Atwasat

معارضة دون اعتراض

عمر أبو القاسم الككلي السبت 03 فبراير 2018, 01:33 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

عندما عثر على معمر القذافي، سنة 2011 ، وقتل بتلك الطريقة اللاإنسانية، استنكرت ذلك بيني وبين نفسي وأمام أصدقائي المقربين.

ولم أدخل، حينها، في احتمالات أن تكون ثمة جهات خارجية يهمها دفن أسرارها المشينة مع معمر القذافي الذي كان سيفضحها لو تمت محاكمته، ولا تَشَجُّعِ أنصارِه بوجوده حيا بحيث يستمرون في المقاومة. كنت فقط أنطلق من مبدأ إنساني.

ودخلت أنا وابني حيان، الذي لم يكمل سنته السابعة عشرة آنذاك، في نقاشات مطولة حول هذه المسألة.

كنت أبدي له استنكاري لطريقة القتل باعتبارها كيفية (مزاجية) ولا إنسانية (باعتبارها تقتل إنسانا أسيرا أعزل لا يمكنه الدفاع عن نفسه) وأنه كان الواجب على آسريه، ومن حقه هو شخصيا، تقديمه إلى محاكمة عادلة بناء على تهم محددة يمكن إثباتها وفق الإجراءات المعمول بها قضائيا.

كان حيان، كمعظم الشباب المراهقين في عمره، متطرفا في آرائه وحادا ويناقش بعصبية بالغة. وكنت، كأب مثقف ورجل عقلاني وموضوعي، أحاول ترصينه وإدخاله إلى سياق النقاشات المنطقية الحجاجية المنصفة.

كانت حجته: وهو ماذا فعل؟!. هل كان عقلانيا وعادلا ومنطقيا في تعامله مع الليبيين؟.

ينبغي الاعتراف الشجاع والواقعي بأن معارضاتنا في مجملها دكتاتورية في توجهها.

وكنت أرد عليه: إذا كنا سنتبع نفس منهجه، فلماذا ثرنا عليه؟! هل ثرنا عليه لنمارس نفس ممارساته؟! ما دمنا نعارضه لمسائل مبدئية فمن الضروري أن يكون سلوكنا مختلفا عنه. من الضروري أن يكون بيننا فرق حاسم. وإلا فبماذا تميزنا عنه، وما هي دواعي معارضتنا له؟!.

لست أدري إن كان، بينه وبين نفسه، قد اقتنع بحجتي أم لا. لكنه، ظاهريا، يستمر في مخالفته لي (كي لا أقول عناده).

المقصود من هذا الكلام، أن معظم المعارضات في الوطن العربي لا تعارض الأنظمة الاستبدادية الحاكمة من موقف مبدئي متعلق بالحريات العامة غير القابلة للتصرف، ولكن تعارضها من وجهة نظر آيديلوجية خاصة بها. إنها تعارضها دون أن تعترض عليها.

فالتيارات والحركات الإسلامية، مثلا، تعارض الأنظمة الدكتاتورية ليس لأنها قامعة للحريات العامة ولا تعترف بحق المواطنة، وإنما لأنها تقمع حريتها هي بالذات. ولذا فإنها حين تستولي على السلطة تمارس نفس الممارسات، وأحيانا بطريقة أعنف وأنكى.

وإذن، ينبغي الاعتراف الشجاع والواقعي بأن معارضاتنا، في مجملها، دكتاتورية في توجهها. إنها معارضات استبدادية تريد ممارسة رؤيتها الاستبدادية ضد نظام استبدادي حاكم.