكتاب الأخضر ما مثل نظرية ازدهار الخراب في ليبيا العقيد، وفاعل هذه النظرية اللجان الثورية التي معتقدها يرتكز على تصفية الخصوم وشعارها الموت الزؤام دون السلطة الثورية سلطة العقيد وتسلطه.

في اللا دولة التي نظر وعمل العقيد على إقامة صرحها كانت الأسس والمقومات الفوضى، لهذا حين قامت الثورة خلعت القذافي ولم تسقط النظام الذي لم يكن قائما أساسا

في اللا دولة التي نظر وعمل العقيد على إقامة صرحها كانت الأسس والمقومات الفوضى، لهذا حين قامت الثورة خلعت القذافي ولم تسقط النظام الذي لم يكن قائما أساسا، كما بيت مُتهرئ ومُهدم أُزيل وتده ولحاله هذا لم يسقط لأنه ساقط بالضرورة. وحين خلع الرأس تبدد الجسد المتهالك والميت الأعضاء والمفاصل.

فكيف تتأتى عُدنا في حال العقيد من عمل جاهدا لتشييد مشروعه: اللا دولة؟

ومن تنظيراته لتحقيق هكذا مشروع إعدام النخبة واعتبار الخبرة عديمة الفائدة، وعليه فالتعليم عقائدي محض لأجل التعبئة لتنفيذ خطة الطريق هذه، وحماية السلطة وتسلطها المحض لذا الغرض. ومن أجل ذلك المشروع اللا مشروع تم حشد وتوظيف كل الإمكانات، فالمهمة لا مثيل لها في التاريخ حسب نظره، والنظرية الثالثة لجب ما قبلها وهدم صرح الدولة التي هي مفهوم برجوازي عقيم، كما الحزبية التي هي إجهاض وعليه من تحزب خان، كما الأرض التي ليست ملكا لأحد، كما الرجل الذي لا يحيض والمرأة تحيض، وكما، وكما على المنوال.

هذه النتيجة عمل ونظر لها العقيد معمر القذافي لأربعين سنة ولخصها كتابه، ومن هذا ليست نبؤة كما أسلفنا، بل عمل دؤوب وزرع حثيث من أجل حصاد تم في اللحظة القذافية لعقود أربعة، حيث كل ليلة هي ليلة الفاتح وكل يوم هو السابع من أبريل: الفاتح هو ليلة الانقلاب واليوم السابع هو يوم تصفية الخصوم.

فإن عُدنا فإن العود أفظع!