Atwasat

ركن العامرية … الإرهاب … (7/5)ديناميكية المجموعات الإرهابية

فدوى بن عامر الإثنين 05 فبراير 2018, 01:15 مساء
فدوى بن عامر

نبدأ من حيث انتهينا في المقالة الماضية، فهل بعد كل ذلك الدمار سيكون بالإمكان إرجاع الإرهابي عن فكره المتطرف!.

لا أظن بإمكانية إعطاء إجابة يقينية عن هذا السؤال، ولكن ربما كان من المفيد البحث في نهج عمل المجموعات الإرهابية. فمن اللافت أن اهتمامات الجماعات المتطرفة لا تنصب على محاولة القرب من الحقائق بل تنكب بكل ثقلها صوب إقناع الآخر بأفكارها بغض النظر عن دقّتها أو منطقها. وقد أشارت بعض أبحاث منظمة START إلى أن التنظيمات أو الحكومات التي تنتهج النهج الديمقراطي بمفهومه الحديث نادرًا ما تنزلق صوب أعمال العنف والإرهاب، وهنا يلّح سؤال وهو ماذا عن الأفعال العنيفة التي تقوم بها بعض الدول الديموقراطية خارج أراضيها، أيعتير ذلك إرهابًا أم لا!.

التنظيمات المتطرفة غالبًا ما تقوم على أساس انفصالي أو بدعم من الخارج أو أنها مهمَّشة أو مسيّطر عليها من قبل نظام الحكم في الدولة، فالأنظمة السياسية غير المنتظمة إضافة إلى الأداء الاقتصادي الرديء والتخبّط العام

الجدير بالذكر أن التنظيمات المتطرفة غالبًا ما تقوم على أساس انفصالي أو بدعم من الخارج أو أنها مهمَّشة أو مسيّطر عليها من قبل نظام الحكم في الدولة، فالأنظمة السياسية غير المنتظمة إضافة إلى الأداء الاقتصادي الرديء والتخبّط العام كل ذلك سينجم عنه آثار سلبية على حياة المواطن مما يساهم في انتعاش الاٍرهاب. وتتعدد أهداف التنظيمات الإرهابية فمنها الرغبة لتغيير نظام الحكم أو احتلال الأراضي أو تغيير سياسات الدولة أو التسلط والتحكم الاجتماعي أو المحافظة على المكانة سواء السياسية أو الثقافية القائمة. وهكذا تبدأ الجماعات ذات الذهنية المتطرّفة بمجموعة من الأفكار كقاعدة تنطلق منها لتحقيق غاية من الغايات التي سبق ذكرها. وقد تكون هناك وجاهة في بعض هذه الأفكار، لكن في ذات الوقت قد تخلو منها تمامًا كحال الجماعات التي نعاني منها حاليًا في بلادنا فمعظمها تمتلك فكرة أو مجموعة أفكارغايتها الظفر بالحياة الدنيا بالتشبث بأهداب الدين ومظاهر التدين.

وأما الاستراتيجيات المتبعة من المجموعات الإرهابية فمتعددة، وبحسب بيل برانيف، منها استفزاز سلطات الدولة نتيجة لضعف التنظيم داخل المجموعة ذاتها مما لا يترك مجالًا للدولة إلا القيام برد فعل عنيف لحماية البلد أو النظام أو الحاكم، الشيء الذي يعطي مسوّغًا للتنظيم الإرهابي لكسب التضامن الشعبي وربما ترجع بنا الذاكرة هنا لأحداث مدينة درنة في تسعينيات القرن الماضي وتعامل النظام السابق لقمعها والذي نجم عنه نوع من التعاطف الشعبي تجاه الشباب المتطرفين. في المقابل هناك خيار تكتيكي آخر للتنظيم الإرهابي وهو العمل على الإطاحة بأركان الدولة بطريقة تدريجية عبر التغلغل الناعم في مفاصل الدولة ومؤسساتها، وقد يصل إلى تمكنه من استصدار قرارات وقوانين من داخل مؤسسات الدولة تعبر عن غايات التنظيم دون الحاجة للزج بعناصره في أتون حرب تستنزف قدراته، ولا أدري إن كان من الجائز هنا التفكير في نهج جماعة تنظيم الأخوان المسلمين.

وقد يرجع سبب استراتيجية الإفساد إلى توجّس المجموعة الإرهابية بقرب وقوع ما قد ينهي وجودها كمعرفتهم المسبقة بخسارتهم في الانتخابات فتلجأ الجماعة حينها لإفساد العملية الانتخابية برمّتها، وتحيلني الذاكرة إلى عهد قريب وتحديدًا إلى ما آلت إليه الأمور عشية فشل وخسارة تيار الإسلام السياسي الليبي في انتخابات المؤتمر الوطني. وتبقى المزايدات استراتيجية أخرى وغالبًا كنتيجة زخم مجموعات إرهابية عديدة حيث تتماهى كل منها برفع وتيرة العنف للفوز بمكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وهو ما يجري الآن على الأراضي الليبية بالعموم.

تجنيد الشباب لصالح التنظيم لا يكون جراء عامل واحد وإنما من مجموعة عوامل متداخلة تتفاعل لإنتاج الإرهاب

وبحسب الباحثين ماكويللي وكوليج فإن تجنيد الشباب لصالح التنظيم لا يكون جراء عامل واحد وإنما من مجموعة عوامل متداخلة تتفاعل لإنتاج الإرهاب وقد حدد الباحثان تلك العوامل في أربع نقاط. أولها الشعور برغبة الانتقام في نفس الشاب تتولد عنه رغبته بالتضحية بالنفس وثانيها إحساسه المستمر بالمظلمة والمسكنة نتيجة أوضاع وأحداث سياسية واقتصادية معينة. والعامل الثالث هو رغبة الشاب الجارفة في الانتماء إلى مجموعة. والعامل الأخير هو فقدان مشاعر الحب والحنان مما قد يدفعه إلى اللجوء للمجموعة المتطرفة. أضف إلى ذلك عاملين آخرين هما رغبة الشاب في جذب الانتباه من خلال إظهار الاهتمام بالسلاح وأحداث العنف والتغير المفاجئ لظروف الشاب الذي من شأنه إحداث هزة نفسية داخله.

وقد يكون من الجائز القول أن الإرهابي لا يكون إرهابيًا إلا بخوضه تجربة التجنيد والاستقطاب للتنظيم الإرهابي ولكن الأخطر الآن وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي نعيشه الاستقطاب المرعب المسمى بالاستقطاب الذاتي وهو كما عرفه كروغلنسكي، حين تحل التكنولوجيا و الإعلام محل الجماعة الإرهابية في تجنيد الشباب بتوفير المعلومات المغلوطة فهي بذلك توفرللشاب فرصة الوقوع في غياهب الأفكار المتطرفة فيسقط إلى الهاوية بذاته. وحيث إن هناك ثلاثة عوامل ضرورية لقدح شرارة الإقدام على أي عمل أو فعل بما في ذلك الفعل الإرهابي وهي المعرفة والتحفيز الذاتي والقدرة الذهنية، فإن توفر هذه العوامل الثلاثة سينتج الفعل، وهذا بالضبط ما توفره وسائل الاتصال الحديث والتطور التكنولوجي والإعلام.

ولا زال السؤال عالقًا لم نجب عليه بعد.