Atwasat

عتبة الانفصال

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 يناير 2018, 05:49 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

حتى وقت قريب كان القوميون والوحديون العرب يشتكون من أن هذا الوطن، الممتد من الخليج إلى المحيط، لم يتمكن، بغض النظر عن الأسباب، من أن ينشيء دولة موحدة. بل انقسم إلى «دول قطرية» تحمي حدودها ضد شقيقاتها، كما لو كانت دولا معادية.

لكن خلال العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين أصبح "الوطن العربي" مهددا بالتشظي، المنطلق من على "منصات" عرقية ومذهبية، مثلما هو الأمر في العراق وسوريا واليمن.

الإحساس بهذا الخطر جعل مجلتين تصدران عن مؤسسة الأهرام المصرية، هما "السياسة الدولية" و "الديمقراطية"، تخصصان في عدديهما الصادرين في يناير 2018 ملفين لهذا الخطر. أفردت "السياسة الدولية" لهذه القضية ما أسمته "قسم خاص - ظاهرة الانفصالية في العالم". أما مجلة "الديمقراطية" فقد أسمت "ملف العدد: الحركات الانفصالية: سياقاتها وسياسات احتوائها".

ليس هدف هذا المقال عرض وتحليل الدراسات الواردة في الملفين. لكننا أردنا الإشارة إلى جدية الخطر، ونكتفي بالقول أن التحليلات بهذا الشأن ركزت على الأسباب العرقية والدينية والطائفية والمذهبية. ولم تتطرق إلى حالات السير نحو الانفصال في الحالات التي لا تستند على أسس عرقية أو طائفية، مثلما هو الأمر في ليبيا، التي لم ترتفع فيها المناداة بالانفصال صراحة، وإنما نودي فيها بالمطلب الفدرالي.

نشأت الفدرالية باعتبارها إطارا موحِّدا لكيانات مستقلة ذات مصالح متقاطعة، أي ترتبط مع بعضها في جوانب وتتعارض في أخرى

لذا نريد التطرق هنا إلى مسألة الفدرالية. فتاريخيا نشأت الفدرالية باعتبارها إطارا موحِّدا لكيانات مستقلة ذات مصالح متقاطعة، أي ترتبط مع بعضها في جوانب وتتعارض في أخرى. فتأتي الفدرالية هنا، كما هو الشأن بالنسبة إلى "الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأبرز للفيدرالية* كنظام حكم، اخترعه المؤسسون الأمريكيون، كوسيلة للتسوية بين الصراعات التاريخية بين الولايات** المختلفة، ورغبتها في الانضمام إلى اتحاد يمثل الجميع [...] وهكذا ولدت فكرة الفيدرالية على يد ماديسون وهاملتون بهدف إقناع الولايات المختلفة بالانضمام إلى الاتحاد مع الاحتفاظ بسيادتها التاريخية وتقاسم المسئولية"1.كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل، في المنطقة العربية، مثالا مشابها للمثال الأمريكي. أي أن الأمر هنا يمثل تطورا تقدميا على درب الوحدة.

أما إذا ظهرت نزعات فدرالية، ضيقة أو واسعة الانتشار، في بلد موحد أصلا فيكون "التطور هنا ليس في تسهيل الوحدة، وإنما هو في سبيل التخلص من الوحدة"1.

ومطالبة البعض بتطبيق الفدرالية في ليبيا تمثل،في رأينا، وبوعي أو بدونه، هذا الارتداد عن الوطن الموحد باتجاه الانفصال. كما أنها تمثل حالة غريبة من حالات المطالبة بالفدرالية، ذلك أنها لا تنطلق من "منصات" عرقية أو مذهبية، وهي حالة محتاجة فعلا إلى دراسات جادة للكشف عن البواعث العميقة لهذه المناداة، بعيدا عن الكلام عن التهميش وما إلى ذلك. لأن "هذا التهميش يظل ذا طبيعة إدارية، تمت ممارسته من قبل إدارة النظام السابق"2 وطال أقاليم الوطن كافة "أفلم يقم القذافي بنقل كافة الوزارات (الأمانات!) لسنوات عديدة إلى سرت ثم الجفرة في محاولة لتهميش سكان العاصمة، فالأخيرة أيضا طالها إهمال البنى التحتية. وللمستغرب من هذا القول ليتأكد منه أن يقوم بزيارة لتاجوراء وسوق الجمعة وفشلوم والهضبة بل وأعماق قرقارش"2.

وبما أن هذا التهميش إداري فإنه "يستدعي حلولا من ذات النوع (الطبيعة الإدارية)، والحل الأمثل لهذه المطالب هو اللامركزية وليست الفيدرالية، لأن الأولى: هي نوع من التنظيم الإداري المحلي أو الإقليمي، يخول السلطة المركزية ممارسة الحكم والإدارة عن طريق وكلاء تنتخبهم شعوب الأقاليم، يتمتعون بسلطة إصدار قرارات محلية على الرغم من خضوعهم للسلطة المركزية، ومن خلال إنشاء ديوان حكومي في كل إقليم.

التهميش الإداري يستدعي حلولا من ذات النوع (الطبيعة الإدارية)، والحل الأمثل لهذه المطالب هو اللامركزية وليست الفيدرالية

أما الثانية: فهي نوع من النظم السياسية التي تتخذها الدول في بناءها [كذا] الداخلي، بسبب وجود إقليم (أو أقاليم) يتمتع بوحدة عضوية، تقوم على عوامل جغرافية وتاريخية وعرقية ولغوية وغيرها مختلفة عن باقي الأقاليم، وهو ما لا يتوفر في أي إقليم في ليبيا - أو على الأقل في إقليم المطالبين بالفيدرالية - ولهذا السبب لم تبن مطالبهم على هذه العوامل، لعلمهم التام بأن هذه العوامل متوفرة جميعها وبشكل موحد في كافة أرجاء ليبيا مما يجعل منها وحدة إقليمية واحدة، فإنه لا يوجد إقليم من الأقاليم الليبية يشذ عن هذه القاعدة بشكل مطلق، حتى يكون له حق المطالبة بنظام الفيدرالية"2.

ليس للمطلب الفدرالي في ليبيا قاعدة واسعة على المستوى الوطني العام، لذا فإنه ليس مقيضا له النجاح في استفتاء عام حر، إلا أنه ثمة خشية من أن تتوفر ظروف ما تؤدي إلى فرضه بالقوة.

وإذن فالطرح الفدرالي في ليبيا يمثل، في رأينا، عتبة للمطالبة بالانفصال. كما أن ليبيا مهددة بالانقسام بسبب الصراع على السلطة.

المراجع:

1- د. مبارك مبارك أحمد، معضلة الفيدرالية في المنطقة العربية، السياسة الدولية، يناير 2018. (الجدير بالإشارة أن المقال منشور خارج القسم الخاص).

2- عادل عبد الحفيظ كندير، أبعد من الخلط بين الفيدرالية واللامركزية، أي نظام أمثل لليبيا الغد؟

http://legal-agenda.com/article.php?id=230

* نفضل كتابتها "الفدرالية" بدون ياء بعد الفاء.

** في الحقيقة هي كانت بمثابة "دول" مستقلة قبل اتحادها، وقد تم الإبقاء على كلمة دولة state في اسم الكيان الجديد United States of America الذي ترجم إلى العربية بصيغة "الولايات المتحدة الأمريكية" وكان الأسلم أن يترجم إلى "الدول المتحدة الأمريكية" أو "الدول الأمريكية المتحدة". وكذلك هو الشأن في حالة "الإمارات العربية المتحدة" التي تم الذي تم الاحتفاظ فيه بالإسم الأصلي للكيانات الداخلة في قوامه "إمارة". ينظر: عمر أبو القاسم الككلي، الاتحاديون والوحدويون،

http://archive2.libya-al- mostakbal.org/news/clicked/30791