Atwasat

محافظ «المركزي» ومصباح علاء الدين

بشير زعبية السبت 30 ديسمبر 2017, 04:42 مساء
بشير زعبية

ربما لم يسبق أن أثار تغيير محافظ لمصرف ليبيا المركزي منذ إنشائه جدلاً ونقاشاً إلى الحد الذي أصبح فيه الحديث في هذا الشأن موضوع الشارع، مثلما هو الحال الآن، ويبدو ذلك طبيعياً إلى حد كبير باعتبار الضرر الذي تسببت فيه سياسة المصرف النقديّة وعوامل أخرى مؤثرة طال الشارع، ومسّ حياة الناس في الصميم، متسبباً في الجزء الأكبر من معاناة الناس اليوميّة.

الحقيقة التي يجب أن تكون في ذهننا جميعاً، هي أنّ المحافظ الجديد، ليس هو بـ«سوبرمان» ولا يحتفظ بمصباح علاء الدين

وتتجسد بعض هذه المعاناة في اضطرار المواطنين للوقوف ساعات طويلة أمام أبواب المصارف لسحب ما يتاح لهم من سيولة نقديّة يحددها المصرف مع ارتفاع جنوني في الأسعار وغلاء المعيشة، وكل ذلك من الأسباب التي دفعت مجلس النواب إلى التصويت على اختيار محافظ جديد للمصرف، وهو المصرفي الليبي السيد محمد الشكري، خلفاً لزميله الصديق الكبير، لكن الحقيقة التي يجب أن تكون في ذهننا جميعاً، هي أنّ المحافظ الجديد، ليس هو بـ«سوبرمان» ولا يحتفظ بمصباح علاء الدين، ليمسح عليه بكفه فيصنع المعجزات، ويقهر المستحيلات، ويحقق الطلبات.

ودخلت الأزمة الماليّة طور التعقيد، جرّاء تراكمات التعامل السيئ مع هذه الأزمة، وغياب سياسة الإنفاق الرشيد، التي ظهرت مؤشراتها في العام 2012، ثم وضحت جلية بما ستحمله من أخطار على الوضع المالي للبلاد، العام 2015، ما يجبرنا على عدم رفع سقف أحلام الناس، حتى لا تتضاعف حالة الإحباط التي يعانونها، وأعتقد أن المطلوب من السيد الشكري: أولاً عقد اجتماع مجلس إدارة المصرف بكامل أعضائه، إيذاناً بعودة الإدارة موحدة، ثانياً أن يعقب اجتماع مجلس الإدارة بيان شفاف يوضح لليبيين الحالة المالية الحقيقية للبلاد، مع خطاب تطمين واقعي، يحوي ملامح خارطة طريق للخروج من الأزمة، ثالثاً الاستعانة (موقتاً) بفريق خبرة استشاري يضم خبراء ماليين ليبيين معروفين بتاريخهم ومنجزهم المهني محليّاً وعربيّاً، ولمَ لا، الاستعانة بآخرين أجانب إن كان ذلك ضرورياً.

يتطلب وجود وزراء مالية واقتصاد وتخطيط، على مستوى عالٍ من القدرة على التعامل مع الأزمة كخليّة عمل تحت اسم المجموعة الوزاريّة الاقتصادية

هذا يتطلب وجود وزراء مالية واقتصاد وتخطيط، على مستوى عالٍ من القدرة على التعامل مع الأزمة كخليّة عمل تحت اسم المجموعة الوزاريّة الاقتصادية، ويتطلب أيضاً أن يكون ديوان المحاسبة على قدر المستوى نفسه، وأن تتعافى ثروة النفط من الاعتداءات والتجاوزات تحت أيّ مبرر، والتشدد في تحصيل دخل الدولة المحلي من ضرائب ورسوم، وما إليها، من أداءات واجبة على المواطن بحكم القانون.

ودون هذا العمل الجماعي، سيكون من الظلم الرهان على المحافظ الجديد ليحدث الفارق في زمن قياسي، ويعيد حال الناس إلى ما قبل طوابير المصارف.

وينبغي أن تكون هذه الحزمة من الإجراءات في سياق منهج مشدّد لمكافحة الفساد، وملاحقة المفسدين قضائياً، محليّاً ودوليّاً، وعدم إسقاط جرائم هؤلاء المفسدين بالتقادم، أو تذويبها ضمن صفقات السياسة والسياسيين، ومبررات المصالحة.

وهذا هو في اعتقادي مصباح علاء الدين الذي سيكون وسيلتنا للخروج من نفق الأزمة، إلى نور المستقبل.