Atwasat

الانتخابات خطوة أساسية.. ولكن كيف ومتى؟

عبدالمنعم اليسير الخميس 18 يناير 2018, 04:14 مساء
عبدالمنعم اليسير

المفوضية العليا تعلن أنَّ عدد الناخبين تجازو مليوني مسجل، ولكن على أي أساس سوف تجرى الانتخابات؟ تجاوز عدد الناخبين مليوني ناخب يعتبر مؤشرًا إيجابيًّا، وربما يؤكد أنَّ أغلبية الشعب الليبي يؤمن بأنَّ الشرعية تأتي من خلال صناديق الانتخابات.

نعم، كل الاستبيانات والدراسات التي تم إجراؤها في 2012 و2013 تشير بقوة إلى أنَّ أغلبية الشعب الليبي تريد دولة مدنية ديمقراطية غير مركزية يتم فيها التداول السلمي على السلطة ولا تخضع لسطلة الميليشيات، ويتساوى بها المواطنون.

أغلبية الشعب الليبي لا ينتمي إلى الميليشيات، التي أغلبها يتواجد في بعض المدن التي تعتبر نفسها الثائرة التي لها الرأي الأول والأخير في ما يحدث في ليبيا

هذا كان رأي أغلبية الشعب الليبي الذي لا ينتمي إلى أي فكر أو منهج، ويصح القول إنَّ هذا ينطبق على الانتماء للنظام الجماهيري وكذلك التوجه الذي يسعى إلى إعادة ما يسمى «الخلافة الإسلامية» الذي لا يؤمن بوجود ليبيا كدولة مستقلة. وكذلك يصح القول إنَّ أغلبية الشعب الليبي لا ينتمي إلى الميليشيات، التي أغلبها يتواجد في بعض المدن التي تعتبر نفسها الثائرة التي لها الرأي الأول والأخير في ما يحدث في ليبيا.

يذكر أنَّ أتباع النظام السابق لا يؤمنون بصناديق الانتخابات ولكن يؤمنون بالتصعيد الذي ترعاه اللجان الثورية لكي يتم تصعيد الثوريين والمؤمنين بالنظام الجماهيري فقط، أما عن الجماعات التي تريد إعادة ما يسمى «الخلافة الإسلامية» فهم يعتبرون الانتخابات من عمل الكفار أصلاً. وبالنسبة لأمراء الميليشيات الذين يعتقدون بأنَّهم قاموا بتحرير ليبيا من نظام القذافي فمن الصعب أنْ نصدِّق أنَّهم سوف يرضون بانتخابات لا تأتي بغيرهم.

ورغم كل ذلك، فإنَّ الانتخابات هي الطريق السليم لإعادة الأمور إلى الشعب الليبي، ولكن على أي أساس سوف تجرى الانتخابات؟

إنَّ ما حدث بعد انتخابات مجلس النواب في 2014 كان ضربة قاتلة للمسار الديمقراطي للمرحلة الانتقالية. وحدث هذا بتدمير الإعلان الدستوري الذي كان الآلية الدستورية الوحيد لانتقال السلطة شرعيًّا، كالآتي:

1- رفضت كتلة معينة لا يزيد عددها على 40 عضوًا من أصل 200 عضو في المؤتمر الوطني العام بحجة أنَّ مجلس النواب لم يأتِ إلى طرابلس لحضور مراسم استلام وتسليم بسلطة مجلس النواب والتنحي عن السلطة.

2- انطلقت عمليات «فجر ليبيا» التي كانت بداية نشوب الحرب الأهلية التي لا يوجد ضامنٌ لنهايتها حتى الآن.

3- انضم ما يقارب 40 عضوًا من أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبين في 2012، تحت ترهيب الميليشيات والرشوة، إلى المجموعة الأولى من المؤتمر التي انقلبت على الإعلان الدستوري في 2014.

4- قام هذا الجسم بتشكيل حكومة الحاسي لتوازي الحكومة الموقتة دون توفر العدد الدستوري (120) من أعضاء المؤتمر المتخب في 2012.

5- قامت المجموعة التي انتحلت صفة المؤتمر الوطني العام بإقالة أعضاء المؤتمر الذين اعترفوا بشرعية مجلس النواب ورفضوا الانضمام إلى المؤتمر المتحالف مع ميليشيات «فجر ليبيا»، وقامت أيضًا بإضافة أفراد لم ينجحوا في انتخابات 2012 للمجموعة التي انتحلت صفة المؤتمر الوطني العام ليزيد العدد على 100 عضو.

6- اعترف بعض الليبيين بهذه المجموعة أنَّها المؤتمر الوطني العام نتيجة التضليل الإعلامي.

7- وبعد ذلك اعترف ليون بوجود المؤتمر الوطني العام ربما اعتقادًا منه بأنَّه كان فعلاً مكونًا من الأعضاء الأصليين وقبله كطرف سياسي في مفاوضات الصخيرات التي أنتجت ما يسمى «المجلس الرئاسي» وما يسمى «المجلس الأعلى للدولة» من نصف الجسم الذي انتحل صفة المؤتمر الوطني العام.

8- بقي مجلس النواب بعد انتهاء مدته الدستورية وأنتج ما يسمى «المجلس الرئاسي» دون دسترته من مجلس النواب بتعديل للإعلان الدستوري.

9- فشلت هيئة صياغة الدستور لإنتاج دستور يرضي أغلبية الليبيين.

ليبيا الآن في مأزق دستوري بسبب ما فعلته «فجر ليبيا»، ومَن تحالف معها من أعضاء المؤتمر السابقين.

كل ما سلف خلق واقعًا في غاية التعقيد من الناحية الدستورية، حيث إنَّه لا توجد أية آلية دستورية شرعية لإجراء أي انتخابات.. ما هو نظام الحكم؟ ما الدوائر الانتخابية؟ ما صلاحيات الأجسام المنتخبة؟ ما المدة الدستورية لتولي هذه الأجسام المنتخبة؟ ما الخطوات التي تأتي بعد انتهاء مدة هذه الأجسام المنتخبة؟، هذا ناهيك عن قانون الانتخابات أصلاً، الذي لا وجود له الآن. المحصلة أنَّ ليبيا الآن في مأزق دستوري بسبب ما فعلته «فجر ليبيا»، ومَن تحالف معها من أعضاء المؤتمر السابقين.

في وجود هذا المأزق، لابد من إيجاد آلية دستورية موقتة لإجراء انتخابات ترضى بنتائجها أغلبية الشعب الليبي، ولكي تكون هذه الانتخابات حرة، لابد من فك جميع الميليشيات وجمع أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وهذا لا يحدث إلا بالقوة أو عن طريق مشروع مصالحة وطنية شاملة ترتكز على المحاسبة وجبر الضرر وبوجود ضمانات لجميع الأطراف لتقديم التنازلات اللازمة لإنجاح المشروع. ولكن حتى وإنْ تمكنا من الاتفاق على آلية دستورية لإجراء الانتخابات، هل ستكون هذه الانتخابات نزيهة في وجود الميليشيات المسلحة وفي وجود الدعم المالي الأجنبي والقنوات الإعلامية الممولة من دول أجنية؟ هل ستكون هذه الانتخابات فعلاً حرة؟ هل سيتمكن المرشحون الوطنيون الذين ليس لهم دعم مالي يوازي المنافسين الذين قاموا بسرقة المال العام والذين يتلقون الدعم المالي من الدول الأجنبية بتوصيل صوتهم ورسالتهم للناخب الليبي؟

إنْ كانت الجماعات السياسية تريد فعلاً أنْ تخرج بليبيا من هذا المأزق، عليها أنْ تقوم بمصالحة وطنية شاملة يعترف كل طرف فيها بأخطائه ويقدِّم التنازلات وأن يتمَّ فكُّ جميع الميليشيات

وحتى إنْ تمكَّن المرشحون الوطنيون من توصيل صوتهم إلى الناخب الليبي والفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة، هل سيرضى المسلحون والجماعات المدعومة من الخارج بنتيجة هذه الانتخابات؟ كيف تستطيع أي حكومة العمل دون أدوات أمنية نظامية تمتثل لسلطة الدولة وقانونها؟

إنْ كانت الجماعات السياسية تريد فعلاً أنْ تخرج بليبيا من هذا المأزق، عليها أنْ تقوم بمصالحة وطنية شاملة يعترف كل طرف فيها بأخطائه ويقدِّم التنازلات وأن يتمَّ فكُّ جميع الميليشيات وجمع السلاح المتوسط والثقيل ويسلم للقوات المسلحة الليبية. وأن يكون هذا الاتفاق يشمل القيادة العامة للقوات المسلحة وعلى أنْ تكون هناك ضمانات على التزام هذه القيادة بعدم التدخل أو التأثير على المسار الديمقراطي وعلى أنْ تخضع القيادة لسلطة الحكومة المدنية المنتخبة وأن تنتهي ولاية هذه القيادة مع نهاية المرحلة الانتقالية وتولي الحكومة المنتخبة بناء على الدستور الدائم للبلاد.

أما بالنسبة لنظام الحكم في المرحلة الانتقالية فلن ينجح أي برنامج يبقي على مركزية الحكومة لأنَّ الصراع على الوزارات والمال العام سوف يستمر، وانهيار الدولة سوف يستمر وربما يفشل المرحلة الانتقالية المقبلة أيضًا.

إنْ لم نتفق على نظام حكم يرتكز على توزيع ميزانية الدولة على تقسيمات إدارية بالنسبة السكانية والمساحة الجغرافية فلن نصل إلى أي نوع من الاستقرار

إنْ لم نتفق على نظام حكم يرتكز على توزيع ميزانية الدولة على تقسيمات إدارية بالنسبة السكانية والمساحة الجغرافية فلن نصل إلى أي نوع من الاستقرار. ولكي يتم إدارة الميزانية دون فساد الإدارات المحلية كما حدث في نظام الشعبيات، يجب أنْ تكون الحكومات التنفيذية المحلية خاضعة لمراقبة مجالس محلية منتخبة وكذلك مجلس النواب وأنْ يتم تعديل قانون الميزانية والمالية للدولة لتكون المراقبة المالية للدولة موحَّدة عن طريقة منظومة إلكترونية حديثة تضبط الحكومات وتلزمها بتنفيذ قانون الميزانية الوطني وتمنع الفساد المالي.

هناك مَن يقول إنَّ مثل هذا التغيير يتطلب سنوات ويستحال تطبيقه في المرحلة الانتقالية. هذا غير صحيح لأنَّ مثل هذه المنظومات متوافر، ومن الممكن جدًّا تنفيذ مثل هذا البرنامج في خلال ستة أشهر فقط. أما عن الدوائر الانتخابية، التي يجب أنْ تكون هي نفسها الدوائر الإدارية، فمن الممكن جدًّا تبني تقسيمات الشعبيات في الفترة من 2001 إلى 2006، التي هي الأقرب من حيث تحقيق الحكم المحلي لأنَّها مطابقة جدًّا لكل المدن الرئيسية المعروفة في ليبيا.

إنَّ لم نتمكن من القضاء على مركزية الحكومة وتمركز المال العام في الحكومة الوطنية مهما كانت شكلها وتركيبتها، فلن نتمكن من الخروج من الأزمة

إنَّ لم نتمكن من القضاء على مركزية الحكومة وتمركز المال العام في الحكومة الوطنية مهما كانت شكلها وتركيبتها، فلن نتمكن من الخروج من الأزمة. علينا أنْ نتذكر أنَّ هذه القضية هي المحورية والتي كانت السبب الأساسي في عدم الاستقرار السياسي في ليبيا منذ الخمسينات وليس فقط خلال مدة النظام الجماهيري.