Atwasat

أحباب الله عباقرة بالفطرة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 12 فبراير 2018, 01:24 مساء
محمد عقيلة العمامي

يقال إن "سر العبقرية القدرة على تركيز الذهن، والعلاقة النمطية بين الأشياء، بمعني المداومة والاجتهاد في البحث عن العمومية بين المفردات". ويقول أخصائي إنجليزي شهير في علم النفس اسمه (أرنست جونس): "العباقرة تسمو عقولهم فوق مستوى التساؤل والشك إلى حد السذاجة المطلقة" بمعني أنهم ينظرون إلى الكون بعين الطفل الغضة الفاحصة. يقول الشاعر (شيللر): "لو أننا كبرنا أوفياء لطفولتنا، نفحص ونفكر بعقليتها، لأصبحنا جميعا عباقرة.." ويقول عالم آخر اسمه (أرنولد جيسل): "إن المرء ليدهش لنشاطه الذاتي وقدرته العجيبة على الابتكار والاكتشاف..".

أنا تعمدت ذكر أسماء هؤلاء (الفرنجة) الذين بحثوا وكتبوا الكثير من بعد أن تخلصوا من أفكار عصور أوروبا المظلمة، عن العبقرية وتطور العقل البشري والطفولة؛ التي حصرناها، بسذاجة، عند مقولة: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".

أما اليهود فكتبوا التلمود مفسرين ما نزل عليهم من التوراة بما يخدم أهدافهم، ركزوا على الأطفال، وظفوا التلمود لتطوير مناهج التعليم، غيروا المنظومة التربوية القديمة في تعليم البنات التي تقول: "أي شخص يعلم التوراة لابنته يفعل كما لو كان يدرب على الفاحش" وكانت غالبية اليهود تؤيد هذا الرأي مستندة على ما يقوله سفر التثنية (11،19): "وعلموها بينكم وتدارسوها إذا جلستم في بيوتكم وإذا مشيتم في الطريق وإذا نمتم أو قمتم" باعتبار أنها تعني حرفيا - بحسب اللغة العبرية - الأبناء الذكور فقط ، بل وأحد الحاخامات يقول: "الأفضل أن تأكل النار كلام التوراة من أن ينقل للنساء" ويقول آخر: "ليس لدى المرأة ما تتعلمه إلاّ معرفة استعمال المغزل".

انتبه اليهود إلى استحواذ الذكور على مناحي التفسير، فجعلوا من مجتمعهم آمرا ومأمورا، كانت خشيتهم أن تعليمها سوف يقوض الحكم الذكوري، فيكرسن حياتهن وفق حاجياتهن ويتجهن إلى العزوبية، ناهيك أنهن لا يقمن بواجباتهن المنزلية، وهو ما عالجه لاحقا القرآن الكريم.

اعتمد أحبارهم على نصوص في التوراة توصي، وتؤكد على ضرورة تعليم اليهودي المخلص العلم لأطفاله، خصوصا تعاليم الدين: "ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك كررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت" التثنية (64،7) ويؤكد (أحبار 6،1) على ضرورة اكتساب المعرفة: "إذا اكتسبت المعرفة فلا شيء ينقصك لكن إذا نقصتك المعرفة، فأنت لن تكسب شيئا" وجاء التلمود وقرر أن تعليمك لأطفالك يسبق صلاتك بل إن المخلصين من الحاخامات يصطحبون أطفالهم للمدارس قبل أن يتناولوا إفطارهم و (الحوليات 23.16) تأمر "لا تلمس الممسوحين ولا تؤذ أبنائي" – الممسوحون أو المدهونون هم أطفال المدارس-.

أما أبنائي فهم المعلمون، الذين تضعهم الشريعة في مرتبة أعلى من مرتبة العائلة: "فالأهل يكتفون بإنجاب الطفل إلى هذا العالم، بينما المعلم يقوده للحياة الآخرة" وتحكي كتب التراث اليهودي أن حاخامات وصلوا قرية لم يجدوا فيها معلما، فذهبوا لحاميها وقالوا له "إنك مخربها. لأن حماتها هم المعلمون.." وقالوا: "ليكن خوفك من معلمك مساويا للخوف من السماء". ويعود تأسيس المدارس إلى النصف الأول من القرن الأول ق.م. وكان الفصل الموكل للمعلم لا يتجاوز 25 تلميذا.

فكانت النتيجة تصدر اليهود لقائمة علماء العالم – فالإحصائيات الموثقة تقرر أن تعداد اليهود أربعة عشر مليونا، فاز منهم 138 عالما خلال 110 سنة الماضية بجائزة نوبل، وتعداد المسلمين بليون ونصف فاز منهم بالجائزة نفسها، خلال الفترة نفسها ثلاثة فقط!.

فماذا فعلنا نحن لأطفالنا العباقرة بالفطرة؟.